حنان مبروك*
كانت الكوميديا في فترة ما البلسم الشافي لمتاعب الإنسان وشهدت انتشارا واسعا خاصة مع ثنائيات مصرية امتدت شهرتها إلى الآن، لكن هذا النوع من الكوميديا المعروضة سواء في المسرح أو التلفزيون بات شحيحا خلال العقد الماضي، فالمنتج الكوميدي وخاصة المسلسلات التي تصل بنسبة أكبر إلى الجمهور من المسرحيات والأفلام صارت تعاني أزمة مستعصية دفعت بها نحو استسهال الكوميديا والاعتماد على محتويات مواقع التواصل الاجتماعي والكليشيهات والنكات والقصص المضحكة المنتشرة بين صفحاتها.
وبعد أن أحب الجمهور وخاصة جمهور الشاشة الصغيرة ثنائيات مثل إسعاد يونس وسهير البابلي في دور “بكيزة وزغلول”، المسلسل الذي حقق نجاحا كبيرا في ثمانينات القرن الماضي، ثم الفنانة ياسمين عبدالعزيز، التي شاركت في مسرحيات كوميدية بينما كانت الممثلة العربية الوحيدة التي تنتج لها أفلاما كوميدية من بطولتها، وجد الجمهور نفسه أمام ثنائيات أقل جودة من سابقاتها، كمسلسل “نيللي وشريهان” الذي جمع بين الأختين دنيا وإيمي سمير غانم والذي غلبت عليه شهرة العائلة الفنية أكثر من قيمة النص المقدم.
"كوميدي ست" كيان كوميدي يتيح الفرصة لكل الكوميديين من النساء والرجال لتطوير مهاراتهم وحياتهم المهنية
وتواصلت التجارب في التلفزيون، ومنها مؤخرا مسلسل “شغل عالي” الذي يجمع فيفي عبدو بشيرين رضا، لكن الفن الرابع لا يزال يشكو من ندرة الأعمال الكوميدية النسائية وخاصة الستاند آب كوميدي.
ويعيد الكثير من النقاد الأزمة إلى غياب الكتاب المختصين في هذا النوع من النصوص، في حين يرى آخرون أن جوهر الأزمة هو الفنان نفسه الذي لا تهمه جودة العمل واستمراريته بقدر ما صار مهتما بالربح المادي الوقتي.
ومؤخرا، شهدت مصر تحركا من أربع كوميديات بتأسيس “كوميدي ست” وهي كيان كوميدي نسائي خالص يتيح الفرصة لكل الكوميديين من النساء والرجال لتطوير مهاراتهم وحياتهم المهنية، وهدفه الارتقاء بمستوى الأعمال الكوميدية.
وكانت الكوميديات نهى كاتو وريم نبيل وبرناديت قد اعتدن المشاركة في عروض في أماكن مختلفة منذ سنوات، ولبعضهن مشاركات في المسلسلات التلفزيونية، ويقلن إن فكرة تأسيس منصتهن الجديدة جاءت بالصدفة عندما فكرن في أنهن يردن العمل معا. ثم انضمت إليهن لاحقا الممثلة سارة عبدالرحمن.
وانضمت كوميديات أخريات لمؤسسات “كوميدي ست” ويأمل مؤسسات هذا المشروع الفني أن تتوسع منصتهن لإعطاء فرص أفضل لممثلات الكوميديا الطموحات اللواتي يكافحن عادة لبناء حياتهن المهنية.
وقدمت الممثلات الأربع وصاحبات المنصة، أول عرض مسرحي كوميدي “ستاند آب” نسائي خالص في مصر في آخر شهر مارس الماضي. ويأملن أن تعمل منصة “كوميدي ست” على تمكين المزيد من النساء في هذا المجال الفني.
وكما سخرت الكوميديا نفسها للحركة النسائية في الكثير من دول العالم، مما سمح لقضايا النساء بأن تنتشر بشكل أوسع في المجتمع العام، تحاول “كوميدي ست” أن تكون صوت المرأة المصرية ومنها المرأة العربية، عبر دعم المواهب في فن الإضحاك، متخذة في ذلك شعار “علم الناس وثقفهم وهم يضحكون”.
وباستعادة هذا النوع الفني المقصور على الرجال سابقا، تمكنت الكوميديات في عروض قليلة شحيحة من استخدام فن الكوميديا الرجولي تقليديا لنقد ما يرونه بالهياكل الذكورية، وقضايا الأنثى بشكل عام، مثل الاغتصاب، عدم المساواة بين الجنسين، معايير الجمال، والرجولة المبالغ بها، وقضايا الطلاق والسلوك المجتمعي في التعامل مع الجنسين وغيرها.
وبالفعل، خلال عرضين حُجزت مقاعد الجمهور فيهن بالكامل عبر المنصة الجديدة تناولت الممثلات قضايا اجتماعية ومواقف يواجهنها يوميا في حياتهن. لكن هذه المنصة لا تزال فتية وليس من السهل أن يتقبلها المجتمع بسهولة، فحتى وإن قبلت الكوميديا من الممثلات النساء في شاشات التلفزيون والسينما، لا تتقبلها عين المشاهد المعتادة على الارتجال الكوميدي للرجال على خشبة المسرح.
تجارب كوميدية مضحكة
ورغم ذلك تؤمن صاحبات المنصة بأن الكوميديا لا تحتكر ولا علاقة لها بمثل هذه التصنيفات، بل همها الأكبر أن تخصص مجالا لأشخاص موهوبين وقادرين على كتابة نصوص كوميدية مضحكة بناء على تجارب إنسانية، فكل ممثل هو المشرف على نصه الخاص ولم لا الكاتب الذي يؤمن بأهمية الاقتباس من التجربة الإنسانية لا من المواقع الافتراضية أو الأعمال الأجنبية الغريبة عن المجتمعات العربية.
وتواجه الكوميديات جملة من العقد المنتشرة في المجتمع، محاولات كسرها سواء على الخشبة أو في الحياة اليومية، فالمجتمع المصري كما العربي، عادة ما يسمح للرجل بالانتقاد والحديث بصوت عال والسخرية والضحك ملء شدقيه في حين تؤمر المرأة منذ سنوات عمرها الأولى بخفض صوتها عند التكلم والضحك وحتى البكاء، وتقابل محاولاتها في الإضحاك خارج حدود المنزل بكثير من التجهم والاستنكار.
وانعكس ذلك طوال عقود وعلى مدار تاريخ التلفزيون والسينما والمسرح في قلة عدد نجمات الكوميديا مقارنة بالعدد الكبير لنجوم الكوميديا الرجال، حتى على مستوى بطولة العمل الفني التي عادة ما تكون لصالح ممثلين رجال فيما تحظى النساء دوما بالأدوار الثانوية، ويقع التمييز بينهم أيضا على مستوى الأجور ومساحة الأدوار الثانوية إذا ما كان العمل مشتركا ويجمع عددا كبيرا من الممثلين.
وحين اعتلت المرأة خشبة المسرح في عروض “ستاند آب” كوميدي واضطرت للتمثيل أمام جمهور مباشر، والاعتماد كليا على خلق تفاعل اعتمادي يتراوح بين النكات القصيرة والمونولوج الأطول في محاولة للاستيلاء على المسرح، كان التفاعل مع النساء، في الغالب تركيزا على أنوثتهن لذلك تختار العديد من الكوميديات ارتداء ملابس فضفاضة مناسبة لإبعاد أنوثتهن عن دائرة الضوء والتركيز على سمع المشاهد واهتمامه بمنطوق القول.
وبعد أن ظلت لعقود اختصاصا فنيا يحتكره الرجال، ها هي الكوميديا تصبح أخيرا أداة ضمن نطاق الحركة النسائية المصرية، وليست فقط اجتهادات نسائية فردية منتشرة هنا وهناك، فهل ستنجح “كوميدي ست” في كسر القيود المكبلة للمواهب النسائية وتغيير التوجه العام للكوميديا في مصر أم ستنساق وراء الاستسهال والاقتباس وتكرار التجارب السابقة؟
*صحافية تونسية