شذرات روزا… أو سلسبيل أزهار الخير

2022-05-11

شذرات روزا… أو سلسبيل أزهار الخير

رشيد سكري

عبر هذه البوابة الضيقة، وعبر هذا الشباك الزاهي بأطياف العشق، كان ملمسها ناعما، كنتف القطن المغسول بماء المطر.

روزا… كعادتها الدؤوب، ومنذ ثلاثين عاما، تحمل رشاشا نحاسيا مترعا بماء فرات، وتطوف كنحلة مطنان على أزهار الخريف. أزهار تسبح في ممر ضيق في لون البحر، وفي شرفة مطلة على ساحة شرفية ذات أبواب سبعة تروي سلسبيل أحداث يحفظها التاريخ في حبه المقرور. في روندا، أو في أماكن أخرى كلها تلهج بعشق أكبر.

روزا تتملى تحت أشعة الشمس الدافئة، نباتات نادرة جلبها المعتمد حفيدها الأصغر، من أحد المتاحف التي تعرض تراثا عربيا في الأندلس.. مجسمات، وأوان عتيقة، وشواهد روامس قديمة تشي بفتوات صبوية متوارية وراء غيم.

بالملمس الناعم نفسه، وبالفم الأثرم ذاته، تصيح روزا :

هذه زهرة الكروتون… أو الكروتونيا، التي تربطني بأساطير حكماء الصين، عندما عبروا المكان بخيولهم البرية، ودسوها في نتوءات جبال شاهقة وحادة وراء غيم كثيف، يحجب الرؤية والرؤيا معا. كنت ألعب صغيرة مع قطط وديعة تحملني إلى فردوس؛ الحلم الزاهي، الذي يكبر فينا يوما عن يوم. الكروتون في صفحة اليد الناعمة، ونسيمها الساخن يعبق به الفضاء… إنها يا معتمد تشفي القلب العليل.

وهذه تزانيا… ذات اللون الأرجواني حبيبي اللون ذاته… عشقها يا معتمدُ دام سنين طويلة. ونبتت بين صلب وترائب. تزانيا الزهرة التي تولد خارج القلب وتكبر داخله… شبيهة بالبنت البكر تولد خارج المتعاهدين وتكبر داخله.

في منتصف العمر كانت روزا تحمل عشقا كبيرا للمطر الذي يغسل الوجوه، ويسيل في الطرقات. فكلما زاد عشقها لهذا الوجود تجلب كرنفالا من الورود والزهور… فتبني لها مشاتل من الطين الأحمر، وتجففه عند الظهيرة فوق السطيح الأملس. كان المعتمد كلما أبصرها، وهي منفوشة الشعر، ملطخة ببقايا الورود والطين، يغني على موال أندلسي مطلعه :

ـ روزا يا نبتة الليل

ـ متى ينبلج صبح… ويعن في أفق بعيد…

تغمرها سعادة، فتطير من الفرح والحبور… وتنهمر على المزيد من العطاء والغرس الشديد.

في طنجة إحدى المدن الباكية من وراء سلب، كانت روزا… تائهة في دروب مظلمة مدلهمة، قبل يوم السقوط… فبحثت عن أسفار قديمة تحكي الأزلية أو سيف ذي يزن أو أساطير عنترة العبسي العبد، الذي حجز لنفسه رقعة على أستار الكعبة.. فمشى وراءها علها تعيد قراءة هذا التراث المعفر بالأديم القديم.

تجلس في المساء وراء الزهور وتتنفس حرارتها، وهي ترى في المعتمد الملك الذي أضاع الصولجان.. يا معتمدُ يا حفيدي عد إليّ بالحب والوعد والوعيد… فالناس سحلوا على أعتاب المساجد ودفنوا قبل أن ينبلج صبح جديد.

تقوم روزا وتقعد القرفصاء، ويداها الناعمتان تحزم بهما شعرها الأشمط… وتبكي حزنا لفراق وشيك.

كاتب مغربي







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي