العار المزاجي فيه سمٌّ قاتل.. لماذا عليك أن تستسلم للـ«مشاعر السلبية»؟

الأمة برس - متابعات
2022-04-29

لماذا عليك أن تستسلم للـ«مشاعر السلبية»؟ (بيكساباي)

عندما يصاب الإنسان بضائقةٍ ما أو يسمع أخبارًا غير سارة مثل طرده من العمل أو وفاة أحد المقربين إليه، أو غيرها من تلك الأمور السلبية، فغالبًا ما تظهر عليه مشاعر الحزن والاكتئاب والقلق، لكنه في الوقت ذاته، يسعى لإقناع نفسه بضرورة عدم الاستسلام لهذه المشاعر السلبية، والنظر إلى نصف الكوب الممتلئ.

إذ يسعى الفرد إلى تجنب التفكير في الأخبار السيئة، وعندما ينجرف وعيه تجاهها فإنه يلوم نفسه على ذلك، مستغرِبًا هذا الضعف في شخصيته، وحينها تصيبه مشاعر الخزي أو العار كونه استسلم لهذه المشاعر السلبية، كما لو أنها شيء مُحرم ليس عليه اقترافه، وربما اختبر أغلبنا هذا الشعور بالفعل لمرة أو أكثر في حياته؛ أن يشعر بالاكتئاب أو القلق مع الشعور بالخزي أو الخجل في الوقت نفسه، أليس كذلك؟

يُطلق على هذا الشعور بالخجل، أو الخزي، أو العار، في علم النفس اسم «العار المزاجي»، فما قصته؟ وهل هو بالفعل أمر سلبي أم يمكن جعله إيجابيًّا؟ وما الطريقة المثالية للتعامل معه؟

حزنك ليس فشلًا شخصيًّا.. البحث عن الجانب المشرق

يقول بعض علماء النفس إن هناك ما بين ستة و10 مشاعر أساسية يختبرها البشر، وهي تشمل: الغضب، والاشمئزاز، والخوف، والسعادة، والحزن، والمفاجأة؛ وعندما نصاب بالاكتئاب أو القلق فليس من المستغرب أن يكون الشعور الأساسي في الاكتئاب هو الحزن، وعندما نصاب بالقلق يكون الشعور الأساسي هو الخوف.

لذا فإن الشعور بالعار أو الخجل أو الخزي أثناء الاكتئاب أو القلق أمر طبيعي، بل يصنف علماء النفس الشعور بالعار على أنه «عاطفة ثانوية»، أي إنه يتشكل بوصفه رد فعل لعواطف أخرى أساسية مثل الحزن والخوف، ويوصف باسم «العار المزاجي»، والذي يكمن تعريفه بالاعتقاد بأن الشعور بمشاعر سيئة هو فشل شخصي.

ومع ذلك يجب الانتباه لأن هذا الشعور بالعار مُثبِّط، ويشل قدرتك على الشعور بأي شيء على الإطلاق، وغالبًا ما يظهر مصاحبًا لحالات الاكتئاب والقلق، ويمكن أن يسبب الإحساس بالعار مشاعر سلبية مُنهكِة؛ لأنه يجمع بين عدة مشاعر سلبية في وقتٍ واحد.

يتعامل أغلب البشر في العادة مع الأخبار السلبية دائمًا بطريقة أن الأمر لا يهم، ولا بد للحياة أن تستمر، ولا وقت للبكاء على اللبن المسكوب، ولا بد أن ننظر إلى الأمر بإيجابية، وكل هذه العبارات التي تعكس رغبتنا في تجنب المشاعر السلبية والبحث عن الجانب المشرق.

وقد يبدو البحث المستمر عن الجانب المشرق من الحياة أمرًا شجاعًا وقويًّا، ولكن إذا كانت هناك مبالغة في ذلك الأمر، فقد نتسبب في وقوع ضرر لأنفسنا من خلال عدم القيام بردود فعل منطقية، كان يجب اتباعها في وقت الأزمة أو الأحداث السلبية، فعلى الرغم من أننا نفضل تجنب المشاعر السلبية مثل خيبة الأمل أو القلق أو الغضب أو الحزن، فإن الأبحاث الحديثة تدعم فكرة أن هذه المشاعر السلبية التي نكرهها تخدم أغراضًا مفيدة في حياتنا، فإذ ما قبل الإنسان بالمشاعر السلبية دون إصدار أحكام، فقد يتمتع بصحة بدنية وعقلية أفضل.

ولا يتعلق هذا بالحديث عن حالات الاكتئاب أو القلق الشديدين واللذَين قد يحتاجان إلى تدخلٍ طبي ما؛ إذ لا يوجد شيء يمكن كسبه من المعاناة الطويلة والتي لا تطاق، طالما أن المساعدة الطبية يمكنها إبعادك عن المعاناة، لكن نتحدث هنا عن تلك الغيوم المؤقتة من القلق والإحباط التي يمر بها الإنسان بشكلٍ دوري ومستمر نتيجة الأخبار والأحداث السيئة الطبيعية التي يشهدها البشر عمومًا.

فهذه المشاعر العابرة لا تشكل تهديدًا حقيقيًّا لرفاهيتنا على المدى الطويل، لكننا غالبًا ما نتصرف كما لو كانت كذلك، لذلك يصبح من المغري محاولة تجنبها، وإذا لم نتمكن من ذلك، فإننا نجلد ذاتنا بأن هذا خطأ كبير، وندخل في مساحة «العار المزاجي».

يجعلك حسودًا.. لماذا يعد شعور «العار المزاجي» سيئًا؟

بالوصول إلى هنا ينبغي القول إن محاولاتنا لقمع عواطفنا السلبية يمكن أن تضيف ببساطة طبقات من الشعور بالعار والخجل تجاه ما نشعر به بالفعل، أضف إلى هذا أننا نصبح أشخاصًا حسودين تجاه مَن يبدو لنا أنهم أسعد في حياتهم، وقد أكدت سلسلة من الدراسات العلمية أن الشعور بالخزي أو «العار المزاجي» يمكن أن يضر برفاهيتنا على المدى الطويل.

إذ تشير إحدى الدراسات إلى أن الأشخاص الذين يرون أنه لا يجب أن يشعروا بأي شعورٍ سلبي أو ينتقدوا أنفسهم لأنهم يمتلكون مشاعر غير لائقة أو غير منطقية، أو يعتقدوا أنه لا يجوز التعبير عن مشاعرهم السيئة، كل هؤلاء يزداد احتمال وقوعهم في الاكتئاب والقلق، كما أنهم يميلون أيضًا إلى انخفاض الرضا العام عن الحياة والرفاهية النفسية، وفي المقابل، فإن الأشخاص الذين تقبلوا أفكارهم ومشاعرهم دون وصفها بأنها سيئة أو غير مناسبة، يميلون إلى التمتع بصحة نفسية أفضل.

استسلم لـ«المشاعر السلبية» وافهمها جيدًا

ونتيجة لما ذكرناه، فإنه من المهم أن يدرك الإنسان أن كونه عاطفيًا (يطلق العنان لمشاعره السلبية) لا يعني أن يكون غير مستقر أو غير متوازن، بل يعني أن يكون على قيد الحياة ومنفتح وعرضة لعيش تجربة العالم من حوله.

ففي الطب، يمكن أن يُغيِّر فهم الناس للأعراض الجسدية، مثل الألم، الطريقة التي يعانون منها بسببه، وهذا يمكن أن يؤثر في استجابتهم الفسيولوجية لهذا الألم، أي إن تغيير فهم سبب الألم يمكن أن يجعل الناس يشعرون بتحسن، الأمر نفسه ينطبق على العواطف، فبدلًا من تغيير المشاعر نفسها من سلبية إلى إيجابية، قد نتمكن من تغيير طريقة تفكيرنا في هذه المشاعر السلبية، وقد يؤدي ذلك إلى تحسين التجربة نفسها والتأثيرات طويلة المدى قي صحتنا.

فبدلًا من أن يتسبب الشعور بخيبة الأمل، بعد الرسوب في اختبارٍ ما على سبيل المثال، في حالةٍ من عدم الارتياح، عليك ألا تفكر في تجنب هذا الشعور واستبداله بنظرة تفاؤلية، بل عليك أن تدرك أن الشعور بخيبة الأمل يساعدك في التعلم من أخطائك، ومن خلال تخصيص معنى أو تفسير أكثر إيجابية لهذا الشعور السلبي والاعتراف باستخداماته المحتملة بدلًا من الشعور بأنه شعور غير صحي، يمكن أن يغير استجابات الدماغ والجسم لهذا الشعور السلبي.

بشكلٍ عامٍّ، فإن الأشخاص الذين يرون قيمة إيجابية في مزاجهم السيئ، يميلون إلى تحقيق نتائج أفضل بكثيرٍ فيما يتعلق بمقاييس الصحة العقلية والجسدية، بما في ذلك خطر الإصابة بالأمراض، مثل مرض السكري أو أمراض القلب والأوعية الدموية، وحتى قوة عضلاتهم.

المشاعر السلبية مصدر قوة خفي

يؤثر التعرف إلى الفوائد المحتملة لعاطفةٍ ما في آثارها بقوةٍ، ولنأخذ مشاعر القلق على سبيل المثال، قد نفترض أن مشاعر القلق تدمر تركيزنا وتقلل من أدائنا خلال المهام الصعبة، وبالتالي لا يمكن النجاح في اختبارٍ أو في مقابلةٍ ما إلا إذا تعلمنا الاسترخاء، هذا ما يقتنع به غالبية الناس، أليس كذلك؟

بدلًا من ذلك، يمكننا أن ننظر إلى مشاعر القلق باعتبارها مصدرًا للطاقة يجعلنا نجتهد ونركز على ما يجب علينا تحقيقه، وتشير بعض الدراسات العلمية الحديثة إلى أن طريقة التفكير الإيجابية هذه تجاه المشاعر السلبية بدلًا من إنكارها كليًّا، يمكن أن تحسِّن أدائنا في التحديات قصيرة المدى، مثل الامتحانات الصعبة أو التحدث أمام الجمهور، وعلى المدى الطويل، فإنها تقلل من خطر الإرهاق العقلي والنفسي.

وينطبق الأمر نفسه على مشاعر الغضب مثل الإحباط وخيبة الأمل التي غالبًا ما يصاحبها قدرٌ من الغضب، عند التورط في هذه المشاعر السلبية يحدث لنا استنفار لضبط النفس بسرعة، مما يؤثر في قراراتنا، لكن يمكننا بدلًا من ذلك رؤيته على أنه عاطفة جاذبة تعزز تصميمنا وتمكننا من المطالبة بما يستحق، ستحدد هذه العقلية في التفكير أداءك في مهام مثل المفاوضات، والآن، كل ما عليك هو تقبل المشاعر السلبية وعدم كبتها بشكلٍ مبالغٍ فيه، ثم تغيير زاوية النظر إليها ورؤية الزاوية الإيجابية التي يمكن أن تقدمها لك هذه المشاعر.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي