دوار المدينة

2022-03-28

جو قارح

كنتُ أمشي،

لا أتذكر إلّا الرّصيف وحذاء مبلّل الرّأس،

أرفع رجلي ينزلق الهواء،

أرميها أرضاً تبهط عينيّ.

كنتُ أمشي،

كمشة ظلّ تتدحرج،

تتبلكم كلّما حطّ وجه على شباكها،

كمشة ظلّ مبعثرة،

تتمسّك بالنّسمات علناً،

أينقذنا من الرّحيل المفاجئ غير رحيل بطيء؟

ثمّ جاء الظُّهر،

محمّلاً بشموس عابسة،

تظهر لي هنا،

وهناك،

وأينما رميت رأسي حبّة علكة،

 جاء بطرقات خالية روائحها شهيّة،

ولم أرحل،

حلّ المساء،

نزل قمرٌ انفجر في رأسي،

يَبِستُ كغصن يستبق الخريف،

يَبستُ أمام واجهة زجاجية،

تحت عامود كهربائيّ معطّل،

لم أعد أمشي،

بل أدور رأساً مفترساً،

ألتهم الضّوضاء بعينيّ،

وأضيع في حبّات هدوء تتساقط.

****

ما عدتُ أشبه السّيارات المسرعة،

بل،

وبعدما تعثّرتُ،

ووقعتُ على ظلّي ليلتها،

أصبحتُ الزّحمة الهامدة بأسرها.

أكون أو لا أكون،

أضيع بين الأضواء وفي الألوان،

أظهر مباغتاً للمشاة المسالمين.

ما عدتُ أشبه شيئاً واحداً،

بل أشياء مكدّسة،

مشاعر متناقضة،

رسائل شكر لئيمة.

أحياناً،

وأنا أخبر كراسي المقهى عن زحمتي،

أراها تتباعد،

أسمعها ترتعب منّي،

أحقاً أنا زحمة هامدة؟

****

لأنّ الرّيح لن تدفعني للأمام،

لن أحتاج اسماً،

لأنّ البرد لن ينتظرني لأقف،

لن أحتاج اسماً،

لأنّ العالم بأسره جوزةٌ لا تنفتح إلّا بكسر الرّأس،

لن أحتاج اسماً.

****

أتعلم أنني أحياناً،

بعد فرز كلماتي سخافةً سخافةً،

ورمي كل حججي المتقلّبة في أقرب محادثة،

أضيع في صداي؟

أتعلم أنني،

بعد كل رصيف،

قبل كلّ رصيف،

أشعر بنزلة زمن؟

أخسر سرّاً؟

أتعلم أنني،

قسّمتُ ما تيسّر منّي،

أطعمتُ ظلّي للحيطان،

للمقاعد والمماشي الخريفية.

أتعلم أن،

عينيّ فوق الغيوم،

تستلقي،

تنتظر صباحاً هادئاً ليحرقها،

وجسدي على مربّع إسفلت ضيّق،

يكثر الكلام دون رأس يرعاه؟

أتعلم أنني،

وجدتُ مدينة مسالمة الجدران،

بشمس حنون،

وشوارع قليلة الذكريات؟

يبدو أنني،

وبينما كنتُ أخطّ كذباتي على جبيني،

طبعتُ وجهي على وجهي خطأً.

لا أقصد إخافتك،

فحتّى أنا أخاف منه،

لكن،

لماذا لم تخبرني،

وأنت تستمع إليّ مللاً،

أنني نسيت وجهي على يديّ ليلتها؟







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي