بعيدًا عن سوء التغذية.. هكذا يؤثر غلاء الأسعار في جسدك!

الأمة برس - متابعات
2022-04-28

هكذا يؤثر غلاء الأسعار في جسدك (التواصل الاجتماعي)

رحاب لؤي

موجات عنيفة من غلاء الأسعار تجتاح العالم، مع وعود بأن الأسوأ لم يأت بعد، وفي الوقت الذي لا يزال الغزو الروسي لأوكرانيا وتداعياته المختلفة يلقي بظلاله على العالم أجمع، لم يسلم مواطن في أوروبا أو الشرق الأوسط، أو حتى آسيا من الآثار، كل بقدر، لكن يبقى الأثر واحدًا، مع حالة عامة من الشعور بعدم الاستقرار في الأسعار والمشاعر، كل شيء في ازدياد جنوني، لكن مهلًا، ما الذي يحدث حقًّا في أجسادنا حين ترتفع الأسعار بقوة؟

نشاهد الأخبار فنذهب لنأكل

«وعرفت له أسلوبًا في الحياة يعتبر غريبًا في عصرنا، فهو يميل إلى التقشف في ملبسه وطعامه الذي يشبه الرجيم وإلى ذلك فهو لا يدخن ولا يذوق الخمر وقد قال لي مرة: لم أعرف المرأة قبل الزواج وقاومت جميع المغريات وأنا طالب في البعثة!» نجيب محفوظ ،«المرايا»

اجتاح رانيا محمود، الشابة الثلاثينية، والأم الوحيدة، التي تعول أسرتها المكونة من ثلاثة أطفال عقب طلاق صاخب لم تحصل منه على حقوق تذكر، شعور عارم بالقلق مع أخبار الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا والأنباء المتواترة عن موجات غلاء الأسعار القادمة، فضلًا عن الارتفاع الفعلي الكبير في الأسعار بالأسواق، وارتفاع الفواتير مع بقاء الدخل ثابتًا.

تقول رانيا: «كلما تابعت الأخبار تقلصت معدتي، أشعر بهلع وأعجز أحيانًا عن النوم، لكن رد الفعل الأغرب كان في ذلك الشعور بالعزوف عن الطعام، ظللت ليومين تقريبًا عازفة عن تناول الطعام، ثم لاحقًا شعرت بجوع غريب جدًّا، كأنني لم أتناول طعامًا منذ زمن، مساء أمس وعقب يوم حافل مع أطفالي، وبعد أن نجحت أخيرًا في دفعهم إلى أسرَّتهم كي يناموا، وعقب معرفتي بآخر التطورات والقفزة الضخمة في سعر عبوة اللبن التي اشتريتها قبل ثلاثة أشهر بـ14 جنيهًا وصارت الآن بـ19 جنيهًا، جلست على أرض المطبخ، وفتحت الثلاجة (البراد) ولم أفرق بين حلو وحار، تناولت كل شيء تقريبًا، كنت كمن (يأكل في آخر زاده) حرفيًّا».

في تقرير منشور عبر الموقع الرسمي لجامعة هارفارد، فإن التوتر يمكن أن يؤدي إلى توقف الشهية؛ إذ يرسل الجهاز العصبي رسائل إلى الغدد الكظرية لضخ هرمون الأدرينالين ما يساعد الجسد على تقمص وضعية القتال والهروب، وهي حالة فسيولوجية تؤدي إلى التوقف عن تناول الطعام مؤقتًا، لكن مع استمرار التوتر والضغط، تبدأ رحلة مختلفة للمرء مع الطعام؛ إذ تفرز الغدد الكظرية هرمونًا آخر يسمى الكورتيزول، يزيد من الشهية ومن الدافع بشكل عام لتناول الطعام، وبمجرد انتهاء نوبة الإجهاد، تنخفض مستويات الكورتيزول وتنخفض الشهية، لكن إذا لم يزل التوتر وعلقت استجابة الشخص للضغط، وظل على وضع التشغيل لفترة طويلة؛ يبقى الكورتيزول مرتفعًا.

في الواقع لا يؤثر الإجهاد في المرء فيجعله يأكل أكثر فحسب، لكنه يؤثر في تفضيلات الطعام أيضًا، فقد أظهرت العديد من الدراسات أن الشعور بالضيق على المستويين النفسي والبدني، يزيد من الرغبة في تناول الأطعمة الغنية بالدهون أو السكريات أو كليهما، هكذا لا يعود الكوريتزول وحده مرتفعًا، لكن يصاحبه ارتفاع للإنسولين أيضًا.

في الواقع تساهم الأطعمة الدسمة والسكرية في إخماد الاستجابات والعواطف المرتبطة بالتوتر، أطعمة «مريحة»، لكنها تساهم في زيادة وزن أصحابها من المتوترين الذين يعجزون عن النوم، إلى جانب عدم ممارسة الرياضة ما يشكل بداية لمرحلة جديدة من زيادة الوهن والمتاعب الصحية، وتشير الأبحاث إلى أن احتمالية لجوء السيدات إلى الطعام أكبر منها لدى الرجال، إذ تختلف طريقة التكيف بين الجنسين على الإجهاد.

يبدأ الأمر مع حزمة أمراض نفسية

«سيبقى عند آخر هذا النهار ما تبقى من الأمس، ما سيتبقى من الغد: القلق النهم، الذي لا يحصى ليبقى أبدًا» *فرناندو بيسوا، «لست ذات شأن».

هذا العَرَض بالذات لا يختلف بين دولة وأخرى، ففي عام 2018 وجدت دراسة حول أثر التفاوت في الدخل على خطر الإصابة بالاكتئاب؛ أنه كلما زاد التفاوت وانخفضت الدخول تزايد خطر الإصابة بالاكتئاب، خاصة بين النساء، إذ يتعرض الأشخاص في المجتمعات شديدة اللامساواة إلى 1.2 مرة أكثر للإصابة بالاكتئاب، مقارنة بالأشخاص في المجتمعات الأكثر مساواة، فضلًا عن زيادة معدلات انفصام الشخصية، نظرًا إلى زيادة التوتر، وتحوله إلى أمر مزمن وما يترتب عليه من متاعب نفسية، لهذا أوصت الدراسة اختصاصيي الصحة النفسية بوضع الأمر في الحسبان عند التعامل مع حالات الاكتئاب.

والانتحار وارد بسبب غلاء الأسعار

حالة من الإحباط أورثته ارتخاء عضليًّا.. حتى إنه لو قرر الانتحار لما وجد القدرة على رفع قدمه فوق سور الشرفة!» *أحمد خالد توفيق، «قصاصات قابلة للحرق»

في تقرير صادر عن منظمة الصحة العالمية، بعنوان أثر الأزمة الاقتصادية في الصحة العقلية، خلص التقرير إلى أنه من المتوقع أن تنتج الأزمة الاقتصادية وغلاء الأسعار مجموعة من التداعيات الصحية النفسية، على رأسها الانتحار والوفيات الناجمة عن تعاطي الكحول.

التقرير الذي اقترح ضرورة إيجاد سياسات وتدابير لمساعدة الناس على الاحتفاظ بوظائفهم والدعم الأسري، أشار إلى دور الديون في تدهور الصحة النفسية وتعريض الأشخاص إلى الخطر.

وهكذا تتغير قائمة طعامك

«كانت حياته يومًا طويلًا بلا مفاجآت، وكان هذا سرَّ طمأنينته» *عبد الله ناصر، «فن التخلي»

غلاء الأسعار يغير خريطة الاستهلاك الغذائية، يضيف أنواعًا ويحذف أنواعًا، وبحسب تقرير صادر عن منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو)، فإن غلاء الأسعار يتسبب بالتبعية في استبدال الأغذية مرتفعة السعر واستخدام أخرى أقل في تكلفتها؛ ما يتسبب على المدى الطويل في تغييرات وعواقب سلبية على التغذية، إذ تنخفض جودة الأطعمة المستهلكة ولا يعود هناك ما يكفي من الفيتامينات والمعادن والعناصر الغذائية المختلفة، ما يؤثر في قدرة البالغين على القيام بالعمل ومقاومة المرض.

يتحدث التقرير أيضًا عن آثار أبعد لتغير نمط الغذاء مثل انخفاض وزن الأطفال عند الولادة، وزيادة وفيات الأمهات والتقزم ونقص المغذيات الدقيقة والهزال، وكذلك وفيات الاطفال بسبب نقص التغذية، لأن الأطعمة المحذوفة عادة ما تكون ضرورية لنمو الأطفال وتطور الصغار.

وقد رصد التقرير أيضًا تأثيرات الأزمة الاقتصادية في نمط التغذية كالتالي:

سيحافظ الكثير من الفقراء على السعرات الحرارية مقابل التخلي عن القيمة الغذائية.

سيتحول كثير من الناس نحو الأطعمة الأساسية ويبتعدون عن الأطعمة المغذية كاللحوم ومنتجات الألبان.

تخفيض النفقات الصحية لترشيد الاستهلاك.

هل ثمة حل للنجاة من غلاء الأسعار؟

ثمة اقتراحات لمواجهة التوتر في العموم والحفاظ على كل من الصحة النفسية والجسدية، بوصفهما سبيلًا للنجاة من توابع الأزمات الاقتصادية المتتالية، تتمثل في الهروب من الضغوط والتخلي، والاكتفاء بصحة عقلية أفضل، عبر:

التأمل: والذي يقلل من التوتر ويجعل المرء أكثر وعيًا باختياراته في الطعام، والحياة.

ممارسة الرياضة: إذ تختلف مستويات الكورتيزول تبعًا لشدة التمرين ومدته، ويمكن لتمرين واحد عام أن يخفف من الآثار السلبية للتوتر.

الحصول على دعم اجتماعي لتخفيف التوتر عبر مقابلة الأهل والأصدقاء وطلب المساعدة.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي