
نشر موقع «ذا كونفرزيشن» الأسترالي مقالًا أعدته جولانتا بيرك، محاضرة أولى بمركز علم النفس الإيجابي والصحة بالكلية الملكية للجراحين في أيرلندا، بجامعة الطب والعلوم الصحية، توضح فيه أسباب شعور التوتر عند محاولة الاسترخاء، وكيفية التصرف حيال هذا الأمر.
تتساءل الكاتبة في بداية مقالها: هل سبق لك أن حاولت الاسترخاء، فقط لتجد نفسك غارقًا في الشعور بالتوتر وتتملكك الأفكار السلبية؟ وتجيب الكاتبة بأنه اتضح أن كثيرين يعانون من هذا الشعور، ولهذا السبب صاغه بعض الناس باسم «توتر الاسترخاء».
وعلى الرغم من أن توتر الاسترخاء مصطلح جديد، فإنه يصف القلق الناجم عن محاولة الاسترخاء والذي دُرِس لسنوات. ويتضح أن هذا الشعور يحدث لما يتراوح بين 30% إلى 50% من الأشخاص عندما يحاولون القيام بأشياء تساعد على الاسترخاء، الأمر الذي يسبب أعراض الإجهاد (مثل ضربات القلب السريعة أو التعرق).
حلقة مفرغة
وتقول الكاتبة إنها حالة تنطوي على تناقض، وذلك لأن الأشخاص الذين يعانون من توتر الاسترخاء قد يحتاجون إلى عمل شيء للاسترخاء لإزالة التوتر، ويمكن أن يتحول هذا الأمر إلى حلقة مفرغة مدمِّرة، إذ قد لا يمكنهم تخفيف التوتر الذي يعانون منه، مما قد يؤدي إلى وجود مزيد من المشاعر السلبية ونوبات الهلع.
ولن يعاني الجميع من شعور توتر الاسترخاء، وتشير بعض الأبحاث إلى أن الأشخاص الذين يعانون من القلق ربما كانوا أكثر عرضة لهذا الشعور. ولكن فيما يلي بعض الأسباب الأخرى لحدوث ذلك، وما يمكنك فعله للتغلب عليه.
1- إنكار شعور التوتر
توضح الكاتبة أن الادِّعاء بعدم وجود مشكلة، والمعروف أيضًا باسم الإنكار، هو أحد أقل إستراتيجيات المواجهة فاعلية لمواجهة التوتر، وفي حالة توتر الاسترخاء، قد يعني هذا أنك متوتر من البداية.
والواقع أن فترات الإنكار القصيرة يمكن أن تساعد في التكيف مع التغيير، وعلى سبيل المثال، يمكن أن يساعد الإنكار الشخص في التغلب على عواطفه بعد تجربة وفاة شخص قريب، ولكن عندما يتكرر استخدام الإنكار للتعامل مع الضغوطات اليومية، فإنه يمكن أن يترك الشخص مع شعور بأنه عالق دائمًا في هذا النمط السلوكي.
وتبين الكاتبة: عندما يكون المرء في حالة إنكار، يستمر الجسم في إرسال إشارات توتر لحث المرء على اتخاذ إجراء وحل مشكلاته، وهذا هو السبب في أن محاولة الاسترخاء (والفشل) بدلًا من المعالجة الحقيقية لأسباب التوتر يمكن أن تجعل المرء يشعر بمزيدٍ من التوتر.
وتستعرض الكاتبة كيفية إصلاح ذلك من خلال النصائح الآتية:
اعترف بأن أعراض التوتر يمكن أن تكون مفيدة، ذلك أن جسدك يحاول تنبيهك إلى أن المشكلة تحتاج إلى إصلاح، لذا فهو ينشط جميع موارده الفسيولوجية لمساعدتك على القيام بذلك. وعلى سبيل المثال، يساعد معدل ضربات القلب المتزايد جسمك على نقل مزيد من الدم المؤكسج إلى عقلك، حتى يتمكن العقل من التوصل إلى حل سريع للمشكلات التي تسبب لك التوتر.
اكتب أعمق أفكارك ومشاعرك المرتبطة بالتوتر، وسيساعدك هذا على فهم مصدر توترك حتى تتمكن من معالجته، وعلى سبيل المثال، لا فائدة من ممارسة التأمل يوميًّا للتخلص من التوتر إذا كان سبب التوتر هو الشعور بالإرهاق في العمل، وفي هذه الحالة، فمن شأن التحدث مع مدير أو زميل ما لتعديل أعباء العمل الخاصة بك أن يساعد في تخفيف التوتر أكثر مما قد تفعله أنشطة الاسترخاء.
فكِّر خارج الصندوق، فعندما نشعر بالتوتر، قد نعتقد فقط أن بعض الأنشطة (مثل التأمل أو التمرين) يمكن أن تساعدنا على الاسترخاء، ولكن التحدث إلى الأصدقاء أو العائلة، أو استخدام تطبيق أو مصدر عبر الإنترنت قد يكون طريقة أفضل لمعالجة توترك ومساعدتك على الشعور بالتحسن.
2- القلق بشأن ما يقوله الآخرون
وتتابع الكاتبة: لدى معظمنا شيء شغوفون به، سواء كان ذلك العمل أو حتى الهواية، ولكن السبب وراء تحفيزك للقيام بهذه الأشياء مهم، يتابع بعض الأشخاص شغفهم لأنهم يريدون ذلك، سواء كان ذلك لتطوير أنفسهم أو تعلم مهارة جديدة، ولكن قد يسعى آخرون وراء شغفهم فقط لأنهم يريدون التقدير من الآخرين، وقد يكون الأشخاص من أصحاب الأنماط الشخصية المعينة أكثر عرضة للهوس بشغفهم، وقد يتَّبع آخرون ببساطة مسعًى معينًا لنيل الثناء من زملائهم أو حتى لإثبات جدارتهم أمام الأصدقاء أو العائلة.
وتكمن مشكلة السعي وراء الشغف لسبب خاطئ في أنه يمكن أن يدفع الشخص نفسه إلى الحد الأقصى، مما قد يعني العمل على الرغم من مرضه أو عدم أخذ إجازة للتخلص من التوتر، وهذا قد يجعل الاسترخاء أمرًا صعبًا ومرهِقًا، كأن تضيِّع وقتًا يمكن أن تقضيه في السعي وراء شغفك عندما تحاول القيام بأنشطة تبعث على الاسترخاء، وقد تشعر بالقلق حتى من أن ينظر الناس إليك نظرة سلبية بسبب أخذ إجازة، وفي نهاية المطاف، قد يؤثر هذا سلبًا في سلامة المرء.
وفيما يخص الأشخاص الذين يشعرون بهذا، فإن أخذ «استراحة عقلية» قصيرة مما أنت متحمس له قد يكون مفيدًا، ولا يجب أن تكون الاستراحة طويلة ولا يجب أن تتضمن القيام بشيء تراه بالضرورة مريحًا. ولكن أخذ فترات راحة قصيرة قد يساعدك على الشعور في النهاية بأنه لا بأس من قضاء بعض الوقت بعيدًا عن شغفك بين الحين والآخر للتخلص من التوتر والاسترخاء.
3- صعوبة اتخاذ القرار
تمضي الكاتبة قائلة: عند اتخاذ القرار، لا يسع بعض الناس إلا استكشاف جميع الخيارات الممكنة المتاحة لهم، والمعروفة باسم تعظيم الأفكار، ويمكن أن يحدث هذا حتى عند محاولة اختيار شيء مريح لتفعله، وحتى بعد اختيار شيء ما، قد تفكر بدلًا من ذلك في الخيارات الأخرى، وتتساءل عما إذا كان هناك شيء آخر سيساعدك على الشعور بمزيد من الراحة، لذا وبدلًا من إراحة عقلك، فأنت تجهد نفسك أكثر.
وللأسف، يؤدي تعظيم الأفكار إلى لوم الذات، بغض النظر عن الخيار الذي نفضله، كما أنه يرتبط أحيانًا بحالة منخفضة من السلامة، وفيما يتعلق بالشخص الذي لديه عادةً تعظيم الأفكار، فقد يفكر في كل الأشياء الأخرى التي يتعين عليه القيام بها في ذلك اليوم بدلًا من الاسترخاء الفعلي، مما قد يؤدي إلى الشعور بالتوتر.
ولحل هذه المعضلة، تنصح الكاتبة بما يلي:
قلِّل من عدد القرارات التي تحتاج إلى اتخاذها في اليوم الذي تريد أن تفعل فيه شيئًا يبعث على الاسترخاء، أو حتى التخطيط للوقت الذي ستفعل فيه شيئًا مريحًا (مثل مشاهدة فيلم أو التأمل)، والمدة التي سيستغرقها ذلك، وقد يسهِّل هذا الاسترخاء عندما يحين الوقت لأنك تعلم أنك لا تؤجل أشياءً أخرى. تذكَّر لماذا تحاول الاسترخاء، إن صحتك مهمة، لذا فإن تذكُّر ذلك قد يساعدك على تقليل التوتر أثناء محاولة القيام بنشاط مريح.
وعلى الجانب المشرق، وحسب ما تختم الكاتبة، فحتى لو تسبب الاسترخاء في الشعور بالقلق، فقد يكون له تأثير إيجابي في الصحة العقلية، بل وقد يساعدك على النمو، والشيء الأكثر أهمية هو إيجاد نشاط مريح تستمتع به، وسواء كان هذا النشاط هو الطبخ أو البستنة أو حتى الجري، فمن المهم أن يساعدك على التخلص من الضغوط اليومية.