بوادر فشل الحكومة الإسرائيلية.. هل يعود نتنياهو إلى السلطة؟

الأمة برس - متابعات
2022-05-24

رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو (أ ف ب)

نشرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية تحليلًا لباتريك كينجسلي، مدير مكتب القدس الذي يغطي إسرائيل والأراضي المحتلة، حول احتمالات عودة نتنياهو إلى موقع رئاسة الوزراء في إسرائيل، مع تداعي الائتلاف الحاكم الحالي، واحتمالات التصويت الوشيكة على حل البرلمان، وعودة الادِّعاء لتضمين بعض التعديلات في لائحة اتهامه بالفساد نتيجةً للتناقض في شهادة شاهد رئيس بالقضية.

ويستهل الكاتب تحليله بالقول: أعطى الانشقاق الذي ضرب الائتلاف الحاكم الذي وصفه الكاتب بالهَش في إسرائيل هذا الأسبوع – الذي ربما يكون انشقاقًا مدمرًا – قُبلة حياة سياسية بحسب تعبير الكاتب لبنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الأطول خدمة في البلاد، والذي فقّدَ منصبه في يونيو (حزيران) 2021 بعدما تشكَّلت الحكومة الحالية.

وأعطت استقالة نائبة في الكنيست يوم الخميس – وهي الاستقالة الثانية خلال شهر – للمعارَضة أغلبية ضيقة بمقعدين، وهو ما يكفي من الناحية الفنية لحل البرلمان في تصويت قد تلجأ إليه المعارضة في وقت قريب لا يتجاوز الأسبوع المقبل. وسيؤدي ذلك إلى انتخابات إسرائيل الخامسة في ثلاث سنوات؛ مما يمنح نتنياهو، الذي يقوم بدور زعيم المعارضة حاليًا، فرصة للفوز بمقاعد كافية، وعودته رئيسًا للوزراء على رأس تحالف يعتقد المحللون أنه سيكون الأكثر جنوحًا نحو اليمين المتطرف في التاريخ الإسرائيلي.

ويضيف الكاتب أن عودة نتنياهو لمنصب رئيس وزراء إسرائيل قد تنهي (تجربة سياسية طموحة) بحسب تعبيره؛ فقد جمعت الحكومة الحالية تحالفًا متنوعًا من ثمانية أحزاب سياسية غير متوافقة أيديولوجيًّا، والتي غالبًا ما كانت تقدم تنازلات حتى وقت قريب على الأقل من أجل إطالة عُمْر حكومتها.

ويمضي الكاتب إلى القول إنه حالة عودة تولي نتنياهو رئاسة مجلس الوزراء، من المرجَّح أن يُستبدل بهذا التنوع، ليحل محله تحالف أكثر تجانسًا، ويعود نواب اليمين المتطرف والمتدينون إلى حكومته.

غير أن الكاتب يوضح أن هذه النتيجة لا تزال غير مؤكدة: قد تعارض غيداء ريناوي الزعبي، المشرِّعة اليسارية التي تركت الائتلاف يوم الخميس، التصويت لإجراء انتخابات جديدة، حتى لو بقيت خارج الحكومة. وإذا ما أجرت إسرائيل انتخابات أخرى، فإن بيانات استطلاعات الرأي تشير إلى أن أية نتيجة ستكون ممكنة. ومثلما انتهت أربع انتخابات سابقة من 2019 إلى 2021 دون فائز واضح، قد ينتهي التصويت الجديد مرةً أخرى إلى مأزق برلماني آخر. ويمكن للمعارضة أيضًا تشكيل حكومة دون أن يكون نتنياهو على رأسها.

نتنياهو قد يعود إلى السلطة

واستدرك الكاتب قائلًا: مع ذلك لا يزال نتنياهو أقرب إلى العودة إلى السلطة من أي وقت مضى منذ خسارته لها الصيف الماضي.

وفي يناير (كانون الثاني) 2022 كان نتنياهو يفكر في قبول اتفاق مع الادِّعاء في محاكمته المتعلقة بالفساد التي طال أمدها، والتي ربما أجبرته شروطها على ترك مواقع السياسة الأمامية لعدة سنوات. لكن الأحداث الأخيرة حسَّنت من فرصه: في المحكمة هذا الأسبوع، فقد استشعر المدعون العامون الحرج بسبب التناقضات في شهادة أحد شهود الدولة الرئيسين ضد نتنياهو؛ مما دفع الادعاء للمطالبة بتغيير صياغة لائحة اتهام نتنياهو.

وفي البرلمان لا يزال نتنياهو على بعد أيام فقط من أن يكون قادرًا على الدعوة إلى تصويت قد يؤدي إلى انهيار الحكومة، ثم وضعه في موقع رئيس ليحل محلها.

 قال أنشيل بفيفر، مؤلف كتاب «بيبي»، سيرة نتنياهو: إن «نتنياهو مستعد دائمًا للعودة. وإسرائيل لم تتغير، ولا تزال منقسمة بين مؤيديه ومنتقديه، لذا فإن انتخابات أخرى هي مجرد رمية نرد أخرى لمعرفة: هل بإمكانه أخيرًا تحقيق أغلبيته المراوغة أم لا».

ويرى كينجسلي أنه في حالة فوز نتنياهو، سيكون ذلك بمثابة عودة سياسي (أعاد تشكيل) ملامح إسرائيل في القرن الحادي والعشرين أكثر من أي رئيس وزراء آخر. وفي الفترة الأخيرة التي قضاها في المنصب، والتي استمرت لمدة 12 عامًا، أشرف نتنياهو على تحول المجتمع الإسرائيلي إلى اليمين وأشرف على انهيار محادثات السلام الإسرائيلية الفلسطينية، بينما عزز الوفاق الدبلوماسي مع أجزاء من العالم العربي. وقال منتقدون إنه قوَّض سيادة القانون من خلال البقاء في الحكومة أثناء المحاكمة بتهمة الفساد، وهو قرار أدَّى إلى انقسام اليمين الإسرائيلي.

وعلى مدار العام الماضي 2021 دفع نتنياهو وحزبه اليميني الليكود، إسرائيل إلى شفا انتخابات جديدة من خلال إستراتيجية تذكرنا بالإستراتيجية التي استخدمها الحزب الجمهوري في الولايات المتحدة، كما يقول المحللون. لقد هاجم بلا هوادة شرعية الحكومة واتهمها بالاحتيال على الناخبين. وقد قوَّض قدرة الحكومة على العمل من خلال رفض العمل معها في أي تشريع جديد، حتى في الأمور ذات الاهتمام المشترك.

نتنيناهو يتهم بينيت بأنه خدع الجمهور

ولم يصل نتنياهو إلى حد القول إن نفتالي بينيت، خَلَفه في موقع رئيس الوزراء، سرق الانتخابات في مارس (آذار) الماضي. لكنه جادل مرارًا وتكرارًا بأن بينيت خدع الجمهور الإسرائيلي بخوض الانتخابات على أنه ينتمي لليمين، ثم تشكيل ائتلاف مع اليسار. ووسط تصاعد المقاومة الفلسطينية خاصة ضد المدنيين الإسرائيليين، رفض الدعوات إلى الوحدة الوطنية من خلال انتقاد بينيت بانتظام، واتهم الأخير بترك إسرائيل أكثر عرضة للـ(عنف) من خلال التحالف مع العرب.

وبحسب الكاتب فإن حزب الليكود صوَّت ضد السياسات اليمينية التي كان يدعمها في السابق  لتقويض الحكومة. وفي المثال الأبرز، في يوليو (تموز)2021، رفض الحزب جهود إدارة بينيت لتمديد حظر حصول الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة على الجنسية الإسرائيلية، أو الإقامة من خلال الزواج من عرب إسرائيليين – وهو بند كان قد دعمه في السابق. وحاليًا يعرقل الليكود مشروع قانون حكومي من شأنه أن يدعم الرسوم الدراسية لقدامى المحاربين من جيش الاحتلال، على الرغم من أن العديد من نواب الحزب دعموا هذا المفهوم.

وقال ميتشل باراك، المحلل السياسي وخبير استطلاعات الرأي والمساعد السابق لنتنياهو: إن «هناك مقارنة مع ترامب». وأضاف: «لا يوجد شيء مثل توافق الحزبين لدى نتنياهو عندما يحاول إسقاط هذه الحكومة».

غير أن خط الهجوم الرئيس لنتنياهو كان خاصًا بإسرائيل. لقد استهدف هو والليكود أعضاء الائتلاف اليميني، وصوروهم على أنهم (محتالون) لانضمامهم إلى الحكومة، وهي أول حكومة تضم حزبًا عربيًّا مستقلًا، حزب القائمة العربية الموحدة (راعام). وبعد أشهر من هذه الانتقادات، انشقت نائبة الائتلاف اليميني إيديت سيلمان، في أبريل (نيسان)، قائلة: إن الحكومة عرَّضت الطابع اليهودي لإسرائيل للخطر. وبدورهم، اتهم منتقدو الليكود الحزب بالتحريض والنفاق.

نتنياهو يتودد إلى الناخبين العرب

وتودد نتنياهو إلى الناخبين العرب قبل انتخابات العام الماضي، وقال زعيم حزب راعام منصور عباس إن نتنياهو ضغط بطريقة معينة لإقناع الحزب العربي بدعم ائتلاف بقيادة نتنياهو. وعلى خلفية خطاب نتنياهو القاسي، تقوم مجموعات من المتظاهرين بانتظام بمضايقة أعضاء الجناح اليميني في الائتلاف خارج منازلهم وحتى في المناسبات التذكارية. واعتقل أحد مؤيدي نتنياهو في مايو (آيار) 2022 لإرساله رصاصتين إلى أفراد عائلة بينيت.

وقال ميكي زوهار النائب البارز عن حزب الليكود إن الحزب عارض العنف ولم يحرِّض أنصاره، وأن نتنياهو نفسه كان (ضحية تحريض) أثناء توليه منصبه. وقال أيضًا إن الليكود لم يطلب من راعام سوى دعم التصويت بالثقة في نتنياهو رئيسًا للوزراء، لكنه لم يعرض أبدًا على الحزب مكانًا في حكومة ائتلافية.

قال زوهار: «كانت إستراتيجيتنا بسيطة للغاية. وكنا نحاول أن نفعل كل ما في وسعنا لإقناع الناس من هذا التحالف بالانسحاب منه». وأضاف: «نريد أن نذهب إلى الشعب ونطلب دعمهم لمنحنا الأغلبية للحكم اليهودي هنا في إسرائيل».

وحظيت جهود الليكود بدفعة خفيفة هذا الأسبوع، عندما طلب الادعاء في محاكمة نتنياهو بشأن الفساد التي طال أمدها تحديث لائحة الاتهام بعد أن اعترف شاهد رئيس خلال استجواب الشهود بوجود تناقضات في الشهادة التي أدلى بها للشرطة.

بينيت (أ ف ب)

ويخضع نتنياهو للمحاكمة منذ عام 2020، بتهمة توفير ظروف عمل مواتية لأصحاب وسائل الإعلام الكبرى مقابل تغطية إعلامية إيجابية عنه، وقبول الهدايا مقابل خدمات سياسية. والاتهامات التي ينفيها نتنياهو هي السبب الرئيس وراء انفصال زملائه اليمينيين مثل بينيت عنه وتشكيل حكومة مع خصومهم السياسيين. وإذا فقدت هذه الاتهامات مصداقيتها أثناء إجراءات المحكمة، فقد يسهِّل ذلك على نتنياهو إقناع بعض حلفائه السابقين بالعودة إلى الحظيرة.

لكن من المرجح أن تستمر المحاكمة لسنوات؛ مما يعني أنه لن يكون لها تأثير إضافي يذكر على قرار البرلمان بإجراء تصويت على حل نفسه الأسبوع المقبل. وفي مقابلة قالت ريناوي الزعبي إنها لم تقرر بعد هل ستصوت لصالح إجراء انتخابات جديدة أم لا، بينما قال زوهار إن الليكود لا يزال غير متأكد: هل سيدفع باتجاه تصويت قد لا يفوز به أم لا يدفع في ذلك الاتجاه.

وحتى لو جرى إجراء تصويت، وعاد نتنياهو بعد ذلك رئيسًا للوزراء، يعتقد بعض المعلقين أن عودته قد تكون قصيرة الأجل.

كتب آري شافيت، الصحافي الإسرائيلي، في تعليق لصحيفة «ماكور ريشون»، وهي صحيفة يمينية: «على المدى الطويل سيكتشف نتنياهو أن الطريق الذي اختار أن يسلكه سيقوده إلى طريق مسدود. وسينظر العديد من ناخبي يمين الوسط إلى قوميته المتشددة على أنها أنانية لا حدود لها. وقوميته المتعصبة ستخيف مئات الآلاف وتفزعهم». وأضاف: «عندما يتضح أن بيبي لم يعد قادرًا على السيطرة على الحريق الذي أشعله، فسيحترق به هو نفسه»، بحسب ما يختم الكاتب.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي