تيريزا

2022-05-27

جبار ياسين

تيريزا تنهضُ مِن نومِها تمام الثامنة

تفتحُ شُبّاكَ غرفتِها

تطلُّ على حديقةِ جارتِها

الدّجاجات ينقرنَ حبوبَ القمحِ.

جارتُها تنهضُ منذُ الفجرِ

تمسحُ تيريزا بنظرةٍ خاطفة

التّلالَ البعيدةَ المطلّة على قريتها

شمسُ الصّباحِ مُشرقةٌ

العصافيرُ تبدأُ زقزقتَها حينَ تفتحُ شبّاكها.

صوتُ جارتِها ونقيقُ الدّجاجات

يُضحكُها كلّ صباح.

تعدلُّ خصلات شعرِها

تنضو قميص النّومِ على مهلِها

وتنظرُ في مرآةِ خِزانتها المصنوع مِن خشبِ الجوز

تقول لنفسِها :

ماذا لو جاورني البحر؟

وتمضي تعدُّ قهوتَها .

يعودُ البحرُ.. تعودُ أمواجُه

الماءُ يترقرقُ بين الصّخورِ

السّاحلُ مهجورٌ في هذا الصّباح

صوتُ النّوارسِ يأتي مِن سماءٍ صافية

هل قضينا المساء هنا ذات يوم؟

هل مضينا متشابكينِ كأغصانِ الياسمين

إلى سريرنا العابرِ في فُندق

والبحرُ يطلُّ على نافذةِ غرفتِنا؟

ما أرقَّ الذّكريات حين تصير سراباً.

ذات مساء خريفي

سربُ أوزٍ مهاجرٍ بعثَ القشعريرة

في جسدينِ متعانقينِ، فقالت لي أُحبُّك

تركنا البحر وراءنا يستقبلُ الشّمسَ

في خشوعِ مساءٍ أخير،

وتبادلنا القُبل حتى الحديقة

وكان الورد يغلقُ أجفانه على إيقاعِ الغروب .

لتيريزا عينانِ مِن قلبِ آسيا

وأنفٌ مِن قرون أوروبا الوسيطة،

شفتاها مِن سواحلِ افريقيا

حمراوتان، ما زال ملح البحرِ فيها

خصلات شعرِها تذّكرني بروبنز

في لوحة اختطاف النّساء السّبيات..

حين تنامُ أسمعُ رنينَ ساعةِ قلبها

وعطر النّومِ على شفتيها،

ويبقى البحر يذكر عطر الأبنوس في جسدينا

طوال اللّيل..

تيريزا، لا تقولي أحبُّكَ في كلِّ قُبلة

اتركي أسرارنا تنتظرُ على جمرةِ العشقِ.

بعد قليلٍ سينهمرُ الماءُ منّا

مِن الماءِ حياتنا

مع الماءِ تعلو شهقاتنا حتى السّماء

حينها قولي أُحبُّكَ

كي نبدأ فصلاً جديداً مِنَ العشقِ

ونبشِّر أحلامنا بسعادةِ اللّيل

ونهبُ البحرَ ما يستحقُّ مِن صلواتنا

وأنينا الدّريّ وذرّات النّعاس على أجفاننا.

حين تنهض تيريزا

أرى ظلّها على الأشجار، على بتلاتِ الزّهور

وعلى جسدي دوائر مِن نورٍ بهيّ

أنتظرُ الشّاي، أنتظرُ القُبلة

وطعمُ الهيلِ في فمِها

فتهبطُ مِن سلّم حجري متمايلة

خُذي ما تريدينَ تيريزا إلا اشتياقي

خُذي منّي سنيناً

واحتفظي بيومِ لقائنا

بقُبلتِنا الأولى على ناصيةِ الطّريق

وأربعين قرنفلة بأكليل هي سنوات عمري

خُذي اللّوز والجوز والسّكر الأسمر مِن شفاهي

واتركي لي صباحاً واحداً

أتذكرين؟

كانَ يوم اثنين وفي الصّباح التقينا،

وفي المساء تزوّجنا ونمنا مثل أميرة وأمير

وظلّ البحرُ وراءنا

موجة إثر موجة يردّدُ أسماءنا

بعد هذا الزّمان الطّويل.

شاعر عراقي







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي