برغم خروجه من السلطة.. كيف ظلَّ عمران خان مؤثرًا في اقتصاد باكستان وسياستها؟

الأمة برس - متابعات
2022-05-06

رئيس الوزراء الباكستاني الأسبق عمران خان يرفع ذراعيه في تجمع حاشد في العاصمة يوم 27 مارس (أ ف ب)

ما زال عمران خان يتمتع بدعم قاعدة مؤيديه الأساسية على الرغم من فقدانه منصب رئيس الوزراء، حسب ما جاء في مقالٍ للكاتب عزير يونس نشرته مجلة «ذا دبلومات» الأمريكية؛ والذي يستعرض فيه مَآلات الدعم المستمر لرئيس الوزراء الباكستاني السابق عمران خان وتأثير ذلك في الاقتصاد الباكستاني.

يبدأ الكاتب مقاله بالإشارة إلى أن عمران خان أتقن فن جذب الحشود الجماهيرية لسنواتٍ، وذلك لأنه كان لاعب كريكيت في بداية حياته، ومن ثم تحوَّل الآن إلى رجل سياسي، وبعد مرور يومٍ واحدٍ على عزل خان، الذي أصبح أول رئيس وزراء في تاريخ باكستان يُعزل من خلال تصويت بحجب الثقة، خرج أنصاره بأعدادٍ كبيرةٍ، ومنذ ذلك الحين، خاطب خان حشودًا كبيرة في مدن بيشاور وكراتشي ولاهور، الأمر الذي يظهر أنه ما زال يتمتع بشعبيةٍ كبيرةٍ، خاصةً بين السكان الحضريين.

ويتعين النظر إلى قدرة خان على جذب هذه الأعداد من الجماهير على أنها جزء من ظاهرة عالمية أوسع، والتي تلتفُّ فيها قطاعات كبيرة من المجتمع، وخاصةً الناخبين الشباب، على نحوٍ متزايدٍ حول القادة الشعبويين.

رفض نُخَب الوضع الراهن

وأوضح الكاتب أن الدافع الأساسي لهذه الجاذبية هو رفض «نُخَب الوضع الراهن» الذين استفادت قلة في عهودهم من الثروات والمزايا على حساب الكثرة، كما تقول حجتهم، واجتذب هذا الاعتقاد في الولايات المتحدة الناخبين إلى كلٍّ من بيرني ساندرز ودونالد ترامب، وبينما فرَّقت السياسات والأيديولوجيات مؤيديهم، جمَّعهم الغضب من نُخَب الوضع الراهن.

وفي تشيلي، أدَّت حركةٌ مماثلةٌ إلى انتخاب شابٍّ يبلغ من العمر 36 عامًا رئيسًا للبلاد، وفي الهند، اكتسب ناريندرا مودي شعبية وسط صيحات «لا يوجد بديل»، حيث صوَّت ملايين الشباب الهنود له لولايةٍ ثانيةٍ على الرغم من تزايد البطالة بين الشباب.

وأشار الكاتب إلى أن الغضب في باكستان يتصاعد من الوضع الراهن منذ سنوات، بدءًا من انتقال البلاد إلى الديمقراطية في عام 2007-2008، وكان خان في قلب الحركة، وهو يهاجم باستمرارٍ الفساد واقتناص الثروة في الاقتصاد السياسي الباكستاني القائم على النهب، ويُعد هذا الاتِّساق في الرسائل عامل جذبٍ رئيسٍ لأولئك الذين يؤمنون بشخصياتٍ مثل خان.

عمران خان وشباب الحضر

وأضاف الكاتب أن شباب الحضر كانوا المحرك الرئيس الآخر لشعبية خان: يبلغ متوسط ​​العمر في باكستان حوالي 23 عامًا، الأمر الذي يعني أن غالبية الباكستانيين وُلِدوا بعد أن أجرت الدولة تجاربها النووية، ويتأثر هذا الجيل بالقومية والإسلام، وكلاهما ينتشر من خلال مناهج الدراسات الباكستانية في المدارس الحكومية والخاصة، وقد نشؤوا في ما أسماه التقرير ديكتاتورية برويز مشرف، والتي تُعد حتى يومنا هذا بمثابة «الأيام الخوالي» في أحاديث مجالس الطبقة المتوسطة والعليا.

وأعقبت نهاية ما وصفه الكاتب  بالديكتاتورية سنوات مؤلمة من التحول الديمقراطي، تميزت بتزايد حالات عدم اليقين الاقتصادي والنقص المزمن في الطاقة وآلاف الوفيات على أيدي ما أسماهم الكاتب (الإرهابيين) وتزايد عدم المساواة، وخلال هذه الفترة نفسها، عززت فضيحة فساد تلو الأخرى الرأي القائل إن النُّخب المدنية لا تستحق حكم البلاد، وزادت القنوات الإعلامية والمذيعون التلفزيونيون البارزون من نشر هذه السردية، وكان الكشف عن أوراق بنما ضد المؤسسة الحاكمة آنذاك هو المسمار الأخير في نعش تلك النُّخب.

ولفت الكاتب إلى أن خان استغل هذا الغضب المتزايد وعزَّز قاعدته السياسية في إطار حملته ضد خصومه السياسيين، وساعدت الرقمنة المتزايدة في تضخيم رسالته، ذلك أن الشباب المحلي الذين يجيدون الرقمنة تطوعوا لخدمة حزبه، مستفيدين من وسائل التواصل الاجتماعي وشبكات المعلومات الديمقراطية لنشر رسالته.

وللوصول إلى السلطة – بحسب الكاتب – كان على خان أن يقدم بعض التنازلات، ولم يكن بحاجة إلى موافقة الجيش القوي في البلاد فحسب، بل احتاج أيضًا إلى رجال الأعمال الأقوياء، الذين بدؤوا في تمويل حزبه، ورُحِّب بالانتهازيين من المتخصصين المهنيين، الذين يغيِّرون ولاءاتهم بناءً على من تشير المؤسسة إلى دعمهم، فيما زعم المعارضون السياسيون أن الأجواء ليست مُنصِفة.

وبعد انتخابات 2018، تمكَّن حزب خان من تشكيل ائتلاف، وأصبح خان رئيسًا للوزراء بفارق أربعة أصوات فقط في مجلس النواب بالبرلمان؛ ومع ذلك، فإن التنازلات التي قدمها خلال مساره في السلطة، تعني أنه كان في موقفٍ سيئ منذ البداية؛ ولهذا السبب لم يكن مفاجئًا أنه في غضون أشهر من الخلاف مع المؤسسة العسكرية الباكستانية، تمكَّنت المعارضة بنجاح من كسب الحلفاء السياسيين، وللحفاظ على قبضته على السلطة، حاول خان تقويض الدستور، إلا أن المحكمة العليا في البلاد صدَّت محاولته؛ وأخيرًا، أدَّى تصويتٌ في وقتٍ متأخرٍ من الليل في 10 أبريل (نيسان) في البرلمان الباكستاني إلى إزاحة خان عن السلطة.

قاعدته حاضرة

وتابع الكاتب قائلًا: وفي حين قال خان إن الولايات المتحدة التي أطاحته، وهي نظرية مؤامرة غريبة، يوجِّه أنصاره على وسائل التواصل الاجتماعي وفي المحادثات الخاصة اللوم إلى المؤسسة العسكرية.

وأظهر خان وأنصاره الأساسيون أيضًا ملمحًا أكثر خطورة في الأسابيع الأخيرة، والذي يتمثل في الاستعداد لقلب الإطار الدستوري بأكمله في حال أُطِيحوا من السلطة؛ وهذا يعني أن حصون الديمقراطية المتعثرة في باكستان، التي حاولت فيها الأحزاب السياسية التمسُّك بالدستور والمعايير الديمقراطية على نحوٍ متقطعٍ، مهدَّدةً الآن من الداخل.

ويرى الكاتب أن إصرار خان على أن هذا هو «طريقه أو طريقه السريع» ليس سوى أحدث دليل يعكس مدى ازدراء البرجوازية الباكستانية للدستور، وثمَّة حوار ذاتي دائمًا ما يظلل المحادثات التي تسود جلسات هذه المجموعة حول كيفية وصف ما يسميه خان بـ«المحتالين» وقتلهم جميعًا هو الحل لمشكلات البلاد.

فوضى تلوح في الأفق

ونوَّه الكاتب إلى أن فئة الشباب والطبقة البرجوازية الحضرية في باكستان يُعدَّان اليوم القاعدة الأساسية لخان، ومن غير المرجح أن يفوزوا في الانتخابات بمفردهم، مما يعني أنهم سيواصلون التحريض وإلقاء تهم الخيانة في وجه خصومهم في الأشهر المقبلة.

ولم يكن لهذا الاستقطاب أن يُطل برأسه في وقتٍ أسوأ من الوقت الحالي، بالنظر إلى الأزمة الاقتصادية التي تضرب البلاد، وربما تواجه البلاد أكبر خطر على تماسكها الداخلي منذ عام 1971، عندما انفصلت باكستان الشرقية لتصبح بنجلاديش، ولم يُثبِت معارضو خان بعد أنهم يفهمون طبيعة الأزمة التي تواجه البلاد، ونطاقها فهمًا شاملًا.

وكذلك ليس لدى معارضي خان سردية يمكن أن تقاوم بفاعلية تلك التي لدى خان، لا سيما في المراكز الحضرية، وكل هذا يعني أن التقلُّبات السياسية لن تختفي في أي وقتٍ قريبٍ، ومع استمرار احتدام الاستقطاب، لا يمكن استبعاد زيادة الفوضى والاضطرابات، حسب ما يختم الكاتب.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي