بعد منتصف الليل في سماءِ أنجمينا

2022-04-14

حمزة باشر

سيأتي زمانٌ

محمّلٌ بأجسادٍ كثيرة

تريد النهوض.

يُرهِقُها الوقت،

وذاك الفراغُ المكثّف، الآن

تحت رعشة الجسد

حين تجرحه يدُ البرد

بعد منتصف الليل، في سماء أنجمينا

تغمر أغنية الحبّ

عاشقين تحرّرا من عَناء الجسد

وهو يرقص

"ماميرو"، أتذكرين؟

هناك عابران التصقا حَدّ الشبق

يلفّهما البرد

في إحدى الليالي

والصمتُ يخطو ببطءٍ على مرأى من المَلأ

عابران! يوحّد بينهما الجسد

فيما يعزفان بعيداً

تحت راية الشّمس

سيأتي زمانٌ محملٌ بأوجاع كثيرة،

ينأى عن نفسه الظلّ

حين لا أحد يقبل

أن يرشق الصمتَ بكلمة

وأنا على مقربة منكِ، لأفعلَ،

يتأتى عليّ المضي قُدُماً

دون أن أجسر

سيأتي زمانٌ

محملٌ بأبصارٍ عديدة

وأنا أشعر بثقل اسمي

وأشياء كثيرة

تعاتب، كما أفعل الآن،

لماذا أقف، دون أن أمشي وحيداً

فوق طعنات الطريق

التي تُثقل الأقدام؟

■ ■ ■

الشمس واقفة

في صلب السماء

فوق تلك العجلات التي تمرّ

تحت تلك العجلات

ذاك اللهيب، فوران الأرض

الأرق الهائم

وتلك الضغينة

قنابل موقوتة

ليست بحاجة للزمن

يصقل وجهها الشرر

وهي تتدثّر 

بلحومها المُتَطايرة

في وضح النهار

هناك سماسرة، يُتقِنون اللعب

تجّار

لتلك الجثث الناهضة

تلك الأجساد الهائمة

تلك الجثث

تلك الأجساد

تلك الأجسام

هائمة في فلك دوارها، الدائر

حول مرضها المزمن

دائرة، تلك الأجساد الهرمة

التي تتصدّر الهرم

في التفافها الدائم،

كالذيل الذي لا يشبع

فكاكاً من لوث سيده

تتشبّث بالطاغية

هذه الأذيالُ القملُ

أرذالٌ نهِمة

ضباعٌ جائعة، لأكلِ البشر

ههنا، أبرياء، ثكالى، أطفال...

غيّبتهم أيادي الطاغية

داست على وجوههم كاميرات المراقبة

ههنا آلامٌ تأكلُ ألسنة الصمت

في هذا الزمن

في هذه اللحظة، الآن، ههنا

في هذا الحين

حين انتصاب الشّمس

فوق رؤوسٍ أرهقها الحمل

أُعلن صرختي

في وجوهِ جنود القبائل

العسكر

في وجه الضباب، أعلن صرختي

لذاك الظلّ المترهّل

في وجه تلك القلوب الصدئة

في وجه التنوير الرديء،

الذي لا يعقبه النور

في وجه الظلام الذي يأكل الضوء

أعلن صرختي

يا تجّار الليل

حاشية "الكلاب الضّالة"

يا صورة "المَرافق العامّة"

لا شيء هنا،

يصنع الخرافة غير الرقص

في تشييع جنازة المسافر

الجثث

في الأرواح المتناثرة في الأدغال

عند انتباه الوقت

لعجلة يجرّها طفل

يلتقط أقدام الطريق

المتعثّر، وسط الزحام المُحتَشد

لا أحد، يتحرّر من كثافة الأسماء

لا أحد

يطعن في شرعية الرّماد المُبعثَر

في أعين المُشاة

لا أحد

يشتعلُ لإخافة الشرر،

الشبيه بتلك الشمس

وهي واقفة تمتحنُ الوقت

لا أحد يقول "لا"

أمام تلك الجنود

الهائمة على مائدة الأطفال.

■ ■ ■

ليس ثمّة ما يثير السخط

والأشجار متدلّية

في كُلّ مكان

هناك بركة ماء

وضفدعة

هناك في الأسفل،

تقومُ القيامة

ولا تقعد

جارتي التي تتدلّى من عرشها

حيث لا جِبال، ولا قمَم

هناك في ضاحية ما،

معبدٌ

لا يُبشّر بشيء

لأنّ العباد، نسوا ما ذُكّروا به

أرسلنا عليهم

الجراد

والقمل

والضفادع

مذكورة أعلاه، تلك السُورَة

والسُّوْرُ الذي يحجب

طفلةً شديدة التأثّر بالأرض

كساكنةٍ

محفوظةٍ عن ظهر قلب،

أجراسي التي ترنّ

خلف رقصات الأوراق

هناك، في الأدغال

هناك فقط

يتراءى ما يَمكثُ في الأرض.

■ ■ ■

القلبُ الذي حمّل أوزاره

(بلا سبب)

لضاحيةٍ كانت تنعمُ بالصمت

تخلّى عن أدواره، العصية

ثمّ إنّه،

بتأثّر من موسيقى البار

ينبضُ بجانب دقّاته

المعهودة، تلك

أضحى نديّاً

وجهك إذ يُحاكي السَحاب

يبدو عليه الاصفرار

كعيون الأكاسيا

حينَ ترمقُ الأرض

لا شيء آخر

يأخذ شكلاً عصيّاً على الوصف

غير عينيك

وهما تكحّلان المشهد

ساكنتي

تحت وابلٍ من الوقت

المنهمر على المارّة

يتسارعون الخطى

يقضمون القشّ

النابت على الرصيف

النباتات التي يلين وجهها

لأنّ يدَ الشّمس

داعبتها بلطف

- قُلتِ -

سيأتيَ لها يوم...

محملاً، بحمولاتٍ كثيرة

عن ظهر قلب

على كاهل أرض غريبة عن الأرض!

على ظهر ألسنٍ مبلبلة،

بين خطى بعيدة

تأكلُ الكلَأ

كنتُ أحرث قلبي

وأدفن - في الوقت ذاته - فُتَات كلام

عساه ينبتُ

مع الأشياء.

■ ■ ■

لا أحد كان يحلم

وسط تلك الغابة، العارية الخُطى

في تملّق الظلّ، مثلي تماماً

لا أحد...

بيد أنّني هنا،

وحيدٌ

كالعتمة،

حين لا تسمح باختراق جسدها الهَشّ

تلتذّ بكثافتها الهالكة

تومض، كجسدٍ ضئيل،

لفّه الشوق.

تنطفئ، كحُمّى التهمت جَسَد عجوز،

عارياً،

من كَثافة الطين

لأنّها ولهى، توّاقة

كانت تدركُ أنّ أقصر الطرق

لكي تُحضِر الشّمس

كانت تُعرّي قلبها النهِم

أنا ذاته،

قلبها الذي تاه في تلك العتمة

في ذاته،

تحت شجرة الكايسيدرا

في نهر "شاري" سحابة "خريف"

ظِلُّ "ساكنة" في جدار "مكاكازي" المنهد

بقلب "لغون"...

أنشبُ صحرائي في تلك البحيرة.

"تابينو" كانت تعلم

وَلَهَ تلك الأدغال

للفجر،

تعطي، ما لا قِبَل لها به

قلبها الذي امتهنَ الحزن

ذاك الجسد، في تفتّحه المزهر، ومضة القشّ

لأنّها توّاقة حدَّ الشبق

تُلك الحُجُب

لملمت أشجارها الكثيفة

صورتها الغبية الخاضعة لهمساتِ الأجداد

ثِمارها المُلقاة،

أوراق أسلافها الأوائل

كلامها المبعثر في كافّة الأرض

حُلمها، المجتّث من رحم الأدغال

ولأنّها موقنة بالفجر

دفعت كلّ تلك الأشياء

وسط ذاك الحضور الصامت، الأبدي

ترسل أحلامها الخفيفة الظلّ

وتنشر ضحكاتها المُتساقطة

في كُلّ مكان.

■ ■ ■

عثرتُ عليها

لا يهمّ، في الحقيقة، أين...

ليكن ذلك في خيال صبية من الأدغال

امتهنوا الرقص

فأيقظتهم أغاني المطر

وتمايُل السنبلة

ليكن... عند امرأة تعيشُ القصيدة

كُلَّ يوم، ليتخطّاها الشاعر

ليكن في البيوت التي تضيق ذرْعاً بأهلها

لأنّ غداً وضّاحاً عانق الجدار

أو ليكن في المحطّة...

والمحطّة مليئة بالراحلين

حين تقف على الحياد

دون أن تعلّم أعضاءَك السفر

لا يهمّ، أين كنت...؟

لا يهمّ، في الحقيقة

أن أعثر عليها أين

تلك المسودّة

ما دام قد أرسلتُ لك القصيدة

قبل أن يتخطّفها الفراغ

والوحدة،

وسنون الصمت الكئيبة.

شاعر من تشاد، من مواليد 1993. صدر له: "لحن يسافر في الريح"، 2019







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي