رحاب لؤي
يبدأ الأمر بفكرة «يجب أن أتوقف عن التدخين فورًا»، ثم يلح ذلك الشعور «أنا بحاجة إلى المساعدة»، البعض يلجأ للأصدقاء، أو إلى مجموعات دعم الإقلاع عن التدخين، والبعض الآخر يتوجه إلى المتجر الإلكتروني، حيث عشرات من تطبيقات الإقلاع عن التدخين، التي يقوم المدخنون الراغبون في الإقلاع عن التدخين بتحميلها بنية الخلاص، ولكن هل حقًّا تساعد تلك التطبيقات على الإقلاع؟ محمد عبد الواحد وهو شاب مصري مدخن دمَّر المتبقي في علبة السجائر الخاصة به، وصورها ليعلن اليوم هو أول يوم له دون سجائر، لكنه توقف بعدها ليتساءل: «كيف سأصمد؟».
«أنت الآن تعرف القصة.. تعرف أنني كنت أحكي جل ذكرياتي وأنا مصاب بسرطان الحنجرة.. وقد توغل هذا الداء الوبيل جدًّا.. التدخين له ثمن فادح على الأرجح. ربما لهذا لاحظ بعضكم أن صوتي صار مبحوحًا مع الوقت، وأن انتباهي يتشتت كثيرًا.. أخطائي صارت بالجملة..» أحمد خالد توفيق في رواية أسطورة الأساطير الجزء الأول
«قف التدخين: الإقلاع عن السجائر» النسخة العربية من «EasyQuit» تلك هي النتيجة العربية الأولى عبر متجر التطبيقات، والتي تظهر بمجرد كتابة كلمة «التدخين» في صندوق البحث، وهو تطبيق يحظى بتقييم 4.8 من 5، يعلن مطوروه عبر صفحته الرسمية أنه يساعد على التوقف عن التدخين حاليًا أو تدريجيًّا مع مقاومة شهوة التدخين عبر اللعب.
يبدو أن التطبيق ناجح للدرجة التي جعلت أكثر من مليون شخص يحمِّله عبر المتجر، فضلًا عن المراجعات العديدة مثل تلك التي كتبها أحمد إبراهيم وهو أحد المستخدمين: «برنامج رائع جدًّا ساعدني على الإقلاع عن التدخين، الآن أكملت سنة إلا ثلاثة أشهر، وكلما شعرت باليأس وشهوة العودة، أفتح البرنامج وأرى الإنجازات فتحفزني أكثر على عدم العودة، وتزداد العزيمة وكرهي للسجائر».
التقييمات تكاد تكون خالية من أي آراء سلبية تثير التساؤل حول مدى جدوى تلك النوعية من التطبيقات التي تحسب لأصحابها الأموال التي جرى توفيرها، والعلامات الصحية الجديدة التي طرأت على أجسادهم، والحياة المكتسبة، ما يجعل الأمر يستحق المحاولة.
تنضم إلى قائمة البرامج الأكثر استخدامًا كلٌّ من البرامج التالية:
QuitNow!
Smoke Free
SmokeFree
Quit Tracker
Quit Genius
لكن هل تساعد حقًّا؟
استعان أحد المدخنين، عبد الله حبيب، ببرنامج اسمه «وداعا للتدخين»، ويحكي عن تجربته قائلًا: «التطبيق يذكرني باستمرار بتاريخ إقلاعي عن التدخين، وكم من الوقت بقيت دون سجائر، وكذلك عدد السجائر التي توقفت عن تدخينها، وبالتالي كم المال الذي ادخرته، وكذلك الوقت الذي أنقذته من حياتي».
الواقع أن الأمر لم يكن سهلًا بالنسبة لعبد الله لأنه في الأصل بائع دخان: «قرأت كتابًا للمؤلف آلن كار، ساعدني للغاية، كما أن تجارب المدخنين السابقين على فراش المرض أرعبتني، كيف يمكن لسيجارة أن تكون سببًا في تدهور صحتي، وأن تصنع مني عبدًا لها عاجزًا عن التوقف عن التدخين».
أما أمجد خليل، وهو شاب مصري مدخن أيضًا، والذي نجح أخيرًا في الإقلاع عن التدخين عقب سنوات يقول: «تطبيقات الموبايل تعطيك تشجيعًا وحافزًا أنك تتقدم، لكن الأساس هو الإرادة القوية والنية الصادقة، لكن لا قيمة لها عندما تواجهك أعراض الانسحاب، ما يفيدك حقًّا هو عقلك، فحتى الإرادة لا تدوم طويلًا».
حسنًا، تطبيقات الإقلاع عن التدخين، مجانية كانت أو مدفوعة، مستخدمة على نطاق واسع على مستوى العالم، مهمتها المعلنة هو المساعدة في الإقلاع عن التدخين، لكن فعاليتها من عدمه لم تكن محل بحث قبل تلك الدراسة التي أجريت عام 2017، وقد خلصت الدراسة إلى أن استخدام تطبيقات الهواتف الذكية ساعد في زيادة معدلات الإقلاع عن التدخين بين المدخنين المبحوثين بالفعل، لكن النسبة لم تكن ثابتة، حيث تأثر معدل الإقلاع بمدى الالتزام بما تمليه تلك التطبيقات، فضلًا عن التباين الكبير بين التطبيقات بعضها وبعض في الاستعانة بمميزات سمعية وبصرية ضمن خطة الإقلاع، وهو ما من شأنه التأثير في النتيجة بدوره.
إلا أن الالتزام بما تمليه تلك التطبيقات أظهر زيادة في معدلات الإقلاع عن التدخين بين المدخنين، لكن المعدل يتأثر بمدى الالتزام، فضلًا عن التباين في وجود مميزات سمعية وبصرية ضمن الخطة، ما من شأنه التأثير في النتيجة.
التطبيقات التي جرى تطويرها اعتمدت على النظريات العلمية الخاصة بتغيير السلوك، لعل ذلك هو السبب في أن معدلات الانتكاس مرتبطة أيضًا باستخدام التطبيقات من تلك النوعية من عدمه، حيث يتوقف سلوك الاستخدام فيتوقف من بعده سلوك الإقلاع، لكن الدراسة التي تمت قبل خمس سنوات أوصت بمزيد من البحث والتقصي حول الأمر.
وبالفعل جرى تنفيذ دراسات لاحقة ليتبين أن وجهة النظر التي حملتها تلك الدراسة ربما تبدو هينة بالمقارنة بالنتائج القاسية التي خلصت إليها تلك الدراسة المنشورة في سبتمبر (أيلول) 2020 حول مدى جدوى تلك التطبيقات، وجاءت النتيجة التي تمت بالتعاون مع 3543 مشاركًا، بأنه لا يوجد تحسن معتد به إحصائيًّا في معدل الامتناع عن شهوة التدخين، خلال شهرين لثمانية أشهر من بدء الاستخدام.
ماذا يفعل الراغبون في الإقلاع؟
وقال إن الأطباء نصحوه بالاقلاع عن التدخين، وضحك في مرارة وقال، لقد أقلعت عن الوطن، والآن جاء دور الهوايات!» محمود السعدني-مسافر على الرصيف
في الواقع ثمة نوعان من برامج الإقلاع عن التدخين، الأول يعتمد على تجنب محفزات التدخين، بينما يعمل الثاني على تقبل تلك المحفزات والتعامل معها، لذا بدا أن برامج الهاتف المحمول التي تعتمد على المبدأ الثاني، من تقبل المثيرات دون الوقوع تحت تأثيرها بشكل أقوى وأكثر فعالية هي الأنسب للكثيرين، والمقصود بالمثيرات في هذه الحالة هو مجالسة المدخنين، أو التعرض لضغوط دون اللجوء إلى التدخين وسيلة للتنفيس عن الغضب، أو التوتر، كذلك الوجود في المناطق المخصصة للتدخين، مثل برنامج «QuitNow!».
عيسى جاد وهو شاب مصري لجأ إلى سلسلة من مقاطع الفيديو عبر يوتيوب بعنوان «بطلت»، ويرى أنه كان لها مفعول السحر، ويقول: «التطبيقات ليست بقوة مقاطع الفيديو، في الواقع ساعدتني كل تلك المقاطع التي لا يتعدى طول الواحد منها الأربع دقائق».
بحسب موقع «توباكو فري» فإن التوقف عن التدخين ليس سهلًا لكنه أيضًا ليس مستحيلًا يمكن تنفيذه عبر سلسلة من الإجراءات والخطوات أهمها:
الاعتراف بأنك مدمن وأنه ليس مجرد خيار شخصي أو تفضيلًا أو هواية، الاعتراف بوقوع الإدمان أول خطوة في خطوات التخلص منه، خاصة مع تأكيد أن إدمان النيكوتين من الصعوبة التخلص منه، مثل إدمان الهيروين والكوكايين.
الحصول على مساعدة ليس عيبًا، والانخراط في مجموعات دعم أو برامج لوقف التدخين أمر مهم للتوقف الأكيد والتام عن التدخين.
اللجوء إلى الجهات والبرامج الرسمية والخاصة للتوقف عن التدخين أمر مهم، ذلك أن نحو 780 مليون شخص في العالم أعلنوا اعتزامهم الإقلاع عن تعاطي التبغ- وفقًا لمنظمة الصحة العالمية- غير أن 30% منهم فقط كان لديهم إمكانية الوصول إلى الأدوات التي يمكن أن تساعدهم في تلك المهمة، وهو ما توفره الجهات والبرامج الرسمية الخاصة بالتوقف عن التدخين.
التحكم في اللاوعي عبر التوقف عن التعرض لإعلانات السجائر، وكذلك المشاهد والأعمال التي تضم تدخين سجائر.
التنفس بعمق مع كل مرة تبدأ فيها الرغبة في التدخين، استنشاق الهواء بعمق في الرئة والزفير ببطء يعمل سلاحًا جيدًا للقضاء على الرغبة الشديدة في التدخين.
الرغبة في التدخين لا تدوم سوى بضع دقائق وتزول من بعدها وتصير المحفزات على التدخين أضعف مع الوقت.
تناول الأطعمة منخفضة السعرات الحرارية مثل الكرفس والتفاح والجزر، مع مضغ العلكة والقرفة.
الاستمتاع في أوقات التدخين بأمور أخرى مثل كوب من الشاي بالنعناع أو حلوى النعناع.
تعلم أمور جديدة يساعد حقًّا كاليوجا أو ممارسة الرياضة أو حتى الانخراط في فصول دراسة لغة جديدة.
إخفاء كل عناصر التدخين كالمطفأة والسجائر والقداحة وكل شيء.
الدخول إلى مجموعات دعم المقلعين عن التدخين عبر تطبيقات الإقلاع، والتي تضم غرف دردشة للمقلعين.
الكتابة حول الأمور الجيدة بشأن عدم التدخين تشجع أكثر على الاستمرار.
الحرص في المرحلة الثانية عقب التوقف عن التدخين بأسابيع قليلة حيث تختفي الرغبة في التدخين بشكل كبير، ولكن يبقى التحدي هو الالتزام، فعقب فترة ستعود الرغبة «سيجارة واحدة فقط» في تلك اللحظة يجب أن تكون المقاومة قوية، وإلا فإن الاستسلام سيكون مقدمة للعودة إلى الدائرة من جديد.