موتٌ ظننتُه لعبة اختفاء

2022-05-21

يعقوب عزيز

وأنتِ تكنُسين شَعركِ المُتساقط

على أرضيّة المنزل

تلوّحين بأصابعكِ كما تعزفين

سيمفونية الفِراق الحَزينة

تلعنينَ مراراً البثورَ على وجهـك

صهيلَ جيوش الغِيرَة بداخلك

وأنت ترَيني أُحادِثُ الأُخريات

تعانقينَ الذكرياتِ كُلَّ صباح

تُشرّعينَ نوافذ الحنين؛

التي يتسلّلُ منها مُباغتاً

مُعانقاً أحلامك المُعلّقة على

مِشجب الأماني

تنامين، تصحين، تأكلين

وتقطُفينَ الوَرد من الحدائق العموميّة

تتأمّلينَ كثيراً الأطفال فاقدي السَّند،

على الأرصِفة الباردة

وتأفّفَ الكهُول في محطّات النقل

تُمازحينَ أصدقاءك نهاراً

تَخيطينَ الجِراح بضماد المَزحة،

وتُودِعينها جيب الزمن

مسـاء الخير لكِ؛ ولكفّيَّ اللتين

لن تُرتّبا نبضاتِ قلبِك

وذاتُ الحزن، يجعلك يوميّاً

تذبُلينَ ببطء

وتتآكلين كما قالب صابون.

■ ■ ■

نسمةُ شباط في هذا المساء تُغري بالحبّ،

بالضحك

بالبكاء

بالكتابة، في آن واحد

الآباء والأمّهات على المَركبات العامّة

وفي المطاعم،

مشغولون بتغيير حفّاظات أبنائهم

والتمسيد على رؤوسهم خِشية أن

تقبّلهم زوجاتُ الجّن

سرّاقو الأحذية يَعتمرون الإيمان

قبيل أن يلعَنوا الشيطان

أو يحمدوا الله على أحذية فقراء

يفوقونهم إيماناً

أمامي الآن سيّدة ثلاثينيّة حسناء

تتوجّسُ خوفاً من أن يُسحَبَ رَجلُها عنوةً منها

من ياقة قميصه أو من داخل حقيبتها الجلدية

جارنا الغنيُّ المتعجرف، يشمئزُّ كلّما رآني صباحاً،

وأنا أدرّب هيئتي الرثّة على زجاج سيارته السوداء الأنيقة لأُثيرَ إعجابك

الكلمات تخرجُ من أفواه العشّاق معسولةً

لمحبوباتهم،

قبل أن يهاجمهم الليل، ويضع في حدائقهم

شرنقة الخيانة في أكمامِ أُخريات تفُوقهنّ دفئاً

الشعراء لا يموتون صيفاً

فقط يلعبون لعبة الاختفاء

فتجدهم أحياناً يذبلون داخلَ أُصُصهم

الملأى بالماء،

والقُصاصات الصغيرة

الأصدقاء أكتافٌ ونِصال

أنا يا جميلتي وسط كلّ هذا الخواء أضغطُ

سمّاعة الأذن على صدغي، وأسترسلُ بحبال أفكاري

على أغنية هشّة،

ضُبِط إيقاعُها على ضربات قلبي تماماً

وعلى وقع الغيوم التي تخيّمُ

فوق رأسي وتذرفُ الدموع كلّما وطأتُ

رصيف المدينة البارد

يمكن لابتسامة واحدة منك

أن تزيل عنّا كلَّ هذا الغبار

وتزيل من القلب الصدأ

هذه الأصابع أصابع مراهقٍ ما زال

عالقاً بكهفك، بينما أنت تشعرين بالاختناق،

وترسمُينَ أنوثتك بالحنّاء

لرجُلٍ سخيف

لا يعرفُ كيف يمرّنُ الشامة السوداء أسفل

شفتك العُليا على الابتسام

كلّما داعبتْ نسمةُ شُباط،

وجهكِ الملائكي.

■ ■ ■

في الصباح يستيقظ الجميع؛

يمضون مسرعين إلى عملهم

وحدي أصحو بعينين شبه مُغمضَتين،

أبتسم في وجه الربّ

ابتسامة خفيفة كما فراشة

لا أفرّشُ أسناني

أتناول ضحكتكِ اللّامعة،

أُذوّبها في كوب قهوتي، جُرعة جُرعة

تغدِقُ الابتسامات على القلب

وتزيح آثار جميع النساء

اللّاتي بكينَ هناك.

اليوم عندما زرتُ الطبيب

كتب لي وصفةً ومضى... لم يسألني

كنتُ أتحسّس القُصاصة في جيبي طول الطريق

عندما فتحتُها في المنزل خرجتِ لي منها

كاملة بفُستانك الأحمر

ورحتِ تخطّين عليها شيئاً ما... بأحمر الشفاه

بينما الألم يحزّ رأسي الدائخ

عندما صحوتُ،

لم أجدك، ولم أجد كوب القهوة

شرّعتُ القُصاصة أمامي

كان اسم زوجكِ مكتوباً عليها

حاولتُ جاهداً أن ألتقط وأتذكّر شيئاً ما... لم أستطع

بينما تحوّلتِ القُصَاصة

إلى فراشة ثمّ ابتسامة صباحيّة

وطارت بعيداً بعيداً إلى يد الربّ.

■ ■ ■

مساءُ الخير لعينيكِ اليوم

وأنت تشترينَ الأمومة مُبكّراً،

لتقتُلي فرصة لقائنا مجدّداً

ولتتركيني وحيداً هذا المساء

وسط فوضى نجوان درويش

أحدّقُ في سقفِ الغُرفة بذهول

يبتسمُ له خشبُ سريري

الذي استحضَرتكِ فيه وهماً

واختطفتكِ إليه بشرعية الجنون.

■ ■ ■

أنا رجلٌ وحيد،

وحيد مثل طفل انتشلوه من قاع الحرب

مثل عجوزٍ يُطعم أصابعه،

للمشرّدين في الطُّرقات العامّة

مثل دمعة يتيم

مثل عاشقة مخذولة،

تمارس البكاءَ سرّاً في حديقة حبيبها المُخادِع

جرّبتُ مرّة أن أصطحب الفرح

إلى الرصيف المُقابل

فبكى وعضَّ ذراعيّ

الأحزان تسبقني

وتلوّح لي من جميع الأرصفة

جرّبتُ مرّة أن أقول لامرأة

"أحبّكِ"

فتبعثرت مني كذرّة غبارٍ

وابتسم لي،

حارسُ المقبرة

أنا رجل وحيد

فرحتُ مرّتين

مرّة، عندما دخّنتُ سيجارة

خفيةً عن عين أبي

ومرّة عندما صنعتُ

القهوة في بيتي

أعلم أنّ كُلّ هذا لن يفيد

لكنّه أفضل من اللا شيء

لكنّه أفضل من الوحدة.

شاعر من السودان، من مواليد 1999







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي