جريمة فوق خشبة مسرح الأوسكار

متابعات الأمة برس
2022-04-22

ويل سميث يصفع كرس روك (ا ف ب)زيد خلدون جميل*

إذا كانت المفاجآت تصنع الإثارة في العروض المسرحية والسينمائية، فقد فشلت المفاجأة، التي شاهدها الملايين من الناس، أثناء حفل توزيع جوائز الأوسكار، لأنها في الحقيقة أثارت الاستياء في أوساط النقاد الفنيين وجمهور السينما في جميع أرجاء العالم.
لتذكير القارئ بما حدث، فقد جرت مراسيم حفل توزيع جوائز الأوسكار يوم الأحد الموافق السابع والعشرين من شهر آذار/ مارس من هذا العام. وكان أحد مقدمي الحفل الممثل الفكاهي والمخرج كرس روك Chris Rock الذي كان قد قام بهذه المهمة عدة مرات سابقا. وكان الممثل والمغني ويل سميث Will Smith جالسا مع زوجته في الصف الأول وعلى بعد أمتار قليلة من المقدم. وأخذ كرس روك يلقي النكات الواحدة تلو الأخرى كعادته حتى نظر إلى زوجة ويل سميث» مقترحا أن تمثل دور البطولة في الجزء الثاني لفيلم «GI Joe» بسبب تساقط شعرها، لأسباب مرضية، حيث كانت بطلة ذلك الفيلم، الممثلة الأمريكية دبي مور، حليقة الرأس. وكان من الواضح أن ويل وجد النكتة مضحكة لأنه استمر في الضحك، ولكن زوجته لم تضحك. وبعد ثوان قليلة صعد ويل إلى خشبة المسرح وصفع كرس روك، الذي قال للحضور إنه تعرض للضرب من قبل ويل سميث، الذي عاد إلى مقعده آمرا كرس روك بعدم ذكر اسم زوجته، بكلمات غير لائقة. وكان رد فعل كرس روك قوله، إنها أعظم ليلة في تاريخ التلفزيون مثيرا ضحك الحضور!
بعد عدة دقائق صعد ويل سميث إلى خشبة المسرح لا لصفع أحدا ما، بل لاستلام جائزة ألأوسكار لأفضل ممثل رئيسي عن دوره في فيلم «الملك ريتشارد»، الذي كان عن والد لاعبتي التنس الشقيقتين سيرينا وفينوس وليامز. وألقى خطابا يعتذر فيه للهيئة المنظمة للحفل والحضور، دون الاعتذار للمقدم كرس روك. ولكن الغريب أن الضحية في هذه الواقعة الغريبة كرس روك، لم يتوقف عن تقديم الحفل، ولم يعلق، وكأن شيئا لم يحدث.
أثارت هذه الحادثة موجة هائلة من السخط في وسائل التواصل الاجتماعي والصحافة. وظهر الممثل الشهير جيم كاري على شاشة التلفزيون في اليوم التالي مؤكدا أنه لو كان الضحية لرفع قضية مدنية ضد ويل سميث، مطالبا إياه بتعويض قدره مئتي مليون دولار. ولم يقدم ويل سميث اعتذارا للمقدم إلا في اليوم التالي عن طريق إحدى وسائل التواصل الاجتماعي. كذلك ادعت إدارة الهيئة المنظمة للحفل يوم الأربعاء أنها طلبت من ويل سميث مغادرة المسرح فورا إلا أنه رفض. وإنها تدرس الموقف لاتخاذ عقوبة قد تفرضها عليه.

متابعة دقيقة للأحداث تجعل المرء يتساءل عن جوانب كثيرة لهذه الحادثة الغريبة، فمثلا ركزت كاميرات التلفزيون على ويل سميث بعد إطلاق كرس روك تلك النكتة، وكان واضحا أنه وجدها مضحكة، حيث كان يقهقه، على عكس زوجته التي بدت ممتعضة بعض الشيء. ولكن الكاميرات ركزت بعد ذلك على المقدم كرس روك حتى ظهر ويل سميث على خشبة المسرح وفعلها. والسؤال هنا «ماذا حدث في تلك الأثناء، أي بين ضحك ويل سميث وصعوده على المسرح. هل تكلمت زوجته معه معبرة عن غضبها، فقام هو وفعل فعلته لإرضائها، وأنه في الواقع لم يكن يعبر عن سخطه هو، بل سخطها هي؟ لا نعلم الجواب لهذا، ولكن تغير رد فعل ويل سميث مثير للاستغراب، كما أن زوجته ضحكت بعد الحادثة مباشرة عندما قال المقدم إنها أعظم ليلة في تاريخ التلفزيون. وهل كانت ستكون لدى ويل سميث الشجاعة للقيام بعمل مماثل إذا كان المقدم ممثلا معروفا بعضلاته وشراسته مثل دوَين جونسون أو تشك نورس، أو بطل الملاكمة مايك تايسون، الذي سبق أن ظهر في أفلام سينمائية، إذ لا يعرف كرس روك بأي نوع من القوة الجسدية، على عكس ويل سميث. ولماذا لم يرفع كرس روك قضية على المعتدي، فإثباتها سيكون سهلا جدا، ولماذا لم يتوقف عن تقديم الحفل، فحادثة من هذا النوع جديرة بجعله يتوقف ويغادر المكان محتجا، ولحسن الحظ أنه لم يرد على صفعة ويل سميث بصفعتين أو أكثر ما كان سيثير فضيحة في الحفل.، ولماذا لم تتدخل شرطة مدينة لوس أنجلس، حيث ذكر البعض أن شكوى من الضحية في هذه الحالة لن تكون ضرورية لكون الواقعة سهلة الإثبات. ومنذ متى ويل سميث بهذه الحساسية المفرطة، إذ سبق له وتلقى تعليقا ساخرا ربما كان أكثر قسوة من المقدم نفسه في حفلة أوسكار سابقة ولم يحدث شيء.

في نهاية المطاف، على المرء أن يتمنى معالجة هذه الواقعة بشكل مناسب وصارم من الناحيتين القانونية والأخلاقية، والبرهنة للجميع أن مرتكب الجريمة يواجه العقاب مهما كانت شهرته أو طبقته أو عضلاته، وإلا فإن المشاهد سيعتقد أنه يعيش في غابة مليئة بالوحوش المفترسة.

كان ادعاء الهيئة المنظمة، أنها طلبت من ويل سميث المغادرة، ولكنه رفض، مثيرا للتساؤل حيث صدر هذا الادعاء بعد الحادثة بثلاثة أيام، ولا نعلم كيف تم الطلب من قبلهم والرفض من قبله، إذ من المؤكد وجود طاقم أمني مدرب بكفاءة عالية في الحفل. وإذا قمنا بمقارنة بسيطة بين هذه الحادثة وحادثة مشابهة سابقة، فسنجد اختلافات غريبة، إذ رفض مارلون براندو عام 1973 جائزة الأوسكار وأرسل ممثلة شابة من الهنود الحمر (سكان الولايات المتحدة الأمريكية الأصليين) لتعلن رفضه الجائزة الذي كان سببه المعاملة السيئة من قبل هوليوود بشكل خاص للهنود الحمر. وقد ذكرت هذه الممثلة أن الممثل جون وَين، حاول الصعود على المسرح لإجبارها على النزول، إلا أن رجال الأمن منعوه، وإنها خرجت من المسرح بحماية رجال الأمن. ولذلك، أين كان رجال جهاز الأمن يوم الأحد؟ ويبدو أن الهيئة المنظمة لم تتوقع حدوث مشكلة ما في حفل بهذه الأهمية الكبيرة. وكان بمقدور رجال الأمن إجبار ويل سميث على المغادرة حتى إذا رفض ذلك مدعوما بعضلاته.
إن بطء رد فعل الهيئة المنظمة في علاج مشكلة فاضحة من هذا النوع لا يبشر بخير، مهما كانت أهمية مرتكب الجريمة وثروته وشهرته، فالجميع متساوون أمام القانون، أو هذا هو المفروض. وإذا كانت الهيئة المنظمة تشكو أصلا من الانخفاض التدريجي لعدد مشاهدي هذا الحفل، الذي ينقل كل عام حيا ليشاهده العالم أجمع، فإن هذه الحادثة الفاضحة ستزيد من احتقار المشاهدين ليس للحفل وحسب، بل للمشاركين في صناعة السينما بشكل عام. ومن المضحك أن ويل سميث ذكر في اعتذاره «أن هذا التصرف لا يمثل الرجل الذي أريد أن أكون على شاكلته»، ولكن هذا التصرف على ما يبدو مثّل حقيقته الحالية. ومما زاد الطين بلة أن الجمهور الحاضر والمكون من مشاهير الممثلين والمشاركين في صناعة، وليس فن السينما، استمروا في الضحك بعد ذلك وكأن شيئا لم يحدث، على الرغم من شعور بعضهم بالمفاجأة عند حدوث الواقعة حتى إنهم قاموا جميعا مصفقين بحرارة عندما استلم المعتدي ويل سميث جائزة الأوسكار عن دوره في فيلم «الملك ريتشارد». وهذا يعطي انطباعا سيئا عنهم، وهم الذين يدعون حرصهم على المبادئ الأخلاقية والقانون.
لم يدرك ويل سميث أنه بعمله هذا أهان الجميع، حيث إنه أهان المشاهدين في جميع العالم، لأنهم كانوا يودون مشاهدة حفل ممتع، وليس ممثلا مشهورا يتصرف بشكل غير قانوني أو متحضر. وأهان الحضور في الحفل لأن رأي المشاهدين عنهم سيتأثر، مع الأخذ بنظر الاعتبار أن تصرفات الممثلين اقترنت بالفضائح منذ بداية صناعة السينما، كما أنه أفسد عليهم عرضا كبيرا كانوا هم في الحقيقة مشتركين في عرضه. وأهان كذلك عائلة لاعبتي التنس الشهيرتين، حيث إن جائزة الأوسكار التي نالها كانت لتمثيله دور والدهما. والإهانة الكبرى كانت لمقدم الحفل كرس روك الذي لم تكن نكتته تلك غير عادية بمعايير هوليوود.
هنالك جهة واحدة قد تستفيد من هذا العمل المشين، ألا وهي المحامون الذين يسيل لعابهم كلما تقع فضيحة بطلها شخصية شهيرة، وفي هذه الحادثة بالذات لدينا شخصيتان شهيرتان، وهما ويل سميث وكرس روك. أما الشهود، فكانوا كل من شاهد الحفل على شاشة التلفزيون، وكذلك الحضور في الحفل الذي كان من كل مشاهير صناعة السينما.
في نهاية المطاف، على المرء أن يتمنى معالجة هذه الواقعة بشكل مناسب وصارم من الناحيتين القانونية والأخلاقية، والبرهنة للجميع أن مرتكب الجريمة يواجه العقاب مهما كانت شهرته أو طبقته أو عضلاته، وإلا فإن المشاهد سيعتقد أنه يعيش في غابة مليئة بالوحوش المفترسة.

*باحث ومؤرخ من العراق







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي