
نشرت مجلة «ذا دبلومات» تقريرًا أعدَّه إدوارد هويل، وهو محاضر في العلوم السياسية بجامعة أوكسفورد، عن موقف كوريا الشمالية من الصراع القائم في أوكرانيا. ويطرح الكاتب سؤالًا: هل غيَّر الغزو الروسي لأوكرانيا الحسابات الإستراتيجية لكوريا الشمالية؟
يستهل الكاتب تقريره مستشهدًا بما قال الرئيس الكوري الجنوبي المُنتخَب يون سوك يول قبل نحو ثلاثة أسابيع من إدلاء الكوريين الجنوبيين بأصواتهم في انتخابات الرئيس الذي سيخلُف مون جاي: «الوضع في أوكرانيا لا علاقة له بنا على الإطلاق». وفي ظِل تركيز الاهتمام العالمي على أوروبا، «من المحتمل أن تنفِّذ كوريا الشمالية أعمالًا استفزازية إستراتيجية».
وكانت رسالة يون واضحة، فهي ملاحظة قوية بصورة استثنائية من مُرشَّح للرئاسة آنذاك؛ إذ لن تهتم كوريا الجنوبية والشمالية بالوضع سريع التطور في أوكرانيا. فإلى أي مدى سيكون للأزمة الأوكرانية تأثير مباشر على سلوكيات السياسة الخارجية الخاصة بكوريا الشمالية، والإجراءات التي تتخذها تجاه الولايات المتحدة، ومواقفها تجاه تطويرها للصواريخ والأسلحة النووية؟ وعلاوةً على ذلك، وفي ظِل إطلاق كوريا الشمالية سلسلة من الصواريخ في الآونة الأخيرة، ما أهداف سياسة بيونج يانج الخارجية الأوسع نطاقًا في عام 2022؟
الأزمة العالمية ولفت الانتباه: عندما يحين الوقت
يضيف التقرير: وفي وقت سابق من هذا العام، وعندما أجرت بيونج يانج سبع جولات من عمليات اختبار إطلاق الصواريخ في شهر يناير (كانون الثاني) وحده، أشار وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكين على عَجَل إلى أن كوريا الشمالية «تحاول لفت الانتباه»، مؤكدًا أن بيونج يانج «فعلت ذلك في الماضي. ومن المحتمل أن تستمر في هذا الطريق».
ويُعد هذا الأمر استجابةً في غير وقتها المناسب، بحسب الكاتب، ناهيك عن كونها تُمثِّل تصويرًا دقيقًا للدوافع الكاملة لكوريا الشمالية. يضيف الكاتب: نحن جميعًا نعلم أن بيونج يانج لا تريد مجرد «لفت الانتباه»؛ بل تسعى إلى انتزاع تنازلاتٍ سياسية واقتصادية من الولايات المتحدة، وهي خصمها القديم، ومن حلفائها والمجتمع الدولي الأوسع نطاقًا، بهدف شامل يتمثَّل في الاعتراف الدولي بها بوصفها قوَّة نووية.
ومن الناحية التاريخية، يعد تنفيذ الأعمال الاستفزازية إحدى الوسائل التي سعَت من خلالها كوريا الشمالية للاستفادة من الحصول على تنازلاتٍ سياسية واقتصادية، على أمل أن ينصت المجتمع الدولي بعد ذلك لرغبات بيونج يانج أو يرضخ لها. ويتبادر إلى الذهن على الفور تبادل الخطاب الاستفزازي بين الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب والزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون، وليس أقله الكلمات الشائنة المتمثلة في تهديد كوريا الشمالية بـ«النار والغضب».
غير أنه في الوقت الذي لم يزل فيه المجتمع الدولي يركِّز على أوروبا الشرقية، من المُرجَّح أن يترتب على سلوك كوريا الشمالية العدائي تأثيران، لا يحرز أي تأثير منهما أي تقدم ملموس حقيقي لرغبات السياسة الخارجية الأوسع لبيونج يانج. ويتمثَّل التأثير الأول في أن إجراء اختبارات إطلاق صواريخ ذات نطاق وتطوير أكبر سيمكِّن كوريا الشمالية بطبيعة الحال من الاستمرار في كسب الوقت.
وفي ظِل توجيه الاهتمام العالمي إلى أوروبا الشرقية، تظل هناك احتمالية ضعيفة بأن يفرض المجتمع الدولي مزيدًا من العقوبات الثنائية أو المتعددة الأطراف على كوريا الشمالية إذا استمرت بيونج يانج في اختبارات إطلاق الصواريخ. وهذا يعني أنه في حالة إجراء اختبار نووي آخر، إذ كان آخر اختبار نووي عام 2017، فقد تَتَّسِم الاستجابة الدولية بمزيدٍ من القوة الملحوظة. ثانيًا ومن ناحية أخرى تُعد هذه الفرصة السانحة ضئيلة. وحتى إذا لم تتكبَّد بيونج يانج تكاليف العقوبات المفروضة، فلن تحقِّق مكاسب كثيرة، حال وجود مكاسب بالأساس، من المجتمع الدولي في الوقت الحاضر.
أولويات سياسة بيونج يانج الخارجية
وينوِّه التقرير إلى أن خطاب كيم جونج أون أمام حزب العمال الكوري الحاكم في ديسمبر (كانون الأول) 2021 قلَّما تطرَّق إلى أولويات السياسة الخارجية التي وضعتها كوريا الشمالية في العام المقبل، على عكس خطاباته بمناسبة العام الجديد في السنوات السابقة. على سبيل المثال لم يكن هناك أي ذِكْر صريح للولايات المتحدة، أو تركيز مُطوَّل على العلاقات بين الكوريتين. وهو ما يُمثِّل مفاجأة؛ لأن هذه القضايا لم تزل مهمة لحسابات سياسة كوريا الشمالية.
بيد أن موقف بيونج يانج تجاه الغزو الروسي لأوكرانيا، والذي تدعم فيه بصورة متوقَّعة إلى حدٍ ما راعيها السابق في الحرب الباردة، أصبح مُلاحظًا بصورة تجذب الانتباه على نحوٍ متزايد مع مرور الوقت، حتى وإن كانت التعليقات الصريحة الصادرة عن وسائل الإعلام الحكومية إزاء هذه القضية بعيدةً عن أن تكون منتظمة.
وعندما تنخرط كوريا الشمالية في خطاب على هذا المنوال، لا سيما إلقاء اللوم على الولايات المتحدة باعتبارها «السبب الجذري» في اندلاع الأزمة الأوكرانية، تشير هذه الإجراءات إلى أن نظام كيم يتخذ موقفًا مُجرَّبًا ومُختبرًا من المخططات التي وضعتها السياسة الخارجية لكوريا الشمالية. وسوف تستخدم بيونج يانج أي انتقاد للولايات المتحدة، مثل انتقاد روسيا لواشنطن، من أجل تعزيز وصفها لواشنطن باعتبارها جهة فاعلة عدائية، يحق لكوريا الشمالية أن تواصل حشدها العسكري ضدها.
وتشير اختبارات إطلاق الصواريخ الأخيرة، مع أنها لا تُعد ردًا مباشرًا على الأزمة الحالية في أوكرانيا، إلى استمرار سعي بيونج يانج الشَرِه على نحو متزايد إلى مزيدٍ من تطوير الصواريخ، وربما حتى تطوير الصواريخ النووية، هذا العام، كما تجلى ذلك في يناير. وتزعم كوريا الشمالية أنها أجرت اختبارات «الأقمار الصناعية الاستطلاعية» في 26 فبراير (شباط) و4 مارس (آذار). ومع ذلك، ذكر بيان صدر مؤخرًا عن وزارة الدفاع الأمريكية أن هذه الاختبارات شملت بصورة حاسمة نظامًا صاروخيًّا باليستيًّا عابرًا للقارات، حتى إذا «لم تُظهر الوزارة مدى الصواريخ الباليستية العابرة للقارات».
قيمة الأسلحة النووية
ويطرح الكاتب سؤالًا: كيف يرد المجتمع الدولي على تصرفات كوريا الشمالية؛ إذ تظل الإجراءات التي تتجاوز الإدانة الكلامية، وفرض العقوبات غير واضحة. وفي 12 مارس فرضت الولايات المتحدة عقوبات تستهدف أفرادًا كوريين شماليين مقيمين في روسيا، وشركات روسية، مسؤولة عن دعم مبيعات الصواريخ الكورية الشمالية.
وأكد يون، رئيس كوريا الجنوبية المنتخب، معارضته للسياسة الخارجية التي وضعتها كوريا الجنوبية، «والمُصمَّمة في الغالب لتحسين العلاقات مع كوريا الشمالية»، في إشارة إلى النهج الذي اتبعته إدارة مون جاي إن على مدى السنوات الخمس الماضية.
ويختم الكاتب تقريره بالقول: ستلفت كوريا الشمالية والجنوبية على حدٍ سواء الانتباه إلى كيفية تطوُّر الأزمة الأوكرانية فيما يتعلق بالتصعيد النووي. ويؤكد وضع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قواته النووية في حالة تأهب قصوى، أي «نظام القتال الخاص»، منذ أكثر من أسبوع لكوريا الشمالية مدى قيمة الأسلحة النووية لأغراض الردع واتخاذ المواقف.
ومع ذلك يؤكد الغزو الروسي لأوكرانيا أيضًا لكوريا الجنوبية الوتيرة السريعة التي يمكن أن يتصاعد بها الصراع. وفي ظِل تركيز الأعين العالمية على أوكرانيا من المُرجَّح أن تستمر تطلُّعات كوريا الشمالية النووية والصاروخية، بغض النظر عن الغزو. وحتى إذا فُرضَت عقوبات على كوريا الشمالية، فإن قدرة بيونج يانج على التهرب من هذه العقوبات لم تقلل حتى الآن من سعيها للحصول على وضع معترف به بوصفها قوة نووية، وهو ما تعتقد أنها اكتسبته بالفعل، والذي يبدو أنها مستعدة للاستمرار فيه على مدار العام.