على طريقة بوتين.. هل قد يغزو مادورو هذه الدولة قريبًا؟

Another Conflict Is Brewing in the Caribbean
2022-03-26

الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو في خطام أمام الجمعية الوطنية في كراكاس في 15 كانون الثاني/يناير 2022 (ا ف ب)

تثير الحرب الروسية في أوكرانيا أحلام فنزويلا بغزو غيانا الغنية بالنفط، حسب ما يخلُص إليه تقرير للباحثين بول ج. أنجيلو، زميل دراسات أمريكا اللاتينية في مجلس العلاقات الخارجية، ووسيم مولا، مساعد مدير مبادرة الكاريبي في مركز أدريان أرشت لأمريكا اللاتينية التابع للمجلس الأطلسي.

يستهل الكاتبان تقريرهما المنشور في مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية بالقول إن الدرس المستفاد من الغزو الروسي لأوكرانيا هو أن الزعماء المستبدين يَعُدُّون أنفسهم فوق القانون. وفي نظر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وأمثاله، وُضِعت قواعد النظام الدولي ليُضرب بها عرض الحائط. وتُبين تصرفات بوتين الأخيرة أنه في حال عدم وجود رادع، تغدو خيارات الغزو الإقليمي مطروحةً على طاولة الحكام المستبدين.

صراعٌ محتملٌ

يوضح الكاتبان أن «برميل البارود» القريب من الولايات المتحدة يمكن أن يكون الاختبار القادم للعالم: حدود غيانا وفنزويلا، حيث انخرط البلَدَان في معركةٍ مريرة حول منطقة متنازع عليها تعرف باسم إيسيكويبو.

وتطرَّق التقرير إلى أصول النزاع التي تعود إلى عام 1831، أي بعد عام واحد من تحول فنزويلا إلى دولة ذات سيادة. وكانت المنطقة الواقعة إلى الغرب من نهر إيسيكويبو من المناطق الخاضعة للإمبراطورية البريطانية وأصبحت جزءًا من غيانا البريطانية، وكانت إسبانيا قد طالبت في السابق ببعضٍ من هذه الأراضي. ولكن بعد استقلال فنزويلا، اكتُشِف الذهب في إيسيكويبو في ثمانينيات القرن العشرين، ومن ثم طالبت السلطات الفنزويلية بإرثها من الاستعمار الإسباني.

وفي عام 1897، تنازلت فنزويلا وغيانا البريطانية عن اختصاص نزاع إيسيكويبو إلى محكمة دولية في باريس، تتألف من خبراء قانونيين من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وروسيا. وسمح حكم صدر عام 1899 لفنزويلا بالاحتفاظ بحوض نهر أورينوكو، في حين مُنحت غيانا البريطانية أكثر من 90% من أراضي الغابات الكثيفة بين نهري أورينوكو وإيسيكويبو. واليوم، تمثل تلك المنطقة نحو ثلثي أراضي غيانا الوطنية.

ولفت التقرير إلى أن فنزويلا قبلت حدودها مع غيانا البريطانية واحترمت ذلك لمدة ستة عقود، ولكن في عام 1962، بعد أن أجرت المملكة المتحدة أولى المداولات الجادة حول استقلال غيانا، أعلن المسؤولون الفنزويليون أن حكم عام 1899 «باطلٌ ومُلغًى».

وأشار التقرير إلى أنه استجابة للضغوط الدبلوماسية الكبيرة لحل القضية سلميًّا، وقَّعت حكومة غيانا الجديدة والمسؤولون في كاراكاس في نهاية المطاف على بروتوكول «بورت أوف سبين» في عام 1970، الأمر الذي أوجد وقفًا اختياريًّا للنزاع الذي استمر حتى عام 1982.

ولتجنب التصعيد بعد انتهاء البروتوكول، بدأت الأمم المتحدة عملية المساعي الحميدة للتوسُّط في النزاع. ولكن مع عجز البلدين عن التوصل إلى اتفاق بعد ما يقرب من ثلاثة عقود، أحال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش القضية إلى محكمة العدل الدولية في عام 2018.

ويلفت كاتبا التقرير إلى أن الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو يرى أن اختصاص محكمة العدل الدولية باطل، ولذلك فإن بلده لم تشارك في القضية، ويسعى مادورو إلى تجنُّب أي تحكيم دولي للشؤون الفنزويلية، وهو نفسه يواجه تحقيقًا للمحكمة الجنائية الدولية في جرائم ضد الإنسانية في فنزويلا.

غيانا في بؤرة الاهتمام

ويلفت التقرير إلى أن حقول النفط في منطقة إيسيكويبو، التي اكتشفتها شركة «إكسون موبيل» في عام 2015، وضعت غيانا، إحدى أفقر دول نصف الكرة الغربي، في مصاف أكبر أسواق الطاقة في العالم. ونظرًا إلى أن ارتفاع أسعار الوقود بسبب الحرب الروسية في أوكرانيا يضغط على جيوب المستهلكين في جميع أنحاء العالم، فإن إمكانات التصدير في غيانا أصبحت في بؤرة الاهتمام. واجتذب النفط الخام الخفيف في البلاد مستثمرين من جميع، ووفقًا لمعدلات الاستخراج المتوقَّعة، يمكن أن تصبح غيانا أعلى مُنتِج للنفط بالنسبة للفرد في العالم بحلول عام 2035.

وهذا هو القَدَر الذي يبدو أن مادورو عازم على منع وقوعه، سواء على نحو مباشر أو غير مباشر، بدعمٍ روسي، وآية ذلك أن بوتين أمدَّ الحكومة الاستبدادية المحاصرة في كاراكاس بشريان الحياة من خلال مساعدتها على تفريغ حمولات النفط الخاضع للعقوبات، وتوفير الحماية الشخصية لمادورو، وإرسال العتاد العسكري للبلاد بقيمة عشرات المليارات من الدولارات.

طموحات يغذِّيها الدعم الروسي

ويرى الكاتبان أن دعم بوتين وتحدِّيه للقواعد الدولية ستُحفِّز طموحات مادورو الإقليمية تجاه الشرق. وكان الترويع الفنزويلي، وخاصة ضد غيانا، في تصاعد بالفعل قبل غزو بوتين لأوكرانيا، ويتجلى ذلك في اعتراض البحرية الفنزويلية لسفينة أبحاث ترفع علم بنما قبالة ساحل غيانا في عام 2013، وغيرها من الحوادث.

وأضاف التقرير أن مادورو تعهد بـ«إعادة غزو» إيسيكويبو، وأصدر المراسيم في عامي 2015 و2021 لتعيين الحدود البحرية الفنزويلية التي تشمل المنطقة الاقتصادية الخالصة لغيانا ونشر التعزيزات العسكرية على الحدود المتنازع عليها منذ عام 2015، وينوِّه التقرير إلى أن الإدانات الفاترة للغزو الروسي لأوكرانيا من بعض قادة أمريكا اللاتينية، بما في ذلك رؤساء أكبر اقتصادات المنطقة البرازيل والمكسيك، ترك الباب مفتوحًا أمام مادورو لمتابعة مطالباته بضم إيسيكويبو.

ويشير التقرير إلى أنه على الرغم من التعاون الأمني المتزايد للولايات المتحدة مع غيانا، لم يعزِّز الخطاب والتدريب في الولايات المتحدة موقف ذلك البلد، لافتًا إلى ضعف قواتها مقارنةً بالقوات الفنزويلية من حيث العدد والعتاد، وذلك على النقيض من الجيش الأوكراني المدجج بالسلاح.

وأضاف التقرير أن غيانا ليست من الدول الموقِّعة على معاهدة البلدان الأمريكية للمساعدة المتبادلة، مما يعني أنه من غير المرجح أن تدافع بلدان أخرى في أمريكا الجنوبية عن غيانا عسكريًّا، حتى وإن رفضت تلك الدول عدوان مادورو.

إجراءات ضرورية

وينوِّه الكاتبان إلى أن منع الصراع حول إيسيكويبو على المدى البعيد يتطلب تكثيف مثبطات العدوان الفنزويلي عبر الحدود ويُعَد الدعم الدبلوماسي للاحتكام إلى محكمة العدل الدولية من قبل المنظمات المتعددة الأطراف والدول الأعضاء فيها نقطة انطلاق جيدة. كما يُعد التزام الجماعة الكاريبية بالحفاظ على وحدة أراضي غيانا، والاحتكام إلى محكمة العدل الدولية أمرًا راسخًا، لكن منظمة الدول الأمريكية التي تعاني الانقسام حال دون إعلان إجماعي.

ومن الأفضل لدول الكاريبي التي لديها مصالح نفطية بحرية، بما في ذلك سورينام وترينيداد وتوباغو وجامايكا وبربادوس، أن تُبدي اعتراضها على تهديد مادورو بالحرب، وتذكيره بأن تصويتها أو امتناعها عن التصويت في المنظمات الدولية لصالحه قد عزز منذ مدة طويلة الشرعية الدولية لإدارته، ولكن هذا الدعم ليس تفويضًا مطلقًا.

عربة مدرعة تحترق في ضواحي كييف، 1 مارس/آذار 2022(ا ف ب)

وينبغي أن يركِّز تعاون غيانا الأمني مع الحكومات الأخرى في أمريكا الجنوبية ومنطقة البحر الكاريبي على الحصول على أسلحة دفاعية، وتكنولوجيا المراقبة، وقوارب الدوريات. وسوف تستفيد غيانا من تعاون أوثق، لا سيما، مع كولومبيا، من خلال خبراتها في مجال الأنهار وتجربتها في تخفيف التصعيد في مواجهة الاستفزاز الفنزويلي المستمر.

وكذلك، ينبغي لاستثمارات الصين في صناعة النفط في غيانا أن تجعل مادورو يفكر مليًّا في تصعيد عدوانه تجاه غيانا خشية أن يعرِّض علاقته مع الصين، أكبر ممول آخر لفنزويلا، للخطر. وتحقيقًا لهذه الغاية، يمكن للصين استخدام نفوذها الكبير في كلا البلدين لدفع تسوية دبلوماسية حول إيسيكويبو.

من جانبها، يتعين على الولايات المتحدة استكشاف الاستفادة من العزلة الدولية المتزايدة لروسيا لجذب مادورو إلى ترتيبات دبلوماسية واقتصادية جديدة. وقد دفع وفد البيت الأبيض الأخير إلى كاراكاس مادورو إلى إطلاق سراح سجينين سياسيين أمريكيين واستئناف الحوار بهدف حل الجمود السياسي في فنزويلا. ومع ذلك، هناك حاجة إلى تنازلات إضافية من مادورو قبل أن تتخذ الولايات المتحدة خطوات لإعادة توجيه العقوبات على صناعة النفط الفنزويلية، بحسب التقرير.

ويضيف التقرير أن إعادة الاندماج المحسوب لفنزويلا في الأسواق العالمية يمكن أن يولد نفوذًا جديدًا للولايات المتحدة وشركائها لردع إثارة كاراكاس للحرب في منطقة إيسيكويبو، في حين قد يؤدي ذلك أيضًا إلى تصدعاتٍ في العلاقة بين موسكو وأقرب حليف لها في أمريكا اللاتينية.

وترى نظرية الرجل المجنون للعلاقات الدولية أن اللاعقلانية المتصورة للزعيم الوطني وعدم القدرة على التنبؤ يمكن أن تحسِّن موقف الدولة التفاوضي في العلاقات الخارجية، ذلك أن الدول الأخرى تخشى استعداء رئيس دولة غير مستقر ويحتمل أن يكون خطيرًا، ولكن، كما يشير الصحافي البريطاني، جدعون راشمان، يُعد غزو بوتين لأوكرانيا تذكيرًا صارخًا بأن «الخط الفاصل بين التصرف كرجل مجنون وكونه مجنونًا فعلًا هو خيط دقيق على نحو مقلق».

ويختم الكاتبان تقريرهما بالإشارة إلى أن مادورو اتَّبع سياسة التقلبات بوصفها سياسة عامة، ويجب التعامل مع تهديداته تجاه غيانا بشأن إيسيكويبو على ظاهرها دون تمحيص. وسوف يُمثِّل القيام بخلاف ذلك خيانة للواقع الراهن ولمصالح السلام والاستقرار في الأمريكتين.










شخصية العام

كاريكاتير

إستطلاعات الرأي