خمسة مفاتيح لقراءة في كتاب «رأيت في الهند»

2022-05-05

بوشعيب الساوري

يبدو لنا أن الرحالة والروائي الجزائري رابح خدوسي قد استعان، في نصه الرّحلي الجديد «رأيت في الهند» في طبعته الثانية الصادرة عن دار الحضارة 2022، بخمسة مفاتيح اختارها كإواليات تقوم عليها الكتابة في هذا النص، لنقل سفره القصير إلى بلاد الهند، الذي استغرق عشرة أيام (فبراير/شباط ومارس/آذار 2020) قبيل فترة الحجر الصحي والإغلاق الشامل الذي شمل معظم بلدان المعمورة، من الفعل إلى الكتابة.

أولها حضور الأمثال (حوالي تسعة) والأمثال الهندية على وجه الخصوص، التي كانت مدخلا مهما اختاره الكاتب بعناية؛ ساعدته في كثير من محطات رحلته، فكانت لها الكلمة الفيصل من جهة في قراءة بلاد الهند وثقافتها المثيرة، وفتحت له بعض مغاليقها الحضارية والثقافية وأثرها في سلوكات وأفعال ساكنتها، ومن جهة أخرى تقرّبنا من بعض المواقف التي تعرض لها الكاتب أثناء فعل السفر، وما يحدثه من مفاجآت ومواقف حرجة أحيانا، وما تولّده من انفعالات كالاندهاش والخوف والاستغراب والمفارقة للكاتب.

ثانيها التقاط اللافت من مشاهدات الكاتب التي تهز كل من دخل بلاد الهند، وتوقعه في صدمات دهشة متواصلة الحلقات من عجائب الدنيا التي تحتضنها أرض الهند، كالانضباط لقوانين السير تكون نتيجته البديهية انعدام حوادث السير، رغم ازدحام الطرقات، والنظافة التي تعم الشوارع، والتي تجسد قيمة حضارية يتمتع بها الهنود وتؤكد احترامهم الآداب العامة، ويبقى الذي أثار الرحالة هو المكانة المتميزة التي تحظى بها البقرة بين فئة كبيرة من الهنود بدوافع عقدية.

ثالثها الطرائف التي منحت نص رابح خدوسي جاذبية، إذ حرص الكاتب على تضمينه ما عاشه من طرائف كان سببها الاختلاف الكلي للواقع المرتحل إليه عن المكان الذي انطلق منه، وتوالي عجائبه التي لا تنقطع، على مستوى عادات وسلوكات الناس، وما أوقعته فيها من طرائف خلال فعل السفر، مميزة بمسحة ساخرة، تبرز في كثير من الأحيان صعوبات ومحنة السفر ومفاجآته من جهة، ومن جهة أخرى تؤكد مركزية الذات المسافرة.

رابعها المقارنة التي تظل ثابتا من ثوابت النصوص الرحلية، فلا يخلو منها أي نص رحلي؛ إذ قارن الكاتب بين بلاده وبلاد الهند على عدة جوانب حضارية، يسجل في الغالب تفوقا قيميا للأخيرة ويضمر في المقابل نقدا للأنا أمام تميز الآخر، ويدين ما يوجد لدى الأنا من أمور سلبية مقابل تثمين ما يتوفّر عليه الآخر من جوانب إيجابية عايشها وشاهدها وخبرهاعلى مستوى المواقف والسّلوكات والمنجزات اللاّفتة لانتباه الرحالة، التي يعدم وجود نظيرها لدى الأنا.

خامسها الاستعانة بالمقروء أي وساطة المكتبة للإخبار عن العالم، محاولة منه إنشاء تكافؤ بين فعل السفر وفعل القراءة وفعل الكتابة، نظرا لقصر مدة الرّحلة التي لم تدم سوى عشرة أيام، وبسبب الحاجز اللغوي، لم يمكن في وسع الكاتب أن يلم بما يكفي، بكل ما شاهده داخل العالم الهندي المغرق في العجيب، لذلك كان المقروء حلا ساعده على إضاءة عتمات المُشاهد، فاستعان أثناء فعل الكتابة بالمقروء سعيا منه إلى توسيع ما اكتشفه عبر القراءة.

كاتب مغربي







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي