لماذا قد يؤدي الضغط على الدول المحايدة لمعاقبة روسيا إلى نتائج عكسية؟

الأمة برس - متابعات
2022-04-19

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال خطاب تلفزيوني في موسكو (ا ف ب)

وصلت الفترة الوجيزة من التعاون العالمي عبر الخطوط الأيديولوجية إلى نهاية حاسمة في الحرب حول المنطقة الحدودية المتنازَع عليها بين روسيا وأوكرانيا، ودشَّن ذلك صراعًا طويلًا بين القوى المتناحرة. واقترن هذا العداء بنظام عقوبات تقوده الولايات المتحدة الأمريكية، وبينما كان يُنظر إلى هذا النظام في البداية على أنه أداة سياسية مؤقتة ومرنة، إلا أنه سرعان ما أصبح نظامًا راسخًا بقوة.

هذا ما افتتح به رايان مارتينيز ميتشل، الأستاذ المساعد في كلية الحقوق بالجامعة الصينية في هونج كونج، مقاله الذي تحدث فيه حول الآثار السيئة للضغط على حكومات الدول المحايدة للانضمام إلى الولايات المتحدة في فرض عقوبات على النظام الروسي، ومدى فاعلية هذا الإجراء في المقام الأول.

هل تُعد العقوبات الاقتصادية حلًّا ناجعًا؟

يواصل الكاتب مقاله الذي نشرته مجلة ريسبونسبل ستيت كرافت التابعة لمعهد كوينسي لفن الحكم الرشيد قائلًا: في حين أن فرض العقوبات يسبِّب المعاناة والضرر للمواطنين العاديين في الدول المستهدفة، إلا أنه أمر صعب أيضًا، كما أن هذه الخطوة لا تحظى بشعبية على مستوى العالم، وتؤدي في النهاية إلى نتائج عكسية. وهذه الخطوة تعزز أيضًا بناء روابط أوثق بين أعداء واشنطن الأيديولوجيين على الرغم من وجود خلافات كبيرة بينهم في الحقيقة.

كما أن الولايات المتحدة تُنفِّر تدريجيًّا تلك الدول التي تُفضِّل أن تبقى على الحياد سعيًا وراء نموها الخاص. وإذا نظرنا إلى الوراء، فسنجد أن العقوبات الواسعة النطاق التي فُرضت على الاتحاد السوفيتي منذ عام 1949 و«الصين الحمراء» منذ عام 1950، كانت بالكاد تُعد ناجحة.

ويضيف الكاتب: ربما ينتهي الأمر بتكرار مظاهر الحرب الباردة في «الحرب الباردة الثانية»، وهو مصطلح يصبح لا مفر منه تقريبًا بالنظر إلى المواجهات المتصاعدة التي تتَّسم بها العلاقات بين واشنطن، وموسكو، وواشنطن، وبكين. وبالطبع من المهم الاستمرار في استكشاف أي إمكانية للوصول إلى تدابير تعاونية مؤقتة، ولكنها قائمة على مبادئ بين القوى الكبرى والمتوسطة والصغيرة بدلًا عن كفاح إدارة بايدن المفرط في طموحه (والمتناقض مع الذات في بعض الأحيان) الذي يعني نضال «الديمقراطيات ضد الأنظمة الاستبدادية». إلا أنه حتى على المستوى التكتيكي البحت يمكن لحملة العقوبات أن تثير شكوكًا جدية.

نسَق أمريكا في معاقبة روسيا

يلفت الكاتب إلى أنه كلما تطورت التدابير المطبَّقة على روسيا، ازدادت احتمالية أن تتوسع لتصبح حظرًا تجاريًّا شبه كامل. وهذا لا يذكرنا بالأمثلة الحديثة لفرض هذه القانون كتلك التي فُرضت على إيران بسبب برنامجها النووي، ولكن بتلك التي فُرضت في الحرب الباردة، مثل الحظر الأمريكي الذي فُرض على الصين والذي بدأ مع بداية الحرب الكورية ولم يُرفع حتى عام 1972. وخلال تلك الفترة وجدت واشنطن نفسها معزولة أكثر فأكثر نظرًا لعدم اعترافها ببكين ومحاولاتها خنق اقتصادها.

وطورت الصين بسرعة علاقاتها التجارية التي كانت مهملة سابقًا مع الدول الشيوعية، وبذلك ساعدت في ترسيخ مكانة بكين باعتبارها «شريكًا أصغر» لموسكو. وبحلول ستينيات القرن الماضي، كانت الصين أيضًا قد انخرطت في تجارة متنامية حتى مع حلفاء الولايات المتحدة، لا سيما ألمانيا الغربية، واليابان، وبريطانيا، وكندا، وإيطاليا. وكما حدث مع كوبا لاحقًا، فشل الحظر الذي فرضته واشنطن في تحقيق هدفها الطموح لتغيير النظام.

ولزم أن يحدث صدمات غير متوقعة من الانقسام الصيني السوفيتي حول الأيديولوجيا، والجغرافيا السياسية، وانقلابات داخلية متعاقبة في الثورة الثقافية قبل أن تُطَبَّع العلاقات بين الولايات المتحدة والصين. وتطلب الأمر أكثر من ذلك بكثير كي يعود حجم التجارة إلى مستويات عام 1950. وهذه العلاقات التجارية الصينية الألمانية والصينية اليابانية، التي بمرور الوقت لعبت دورًا رئيسًا في تعزيز القدرة التنافسية الاقتصادية للدول الثلاث على حساب العمال الأمريكيين، تأسست جميعها رمزيًّا وعمليًّا على التناقض بين براجماتية بون وطوكيو وإيمان واشنطن شبه الديني في قدرتها على عزل نظام مكروه.

النتائج العكسية لعقوبات أمريكا الاقتصادية

يشير الكاتب إلى أن الأكثر خطورة من ذلك هي الخسائر التي ألحقتها الولايات المتحدة بنفسها حينما ضغطت واشنطن على الدول التي تحررت من الاستعمار حديثًا لوقف العلاقات الودية (أو المساعدات) – بحسب التقرير –  مع موسكو أو بكين. وتأكد ذلك في اجتماع مؤتمر باندونج للدول الآسيوية والأفريقية عام 1955 للسعي إلى إيجاد «منطقة سلمية محايدة بين المعسكرين الكبيرين» خلال الحرب الباردة. ونظرت واشنطن بقلق وسَعَت إلى «إحداث توازن في التأثيرات الشيوعية القوية والمحايدة» التي مثَّلها مؤتمر باندونج، كما وصفتها مجلة نيوزويك في ذلك الوقت. إن الإرث المدمر للذات من الانقلابات التي دعمتها الولايات المتحدة والاجتياحات المباشرة التي تلت ذلك تتحدث عن نفسها ببلاغة.

وليس مصادفة أن معظم الدول التي عدَّت نفسها تاريخيًّا جزءًا من «العالم الثالث»، بما فيها على سبيل المثال لا الحصر 120 دولة مرتبطة رسميًّا بحركة عدم الانحياز، تتبنى موقفًا مختلفًا عن موقف واشنطن اليوم. ولم يحل رد الفعل الانتقامي غير المسبوق على العدوان الروسي في أوكرانيا، بما فيه نظام العقوبات المدمر وحظر الطيران والدعم المالي والعسكري المهم لكييف وغيرها، محل «الحياد» ومبادئه التي تتبناها الغالبية العظمى من الدول التي رفضت أن تحذو حذو الولايات المتحدة.

ويشمل ماذ سبق ذكره 141 دولة من الدول الـ193 الأعضاء في الأمم المتحدة الذين صوتوا في الثاني من مارس (آذار)، أو الـ139 دولة التي صوتت في 24 مارس، لإدانة «عدوان الاتحاد الروسي على أوكرانيا الذي ينتهك المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة». ولكن شجب الحرب غير الشرعية أمر، وشن هجوم اقتصادي مضاد أمر آخر تمامًا.

الوصفة الخاطئة لبناء تحالف عالمي صحيح

وانتقاد الهند بسبب اختيارها الوقوف على «الحياد» أو تهديد الصين بفرض «عقوبات» بسبب أي دعم تقدمه لروسيا، دون توضيح هل الحفاظ على علاقات تجارية طبيعية، كما فعلت دول عديدة، سيُعد «دعمًا» أم لا، ليست وصفة صحيحة لبناء تحالف عالمي حقيقي أو الحفاظ عليه لمواجهة عدوان موسكو. وكما كان عليه الحال عندما حاولت الولايات المتحدة عزل بكين بعد أحداث عام 1950، لن تكون واشنطن اليوم قادرة على تطوير طريقة متَّسقة أو مقنعة لعزل الاقتصاد الروسي تمامًا بالكامل.

اجتماع للجمعية العامة للأمم المتحدة في الأول من آذار/مارس 2022 في نيويورك حول الغزو الروسي لأوكرانيا (أ ف ب)

وإذا كانت هناك عقوبات جانبية تُفرَض على الشركات الصينية التي تعمل في تجارة غير عسكرية مع روسيا، فلم لا تُفرض عقوبات على الشركات المنغولية مثلًا؟ هل قرب الأخيرة من روسيا والعلاقات التاريخية الوثيقة والخسائر الجسيمة المحتملة والوضع «المحايد» المعلن يقدم عذرًا مقبولًا لعدم الانضمام تلقائيًّا إلى تحالف «المنبوذين»؟ لماذا إذًا لا تنطبق الأسباب نفسها على الصين ومجموعة كبيرة من الدول التي هي في موقف مماثل؟ وبينما نسمع مزيدًا من التصريحات الثائرة كتلك التي صدرت عن رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان «هل نحن عبيد عندكم؟»، هل يسمع ذلك حقًا أيٌّ من المسؤولين الأمريكيين المطَّلعين؟

ويضيف الكاتب: «السلاح الاقتصادي» وُجد ليبقى، ولكن كغيره من الأسلحة، يجب أن يُستخدَم بحذر. والدفع لتحويل قرار سياسي جريء اتخذته واشنطن وحلفاؤها في حلف الناتو (وحتى قلة مختارة من المحايدين مثل سويسرا وفنلندا) إلى قاعدة تُفرض على المجتمع العالمي بأسره يمكن أن تأتي بنتائج عكسية بعدة طرق، بعضها متوقع بينما سيكون بعضها الآخر مفاجئًا.

ونظرًا لأن أوكرانيا نفسها تفكر اليوم بجدية في أن تتبنى موقفًا محايدًا باعتباره جزءًا من اتفاقية سلام محتملة، يجب على واشنطن وبروكسل (الاتحاد الأوروبي) الاعتراف بشرعية الحياد في التدابير التي يتَّخذونها. والالتزام بعقودٍ من النضال ضد «الديكتاتورية» قد يصبح في نهاية المطاف «صرحًا من خيال، ومن ثم يهوى» كما هوى النضال ضد «الشيوعية» و«الإرهاب». وإحدى الطرق التي تساعد على أن يهوى هذا النضال بسرعة، هو التنازل عن الاعتراف بشرعية الحياد – والتنازل كذلك عن مُتمِّمه الطبيعي؛ تعدد الأقطاب – للمستبدين، بحسب ما يختم الكاتب.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي