الناقد التونسي أحمد الحيزم: الشعر العربي القديم ينتسب إلى زمن القراءة والاستقبال

2022-04-04

حاوره: نزار بولحية

في كتابه الأخير «القول في الشعر» الصادر عن دار برق للنشر والتوزيع في 2020 يقول أحمد الحيزم: «أعلنت مرة حزني لخضوع صناعة المعنى في الشعر العربي القديم إلى سلطة الأول. واليوم أيضا يستمر الحزن. فالذات منحسرة والشعر شتات والقصائد مقطعات والكلمات شظايا والأشعار حائط مبكى».

والحيزم ناقد أدبي وأستاذ الأدب القديم في كلية الآداب في سوسة سابقا، وأيضا أستاذ الأدب القديم والدراسات الشعرية في جامعة الملك سعود في الرياض سابقا كذلك، وكان رئيسا لوحدة بحث الدراسات الإنشائية ووحدة التحقيق والدراسة والترجمة في كلية الآداب في سوسة، وترأس وحدة البحث العلمي في كلية الآداب في الرياض في جامعة الملك سعود. وهو الآن متفرغ للبحث والتأليف في المسائل ذات الصلة بالنقد الأدبي والشعري.

ورغم انشغاله هذه الايام بالإعداد لمؤلف جديد يهتم ببعض قضايا الشعر التونسي الحديث فقد قبل دعوة«القدس العربي»للحديث حول بعض المسائل المتعلقة بالنقد الأدبي والشعري بوجه خاص وكان هذا اللقاء:

أنت باحث أكاديمي تشتغل على النصوص الشعرية العربية القديمة في شكل خاص، فهل تتفق مع من يقول إن تركيز النقاد المفرط في بعض الأحيان على المناهج الأدبية، بما تحمله مرات من ضوابط قاسية وصارمة، كان واحدا من بين الأسباب التي عمّقت القطيعة الموجودة اليوم بين القارئ العربي والشعر العربي القديم؟

السؤال وجيه للغاية. أولا ما يسمى شعراً قديما هو شعر كتب في القديم، لكنه لا يزال يحيا. فهو ابن اليوم وابن هذه اللحظة. وطالما كنت أفكر فيه وأستنطقه وأقول فيه، فهو من قول الحاضر. لقد كتب قديماً لكنه ينتسب إلى زمن القراءة وزمن الاستقبال. أما قضية علاقة الأدب العربي بالمناهج، فمعقدة بسبب سلوك النقاد، فهناك عدد كبير منهم يتوهم أن النص مدعو إلى أن يستجيب لمقتضيات المنهج، وأن الغاية من قراءة النص إنما هي فحص مدى استجابته لمتطلبات المنهج، وهذا خطأ غريب. لأن الغاية من قراءة الأدب هي الأدب، وهي كشف آفاق أدبية في الخطاب. وأنا لا أستبق النص بمنهج، بل أختبر المناهج على ضوء النصوص، وأختبر مدى ما تفيدني به في كشف مجالات الخطاب الأدبي. فالعيب أن المناهج صارت قيدا على النصوص، وأنا عندما كتبت كتابي الأخير أي «القول في الشعر» وضعت نصوصا نظرية وقلت في مقدمة الكتاب، إن المناهج ليست قيدا على النص الأدبي.

هل ترى أن النقد الأدبي العربي يعاني اليوم من أزمة حقيقية؟

سأتحدث من منطلق تجربتي الشخصية. هو فعلا في أزمة.. أزمة جمهور أولا فليس للنقد الأدبي جمهور. وهو يبدو قاصرا عن الوصول إلى القارئ العادي. فأنا عندما أنتج نصا يتعذر أحيانا حتى على أصدقائي من أهل الاختصاص التفاعل العفوي معه، ويتهمونني أحيانا بأني أكتب كتابة معقدة، وهذا ليس فيه شطط كبير. وأنا أقر بذلك، فأنا نشأت في بيئة تحاسبني على كل سطر أكتبه. لقد كانوا يقولون لنا هذا ما علمنا بلاشار وعبد القادر المهيري ومحمد عبد السلام وأحمد عبد السلام، وهو أن فضاء الكتابة ليس فسحة ووقت القارئ ليس هدرا، ولذلك ينبغي أن نعتني جيدا بكلماتنا، وأن نسقط منها كل كلمة ليست أساسية في الخطاب. وهكذا جاءت كل كلمة من أجل فائدة، وهذا سبب التعقيد، ثم إننا ظللنا سجناء قيد التخصص. فهل يعقل أني أنا مثلا، أعيش في مجتمع يكتب في الأدب، ولم أكتب شيئا حول الأدب الحديث؟ لقد انتبهت منذ سنتين فقط إلى ذلك، وبدأت اهتم بالأدب الحديث، وأنا أعد الآن كتابا عن الشعر التونسي الحديث. وأعترف بأن ذلك كان خطأ، وقد اعتذرت منذ شهور في مقال نشرته في مجلة مغربية للشعراء العرب والتونسيين المعاصرين، عن إهمالي لهم طيلة ثلاثين أو أربعين سنة من الإنتاج. وللأسف فالجامعة تهمل محيطها والأكاديميون يتعالون عن محيطهم الثقافي، وهذا غير مقبول.

إذن فانت ترى أن جزءا من أزمة النقد الأدبي يتمثل في أن الأكاديميين المتخصصين في الأدب فقدوا التواصل مع الساحة الأدبية؟

بالضبط هذا جزء من المشكل، لكن عندما نقول إن هناك أزمة في النقد الأدبي فمعناه أن هناك سوء تقبل. فعندما نعود مثلا إلى المدرسة الألمانية في نظرية التقبل فالمعيار في الأدب هو كيفية استقبال المثقفين له. فإذا كان الجمهور لا يحسن استقبال الأدب، ولا يرغب فيه فلما تكتب أنت؟ وهذا السؤال طرحه سارتر منذ أكثر من نصف قرن لمن نكتب؟ أنا مثلا كنت أكتب لنفسي، ثم صرت أكتب لطلابي في الجامعة وهذا مشكل. فلو كانت للدوائر المسؤولة استراتيجيات واضحة ودقيقة، لتوزيع الأدوار فحينها سيكون ممكنا لي أن اختص بطائفة معينة من القراء. نحن نهرب من الحساب ومن المحاسبة، فكيف لا نكون في أزمة؟

أخير إلى أي مدى تعتقد أن الشعراء العرب المعاصرين، نجحوا في إيجاد نوع من التنافذ مع الإرث الشعري العربي القديم؟

فعلا الإشكال هو في تحديد المدى. وكما سبق وقلت لك فالشعر العربي القديم هو شعر كتب في القديم، لكنه لا يزال حياً وقائماً في الشعر الحديث، ولا تزال الأغنية الشعبية مثلا تردد أصداء ذلك الشعر القديم. يعني مثلا عندما تقول الأغنية التونسية « يا دار الحبايب قل لي رحلوا فين؟» فهل تجد في الشعر الحديث معاني الوقوف على الديار ومساءلة الديار ووصف الفراق والحنين إلى الأحباب؟ إن الأغنية الشعبية حملت لنا ذلك الإرث. والشعر الحديث غير مقطوع عن أصوله. وكان بلاشار يعلمنا أن الشاعر القديم يرقص في أغلاله، ولا يزال الشاعر الحديث يرقص في أغلاله، وإن كانت بعض أغلاله قديمة. فالشعر الحديث مسكون بصوت القديم، لكن رياح تصاريف هذا الصوت القديم هي المتجددة فهو يعيد إنتاج القديم على أنحاء جديدة متنوعة. وقصيدة النثر مثلا وأنا كنت مخاصما لها في السابق هي باقة من اللوحات، مثلما أن المعلقة الجاهلية هي أيضا باقة من اللوحات في وصف المرأة والأرض والحيوان.. والفرق إنها أي قصيدة النثر، رغم أنها مسكونة بالصوت القديم، إلا أن هذا الصوت لم يعد عربيا ضيقا، وإنما صار يجوب في أنحاء الأساطير، وما شئت من الأبعاد الفكرية، بحيث إن القديم يعيش بفضل شعر النثر حياة جديدة.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي