حرب أوكرانيا.. هل تكون نقطة تحول في العلاقات بين تركيا وأمريكا؟

2022-04-16

هل تشهد العلاقات التركية الأمريكية نقطة تحول بسبب حرب أوكرانيا (ا ف ب)

يتساءل بعض المحللين والمراقبين إذا ما كان الغزو الروسي لأوكرانيا سيتيح فرصة لإصلاح العلاقات بين أنقرة وواشنطن، حيث إن هناك بعض التفاؤل الحذر في الأجواء. ومن وجهة نظر واشنطن، فإن عودة ديناميكيات الحرب الباردة بين الغرب وموسكو ليست بالضرورة أمرا سيئا.

وبالفعل، فاجأت ألمانيا العالم بمدى سرعة إعلانها عن تغييرات جذرية في وضعها العسكري. وقد يأمل البعض أن يكون عدوان موسكو بمثابة جرس إنذار يجبر أنقرة على إعادة النظر في علاقاتها العسكرية والاقتصادية والاستراتيجية مع روسيا.

ولا يزال من غير الواضح إلى أي مدى ستكون هذه الحرب الباردة الجديدة بين موسكو وحلف "الناتو" شبيهة بالحرب القديمة. لكن هناك بالفعل إشارات واضحة على أن العلاقات التركية الأمريكية تشهد شيئا من الانتعاش. ولم يعد أحد يتحدث الآن عن طرد تركيا من "الناتو"، على العكس من ذلك، يشيد الكثيرون بدور الطائرات بدون طيار التركية في صمود أوكرانيا.

ووفقا لـ "فيكتوريا نولاند"، وكيلة وزارة الخارجية الأمريكية للشؤون السياسية، التي زارت أنقرة في وقت سابق من هذا الشهر، فإن تركيا تلعب "دورا محوريا" في أوكرانيا، وهناك "رياح جديدة" في العلاقات.

وكانت "ويندي شيرمان"، نائبة وزير الخارجية الأمريكي، أكثر طموحا خلال زيارتها لأنقرة في أواخر مارس/آذار. وبحسب ما ورد فقد طرحت فكرة نقل منظومة الدفاع الجوي الروسية "إس-400" التي تمتلكها تركيا إلى أوكرانيا.

وليس من المستغرب أن ترفض تركيا هذه الفكرة بشدة. ومع ذلك، قررت واشنطن وأنقرة إنشاء آلية استراتيجية جديدة للتعاون بجدية أكبر في المجالات ذات المصالح المشتركة.

ورغم ذلك، من المحتمل أن يتطلب الأمر أكثر من مجرد مجموعة عمل بيروقراطية لإصلاح العلاقات.

خلافات متراكمة

تم طرد أنقرة من برنامج مقاتلات "إف-35" بعد أن قررت شراء منظومة "إس-400" من روسيا. وتخضع صناعة الدفاع التركية لعقوبات عسكرية صارمة من واشنطن. لكن كيف وصلت العلاقات التركية الأمريكية إلى هذه النقطة المتدهورة من البداية؟ حسنا، عند أي محاولة لتحليل الأسباب الجذرية لتدهور العلاقات التركية الأمريكية يظهر بسرعة الدور المركزي الذي يلعبه صراع تركيا مع المليشيات الكردية.

وظهرت معظم المشاكل المستعصية في العلاقات التركية الأمريكية في فترة ما بعد الحرب الباردة. وبمجرد ظهور النظام الإقليمي والعالمي لما بعد الاتحاد السوفيتي في أوائل التسعينيات، أدركت تركيا والولايات المتحدة أنهما فقدتا ما كان ضروريا حقا في شراكتهما الاستراتيجية، أي التهديد المشترك.

وبعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول، عندما تحول مركز ثقل السياسة الخارجية الأمريكية إلى الشرق الأوسط، سارت الأمور من سيئ إلى أسوأ. واكتشف الحليفان في "الناتو" بسرعة أن لديهما مصالح متباينة في هذه المنطقة الصعبة. وبالنسبة لتركيا، كان السؤال الوجودي في الداخل وعبر حدودها مع العراق وسوريا هو القومية الكردية. وبالنسبة للولايات المتحدة، كانت التنظيمات الجهادية هي الشغل الشاغل للأمن القومي.

وتمكنت أنقرة وواشنطن من تجزئة مشاكلهما إلى أن قررت أمريكا محاربة تنظيم "الدولة الإسلامية" بالتحالف مع القوميين الأكراد. وجاء ذلك بالتوازي مع بدء أنقرة (المحبطة بشكل متزايد) في التعاون مع الجماعات الجهادية في سوريا. وعندما دخلت واشنطن في شراكة مع القوميين الأكراد وبدأت تركيا في دعم الجهاديين، ظهرت الخلافات التي لا يمكن التغاضي عنها.

واستغل الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" هذا الموقف لجذب تركيا بعيدا عن "الناتو". ولإرضاء "بوتين"، اشترت أنقرة صواريخ "إس -400" الروسية جزئيا للحصول على الضوء الأخضر من موسكو لتوغلاتها العسكرية في شمال سوريا. وكان الصراع التركي مع المليشيات الكردية واحتضان الولايات المتحدة للأكراد السوريين الهدية التي تلقتها موسكو.

وأصبح من الواضح بشكل متزايد أن الشرق الأوسط أصبح كابوسا للعلاقات التركية الأمريكية، في ظل المشاكل التي تراوحت بين انتهاكات إسرائيل بحق الفلسطينيين ومحاولات السعودية والإمارات قمع جماعة الإخوان المسلمين في جميع أنحاء المنطقة، والعقوبات الأمريكية على إيران.

العودة إلى أوروبا

والآن، مع عدوان "بوتين" على أوكرانيا، تحول مركز الثقل في العلاقات التركية الأمريكية، مرة أخرى وبسرعة، من الشرق الأوسط إلى أوروبا، كما كان خلال الحرب الباردة. ولطالما اعتمدت تركيا على تحقيق التوازن بين "الناتو" وروسيا على افتراض أن روسيا لم تعد نفوذا خبيثا وعدوا بالغ الخطورة بالنسبة للغرب.

لكن ما حدث في أوكرانيا منذ الغزو في 24 فبراير/شباط غير كل ذلك؛ فقد عدنا إلى ديناميكيات الحرب الباردة بقدر أقل من القدرة على التنبؤ، نظرا لشخصية "بوتين" الزئبقية وسلطته على الكرملين. ومن التهديد باستخدام الردع النووي إلى الاستخدام المحتمل للأسلحة البيولوجية والكيميائية، لا أحد يعلم بوضوح كيف ستنتهي الحرب في أوكرانيا.

وفي ظل هذه الظروف، من الواضح أن الأيام التي كانت تتمتع فيها تركيا ببعض التوازن الاستراتيجي بين "الناتو" وروسيا تقترب من نهايتها. ولا يزال الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" يحاول إجراء توازن من خلال استضافة محادثات بين روسيا وأوكرانيا، لكن سيتعين على أنقرة في النهاية أن تختار بين موسكو والغرب.

ومن الواضح أنه من مصلحة واشنطن أن تكون أنقرة راسخة بقوة في المعسكر الغربي. وسيعتمد تقليل اعتماد أوروبا على روسيا في مجال الطاقة جزئيا على ممرات الطاقة بين الشرق والغرب التي تمر عبر تركيا. كما سيتطلب ربط احتياطيات الغاز الغنية في شرق البحر المتوسط ​​بأوروبا تعاون تركيا.

ولا شك أن تقليص اعتماد أوروبا وتركيا على الطاقة الروسية يمثل أولوية استراتيجية رئيسية لإدارة الرئيس الأمريكي "جو بايدن". ولكن على المدى الأقصر، ستختبر قضية مهمة أخرى ما إذا كان الغزو الروسي لأوكرانيا قد غيّر قواعد اللعبة في العلاقات التركية الأمريكية، أي بيع طائرات مقاتلة من طراز "إف-16" إلى أنقرة.

حيث طلبت تركيا أواخر العام الماضي شراء 40 مقاتلة من طراز "إف-16"، وهناك ما يقرب من 80 مجموعة تحديث لطائراتها الحربية الحالية قيد الانتظار.

وأعربت إدارة "بايدن" مؤخرا عن بعض الدعم لهذا المشروع على أساس أن أنقرة تدعم أوكرانيا عسكريا، وأن الدولة دفعت بالفعل ثمن شرائها صواريخ "إس-400". ومع ذلك، تتطلب عملية البيع موافقة الكونجرس، في وقت لا تزال فيه المشاعر المعادية لتركيا سائدة بين المشرعين الأمريكيين. لذلك تحتاج أي آلية استراتيجية بين أنقرة وواشنطن إلى معالجة تصور الكونجرس عن تركيا و"أردوغان".

عمر تاسبينار- ريسبونسيبل ستيتكرافت







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي