لماذا تعارض تركيا انضمام السويد وفنلندا لحلف الناتو؟

الأمة برس - متابعات
2022-05-20

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان (ا ف ب)

تدور أغلب التوقعات الدولية والتحليلات السياسية العالمية مؤخرًا حول أسباب اعتراض الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن طلب انضمام السويد وفنلندا إلى حلف الناتو، وأن الرئيس التركي قد يستخدم هذا الاعتراض من أجل الحصول على تنازلات سويدية بشأن القضية الكردية وتعطيل شراء الطائرات المقاتلة الأمريكية، بحسب ما جاء في تقرير للمراسلَيْن لورا بيتل من أنقرة وريتشارد ميلن من ستوكهولم لصحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية.

يبدأ المراسلان التقرير بالقول إن قرار الرئيس رجب طيب أردوغان بالمضي قدمًا في معارضة تركيا لطلب السويد وفنلندا الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو) قد عَطَّل خطة كانت تهدف إلى قبول دولتي الشمال الأوروبي سريعًا في الحلف العسكري الغربي.

لماذا ترفض تركيا؟

وتشير الصحيفة البريطانية إلى أن المسؤولين السويديين أمضوا عطلة نهاية الأسبوع الماضي الأحد 15 مايو (آيار) 2022 في التقليل من احتمال أن تُفسِد أنقرة -العضو في الناتو منذ عام 1952- عليهم فرصة الانضمام إلى الحلف باستخدام حق النقض «الفيتو» ضدهم، وهي وجهة نظر رددها المسؤولون الغربيون؛ لكن الرئيس التركي وصف السويد وفنلندا يوم الاثنين 16 مايو 2022 بأنهما «حاضنتان» للجماعات (الإرهابية)، وطلب من وزراء خارجيتهما ألا يكلِّفوا أنفسهم عناء زيارةٍ كان مخطط لها إلى بلاده في الأيام المقبلة.

وقال أردوغان في مؤتمر صحفي مساء الاثنين: «إنهم قادمون لإقناعنا. أنا آسف، لكن لا تضيعوا وقتكم»، مشددًا على أنه: «ليس من الممكن أن نوافق على هذا الطلب».

ما يريد أردوغان الحصول عليه

ويلفت التقرير إلى أن السؤال المطروح الآن هو: ما الذي يأمل أردوغان أن يكسبه من موقفه هذا؟ ويجيب التقرير أن تركيا كانت تتمتع بعلاقات آخذة في التحسُّن مع بعض العواصم الغربية منذ الغزو الروسي لأوكرانيا. لكن الرئيس التركي، والذي يعاني من اقتصادٍ مضطرب قبل الانتخابات المقرر إجراؤها قبل يونيو (حزيران) من العام المقبل 2023، لديه أيضًا سجل في الاعتراضات والمواجهات الحادة مع الغرب لتحقيق مصالح تركيا، ويجادل بعض المُعلِّقين بأنه يسعى لاستخدام نفوذه لانتزاع تنازلات من السويد والولايات المتحدة يمكن التلويح بها على أنها انتصار سياسي في الداخل.

وقال وزير خارجية لوكسمبورج جان أسيلبورن لمحطة الإذاعة الألمانية دويتشلاند فونك يوم الثلاثاء إن أردوغان «يرفع ثمن» انضمام دول الشمال إلى الحلف الغربي. ويقول مسؤولون فنلنديون إن أنقرة ترى السويد، وليس فنلندا، على أنها المشكلة الرئيسة، وهو الوضع الذي أثار حفيظة السياسيين في العاصمة الفنلندية هلسنكي. وكان المسؤولون الفنلنديون يسعون حثيثًا للتودد إلى أعضاء الناتو الحاليين لضمان (الانضمام السَّلس) لعدة أشهر. وقال مسؤول فنلندي: «لستُ على يقين من أن السويديين كانوا حريصين على فعل ذلك».

معضلة السويد

ونوَّه التقرير إلى أن تركيا قد تضغط سعيًا وراء تسليم السويد الأعضاءَ الذين تحدث عنهم أدروغان في حزب العمال الكردستاني، لافتًا إلى أن الميليشيا -التي تصنفها تركيا والسويد وكذلك الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة على أنها منظمة إرهابية – شنَّت تمردًا مسلحًا ضد الدولة التركية على مدار السنوات الأربعين الماضية، وينظر غالبية الشعب التركي إلى ذلك باعتباره تهديدًا وجوديًّا. وقالت وكالة أنباء الأناضول التركية الحكومية إن السويد فشلت في الاستجابة لطلبات إرسال 11 عضوًا من حزب العمال الكردستاني للمحاكمة بتهم الإرهاب في تركيا في السنوات الخمس الماضية.

وأشار وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو إلى أنه يريد من السويد وفنلندا رفع حظر الأسلحة الذي فرضته – إلى جانب بعض الدول الأخرى أبرزهم أمريكا- على تركيا في عام 2019 عندما تدخل الجيش التركي بمهاجمة الميليشيات الكردية المرتبطة بحزب العمال الكردستاني في سوريا. كذلك يشعر المسؤولون الأتراك بالغضب من أن كبار المسؤولين السويديين، بمن فيهم وزير الدفاع، أجروا مناقشات مع شخصيات بارزة من ميليشيا كردية سورية لها صلات وثيقة بحزب العمال الكردستاني بحسب وصف التقرير.

ويستدرك كاتبا التقرير أن حكومة الحزب الاشتراكي الديمقراطي في السويد ستجد صعوبة في تقديم تنازلات لأنها تواجه انتخابات برلمانية صعبة في سبتمبر (أيلول) 2022، وقد أغضبت بالفعل يسار حزبها والشيوعيين السابقين من خلال التوقيع على طلب عضوية الناتو، كما يوجد في السويد جالية كردية كبيرة وهناك تعاطف سويدي واسع النطاق يميل إلى دعم الأكراد.

يقول بول ليفين، مدير معهد الدراسات التركية بجامعة ستوكهولم، إنني: «أخشى ألا تجد السويد مساحة كبيرة للمناورة»، مضيفًا أن «السويد كانت منذ مدة طويلة دولة تفتخر بالاستقلال والحياد وكونها الضمير الأخلاقي للعالم، إذا جاز التعبير. إننا ندافع عن المساواة وحقوق الإنسان والمساواة بين الجنسين. ولم يكن من الممكن للديمقراطيين الاشتراكيين (الذين يحكمون الآن) التحول لدعم عضوية الناتو لأنهم اعتقدوا، وطمأنوا أتباعهم، أنهم لن يضطروا إلى التخلي عن هذا الدور الحاسم».

مساومة واشنطن

وأضاف التقرير أنه من المقرر أن يجتمع جاويش أوغلو مع نظيره الأمريكي أنتوني بلينكين في نيويورك يوم الأربعاء وقد يسعى للمساومة مع الولايات المتحدة بشأن الدعم التركي لتوسيع الناتو.

وقال أسيلبورن إن تركيا قد ترغب في الضغط على الولايات المتحدة للتراجع عن قرار إخراج تركيا من برنامج الطائرات المقاتلة «إف-35» بعد أن اشترت نظامًا صاروخيًّا روسيًّا (S-400) والموافقة على طلب أنقرة للمساعدة في تحديث قواتها الجوية من خلال السماح لها بشراء طائرات جديدة من طراز «إف-16».

ولكن بينما أعربت إدارة الرئيس جو بايدن في السابق عن دعمها لطلب تركيا شراء طائرات «إف-16» جديدة بالإضافة إلى مجموعات تحديث «إف-16»، فإن الاقتراح يتطلب موافقة الكونجرس الذي وصفه التقرير بالمتشكِّك حيال هذا الدعم.

وينوه الكاتبان أنه وبحسب تصريح إيمري بيكر، مدير أوروبا في مجموعة أوراسيا الاستشارية الذي قال: «في ضوء النظر إلى أردوغان باعتباره حليفًا غير موثوق في الناتو، فقد لا يكسب أردوغان أي داعمين في الكونجرس»، ويعتقد بيكر أن الزعيم التركي قد يتراجع في نهاية المطاف بعد تأمين بعض التقدم «الرمزي» والحقيقي الملموس على أرض الواقع من دول الشمال الأوروبي الذي يمكنه استخدامه «لحصد الدعم الشعبي في الداخل» بحسب تصريح إيمري بيكر، ويضيف كاتبا التقرير أنه من المقرر أن يلتقي الرئيس الفنلندي ورئيس الوزراء السويدي بايدن في البيت الأبيض يوم الخميس 19 مايو 2022.

ويقول مسؤولو الناتو إن الحلف من المرجح أن يكمل المرحلة الأولى من عملية التقديم لفنلندا والسويد في غضون أسبوع أو أسبوعين، الأمر الذي يسمح لهما بالانضمام إلى قمة في مدريد بوصفهما أعضاء محتملين في يونيو (حزيران) 2022. وقال دبلوماسي من إحدى دول الناتو: «إنها فرصة مثالية لالتقاط الصور للترحيب بهم». ويأمل القادة الفنلنديون والسويديون في التحدث إلى أردوغان عبر الهاتف في الأيام المقبلة لمحاولة التفاوض على الأمر، وقال الرئيس الفنلندي سولي نينيستو إنه متفائل بإمكانية التغلب على المأزق «بمحادثات بناءة».

ولكن، وحسب ما تستدرك الصحيفة، يحذر البعض من أن تهديد أردوغان بعرقلة عضوية الدولتين يجب أن يؤخذ على محمل الجد. وقال آرون شتاين، مدير برنامج الشرق الأوسط في معهد أبحاث السياسة الخارجية ومقره فيلادلفيا، إنني: «أعتقد أن الافتراض الأساسي بأنه سيوافق في نهاية المطاف أمر مثير للضحك». وقال إن المسؤولين الغربيين قللوا باستمرار من خطورة التهديدات التي وجهها الرئيس التركي.

وقال: «أنا لا أعرف ما ستؤول إليه الأمور»، مضيفًا، «يمكنني أن أطرح الحجة القائلة بأنه سيأخذ شيئًا ما -مثل عربون صلح- قبل قمة مدريد. ويمكن أيضًا أن يصر أردوغان على موقفه بدون أن يأبه لأي شيء»، حسب ما يختم التقرير.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي