درب الليل في لارنكا

2022-04-24

عمر الشيخ

يوشك أن يكون مشنقة

 البيتُ صارَ عجوزاً

وكلّ ليلةٍ يسعلُ من صدري،

ها هي تنمو أذرعهُ وأقدامهُ،

ها هو يتماهى في جسدي،

ملامحهُ

أيقونة من تراب وشقاء.

البيتُ يطوي جدرانه

كأغطية فوق القتلى،

فوق المُعانقات...

أشعر بدبيب الألوان

على أركانه،

البيتُ يتلوّن بضوءٍ أشيبَ

ينتزعُ هُدنة الذاكرة

يطلق العاطفة وحيدةً

مثل كلبٍ أعمى في الصحراء.

أضغط على صدر البيت،

بيديَّ،

يأخذ شهقةً واحدةً،

لم يمتْ بشكلٍ جيّد!

صيدليات الأحزان تتناوب على إنعاشهِ،

ونحن نزوّر أحلامنا 

نبتلع أشواكَ القصائد،

وكبسولاتِ الرّغبة

تتمدّد على كلّ قبلةٍ...

وعلى يسار الشارع،

طاولات "كليذي"*

ونشيجٌ ملوّن يُمسكُ البيوت المَهجورةَ

من عُنقها...

أرى البيت على كرسيّ متحرّك،

يجرّه البيانو المعطوب،

ذاك المتروك مثل موسيقاكِ البعيدة،

على طرفِ نظراتنا.

كُتبي السوريّة تنشدُ الفراغ في البيت،

مجروحة حناجرها بالعربيّة المُكسّرة،

المُشتّتة في لغتكِ.

صفحاتٌ مثلّجةٌ عن تاريخ تعَبي،

ووقودٌ نظيفٌ ينتظرُ.

البيتُ يقلعُ وجهه من ملامحي

وحَبلُ النهاية يتدلّى من صوتكِ.

هيّا بنا

هيّا

لندفع الكراسي معاً...

أحتاج تأكيداً للموت

الأقدام المُتأرجِحَةُ في الهواءِ،

لن يدخلها الهواءُ مجددّاً.

سأدفنكم جميعاً في الأوتارِ،

مع كلّ ضربة بيانو في العالم

يصعدُ ترابُ البيت من جسدي

متناثراً فوق خطايانا.

على صُحفنا الأولى،

سُلّمٌ إلى العدم

ونوتات الرحيل تُنزل الستارة،

ها هي 

ها هي رقصة بيتٍ يوشك أن يكون مشنقة.

* "كليذي" (Κλειδί)، في اليونانية، تعني "مفتاح"، وهو اسم مقهى وبار في لارنكا القديمة

■ ■ ■

الشوكيّات

فكّرتُ لكُم بخسائر مقنعة،

جسد على الأشجار،

حلمة وشاطئ،

ربيع قبرصي أكتبه

وكلّ ما لديكم من وعود،

سفكتها على كأس الآن.

لاحقاً يغيب صوتي وتغيبين ونختفي كما لو أنني لم أقل لكِ يوماً كم هو جميل فمك، كم هي شهيّة هذه العيون

وينتهي كل شيء! لذلك لا تسأليني عن صوتي، فقد قتلتْه غياباتنا المقصودة وغير المقصودة.

درب الليل في لارنكا، زاوية البترولينا، قرب رائحة دخّان الفراق، كنّا...

هذه الرطوبة العالية

هذه الليالي المهددة بالمتحوّر دلتا

هذه السماء المخنوقة بخوف البحر

هذا الترف اللغوي الهائم في شوارع الجزيرة

تلك الرصاصات الأربعة التي وُجّهت وسط البحر اليوم...

الحياة الآنيّة وهذه التراكيب المعقدة من آلية المشاعر...

المغادرة المؤجّلة للكآبة…

الطرقات المهدورة نحو الحقيقة…

كل الأشياء تقريبا مكسوة باللامبالاة!

كلّ شيء يطاردني، البحيرة وطيور الفلامنكو، صور العيون في ضباب الطريق السريع بين لارنكا والعاصمة، شكل أصابعك وهي ترتبك على فمي... كلّ شيء يطاردنا، حتى هذه المنصّات، تستعيد مقاطعنا وتقدّمها بعبارة ساذجة: استعادة ذكريات.

عام 2012 قبل أن نصل إلى ساحة الشهبندر بدمشق،

على اليمين تماماً،

مررنا معاً واخترنا من الشوكيات

ما يحتمل صبر الفراق يا دمشق.

مطعونٌ بالحبّ لأنه ذاكرتي الأولى

ومطعونٌ بالحنين لأنه يأسي الجميل.

هل سوف نصلب دمشقنا معاً؟

هل سوف تكفي أخشاب الآلام لجسدها؟

تدوّرنا مسامير التثبيت على مسامها وأعقد خصلة من شعرك إكليلاً لها...

دمشقنا التي غابت فينا

توشمها عيوننا على عيون السماء

فقط لأننا لم نكمل الحبّ، في كلّ شبر منها، دون رعبٍ ومخبرين...

إلى عمر الشيخ:

كنتَ محبّاً اليوم وكان عناقك ممتعاً، هل للشمس علاقة بذلك؟

عمر:

أجل، الشمسُ امرأتي المستحيلة، أحبّ أنّ تغذّي ترابي وناري ومائي وهوائي قبل أن أعود صلصالاً وحيداً آخر النهار.

شاعر سوري مقيم في لارنكا، قبرص







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي