كيف يساعدنا النوم على معالجة مشاعرنا؟

2022-05-26

كيف يساعدنا النوم على معالجة مشاعرنا؟ (التواصل الاجتماعي)

توصل عددٌ من الباحثين في قسم الأعصاب بجامعة برن السويسرية ومستشفى جامعة برن، إلى أنه من فوائد النوم أن الدماغ يقوم بما أسماه التقرير (تصنيف أولويات العواطف) أثناء النوم العميق، والذي تحدث فيه الأحلام لتدعيم تخزين المشاعر الإيجابية، وفي الوقت نفسه يُقلل من ترسيخ المشاعر السلبية. وتوسع هذه الدراسة، التي نشرتها مجلة «ساينس»، من نطاق أهمية النوم وتأثيره في الصحة النفسية، بالإضافة إلى أنه يفتح أمام العالم طرقًا جديدة لابتكار الإستراتيجيات العلاجية. وهذا ما خلُص إليه التقرير المنشور في موقع «ساينس ديلي» المهتم بالشؤون العلمية، نقلًا عن جامعة برن السويسرية.

استهل الموقع تقريره بالإشارة إلى أن مرحلة نوم حركة العين السريعة (يسمى أيضًا النوم الريمي أو التناقضي) تُعد حالة نوم فريدة وغامضة تراود خلالها النائم معظم الأحلام التي تصاحبها عواطف وأحاسيس مكثفة. وبرغم أن السبب وراء إعادة تنشيط هذه المشاعر وكيف تحدث لا يزال غير واضح؛ فإن قشرة الفص الجبهي تعالج عديدًا من هذه المشاعر أثناء اليقظة، لكنها للمفارقة تبدو هادئة أثناء نوم حركة العين السريعة.

يقول البروفيسور أنطوان أدامانتديس من قسم الأبحاث الطبية الحيوية في جامعة برن وقسم الأمراض العصبية في مستشفى إنسيلسبيتال السويسرية، ومستشفى جامعة برن: «لقد كنا نهدف إلى فهم الآلية الأساسية التي تعمل بها هذه الظاهرة المثيرة للدهشة والمهام المنوطة بها».

ويوضح التقرير أن معالجة المشاعر، وخاصة إحساس التمييز بين الخطر والأمان، يُعد أمرًا بالغ الأهمية لبقاء الحيوانات على قيد الحياة. إذ تتسبب العواطف السلبية المفرطة، مثل ردود أفعال الخوف وحالات القلق، في إصابة الإنسان بحالات مرضية مثل اضطرابات ما بعد الصدمة. وفي أوروبا، يعاني قرابة 15% من السكان من القلق المستمر والأمراض النفسية الحادة. ويقدم الفريق البحثي الذي يقوده أنطوان أدامانتديس حاليًا رؤى وأفكارًا تبرز كيف يمكن للدماغ أن يساعد في تعزيز المشاعر الإيجابية ويخفف من حدة المشاعر السلبية أو العواطف المؤلمة أثناء نوم حركة العين السريعة.

فوائد النوم.. آلية مزدوجة

يشير التقرير إلى أن الباحثين بدأوا أولًا بتدريب الفئران وتكييفها للتعرف إلى المؤثرات السمعية المقترنة بالشعور بالأمان وتكييفها على المؤثرات السمعية المقترنة بالإحساس بالخطر (المنبهات المنفرة). وبعد ذلك، سجل الفريق البحثي نشاط الخلايا العصبية في دماغ الفئران أثناء تأديتهم دورة النوم والاستيقاظ. وقد تمكن الباحثون، بهذه الطريقة، من رسم خريطة لمناطق مختلفة في المخ وتحديد الكيفية التي تتحول بها الذكريات العاطفية أثناء نوم حركة العين السريعة.

ويصف التقرير الآلية العلمية لهذا الكشف: تتكون الخلايا العصبية من جسم الخلية (يطلق عليه علميًا اسم سوما) الذي يدمج المعلومات القادمة مدخلات الخلية (يسمى تفرعات شجيرية) ويُرسَل إشارات إلى الخلايا العصبية الأخرى عبر المخرجات. وأظهرت النتائج التي حصل عليها الفريق البحثي أن خلية (سوما) تبقى صامتة أثناء تلقى الإشارات أو المحفزات. ويوضح أدامانتديس قائلًا: «هذا يعني فصل الحجيرتين الخلويتين، بعبارة أخرى، خلية نائمة تمامًا ومدخلات خلية متيقظة تمامًا».

ويعد فك الارتباط هذا مهمًا؛ لأن النشاط القوي للتفرعات الشجيرية يسمح بحل شفرة كل من مشاعر الخطر والأمان، في حين أن مثبطات السوما تمنع تمامًا مخرجات الدورة أثناء نوم حركة العين السريعة. وبمعنى آخر، يُفضِّل الدماغ التمييز بين السلامة والخطر في التفرعات الشجيرية، لكنه يمنع ردة الفعل المبالغ فيها تجاه العاطفة، وخاصة الخطر.

ميزة البقاء

وأكد الفريق البحثي القائم على الدراسة أن عملية التعايش بين الآليتين مفيد لتحقيق الاستقرار لدى الكائنات الحية وبقائها على قيد الحياة. وأوضحت ماتيا أيمي من قسم البحوث الطبية الحيوية بجامعة برن والمؤلفة الأولى للدراسة أن «هذه الآلية ثنائية الاتجاه ضرورية لتحسين التمييز بين مؤشرات الخطر والأمان». وفي حالة غياب هذا التمييز وفقدانه لدى البشر وتولد استجابات مفرطة للخوف، فقد يؤدي ذلك إلى إصابة الشخص باضطرابات القلق. وترتبط النتائج ارتباطًا خاصًا بالحالات المرضية مثل اضطرابات ما بعد الصدمة، والتي يحدث خلالها دمج للصدمات في قشرة الفص الجبهي بشكل كبير أثناء النوم يومًا بعد يوم.

إنجاز في أبحاث النوم

وفي الختام، ينوه التقرير إلى أن هذه النتائج تمهد الطريق لفهم أفضل لمعالجة العواطف والمشاعر أثناء النوم عند البشر وتفتح آفاقًا جديدة لابتكار إستراتيجيات علاجية جديدة لعلاج حالات عدم القدرة على التكيف مع الذكريات المؤلمة، مثل اضطرابات الكرب التالي للصدمة وتعزيزها مبكرًا بالاعتماد على النوم. وتتضمن مشكلات الصحة النفسية الحادة أو المزمنة، التي قد تتسبب في هذا الفصل العصبي الجسدي أثناء النوم، الإجهاد الحاد والمزمن والقلق والاكتئاب والهلع أو حتى انعدام اللذة وعدم القدرة على الشعور بالاستمتاع.

لطالما كانت أبحاث النوم وطب النوم محورًا بحثيًا لجامعة برن ومستشفى إنسيلسبيتال بجامعة برن. وأعرب أدامانتديس عن أمله قائلًا: «نأمل ألا تكون النتائج التي توصلنا إليها مفيدة للمرضى فحسب، ولكن لعامة الناس كذلك».







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي