ما يشبه البلاد.. ما لا يشبه الوقت

2022-03-18

علي حسن الفواز

لستُ سوى أنْ أكون،

كاشفا رأسي لفأسِ الوقتِ، مسحورا بماءِ الليل،

أو سهو الظنون..

عاقلا، أو عاقرا، لا فرق، فالأنثى تشدُّ الباه،

إذ ترمي رمادَ الصحوِ، توهبه مجازَ الهذرِ،

أو بعضَ الجنون..

٭ ٭ ٭

أنا داخلٌ في لعبةِ المعنى،

أشاطرني شهوةَ الحلولِ، وأكشفُ عن سرِّ الغائب،

أُلملمُ الخساراتِ، والأخطاءَ،

أشاغبُ الجسدَ المخذولَ في أسمائه،

واشتري له بلاداً من ورق، أبادلها البلاغةَ، والمرارةَ،

والاستعاراتِ الساخرة..

أنا سأكسرُ الوحدةَ، وهي ستنفرُ شاردةً من ذاكرةِ الحروبِ،

أقصدُ ذاكرةَ الجسدِ المخذول..

عندها نتوهمُ الوقتَ معا، ونعبرُ مثل شبحين إلى تاريخٍ

لا يضحكُ أبدا،

إلى أعداءٍ ماكرينَ، مدسوسينَ مثلَ خدعٍ بائدة..

وحدتي غيرُ صالحةٍ للحكمة، إنها لعبةٌ للسهو، والضجرِ، والبحثِ

عن أسماء شائهةٍ، أو حكاياتٍ لا تروى..

البلادُ/ بلادُ الجسدِ المخذولِ ليستْ عالقةً في الفراغ،

أو مطروحةً للغواية، او للمحذوفِ من المعنى.

هي بلادنُا، الطاعنةُ فينا، المسكونةُ بالرمادِ، والطوائفِ والحروبِ والمسراتِ السود..

هي سيدةُ الفرائسِ، إذ يطارحُها، أو يطاردُها أولادٌ مشاغبون،

يساريون، يمينيون، فقهاءُ، ثوارٌ قدامى، زناةٌ، بغايا، أبطالٌ مهزومون،

فتصحو يانعةً،

تلملمُ الخساراتِ دائما، وتضحكُ على العابرين…

٭ ٭ ٭

منذُ عامِ البصرةِ، أو عامِ الكوفةِ، وأنا أشاطرُ البلادَ صحوَها الموحشَ،

إذ يكاشفنا العسكرُ، عن فتوحاتٍ باردةٍ، وأسفارٍ لا قراطيسَ لها،

ينادمنا الشطّارُ والعيارون، والعسسُ، والجنرالاتُ..

يضحكون، على أخطائنا الصغيرة، وأحلامنا الباردة..

عتبة ُبن غزوان يحملُ سيفَه ووصاياه،

يغوي الفراهيدي، بحكايات الملوك/ الخلفاء وتمصيرِ المدنِ،

وتأويل الصوت..

ربما توهمَ أنّ إيقاعَ الحربِ، يشبه إيقاعَ الكلامِ، إذ يتشابهان بالضجيج، وغوايةِ المجازات…

وربما دعا الجاحظ سراً للخروجِ عن « خائنة الطين» ليطردَ حيواناتِه وبرصانَه، وعرجانَه، ويراقب عزلةَ الحسن البصري، كي لا يتوهمها عزلةً للمناورةِ، وهروبا للتأويل..

في عامِ الكوفةِ احتشدَ اليساريون بالحكمةِ،

حلموا بمشاعةِ اللغةِ والمالِ والغفرانِ.

فتحوا بابَ الصحراء، وبابَ الوقتِ، مثلما فتحوا بابَ الخوفِ،

فكان ابنُ أبيه هو البدويُ الوارثُ والسيّافُ،

وهو الرائي والقاتلُ..

وكان السفراءُ العلويون يشدّون الصحراءَ إلى المعنى،

يتشهّون طريقَ الفكرةِ، لا «يركبونَ الليلَ جملا»

لكنهم يقفون، دونَ الرملِ، يبكون الأسماءَ المخذولة والمخدوعة،

ويخشون آزفةَ الدم،

يوهبون الأبيضَ رائحةَ البكاء، يكتبون المراثي، ويصعدونَ سلّم البلاغةِ، ليغسلوا حنجرةَ الوقتِ من أكاذيب الصناجين.

في عامِ الكوفةِ، يدفع الكنديُ حكمتَه للرؤيا، ويصعدُ المتنبي ناصيةَ الليلِ، يشهرُ البلاغةَ ساخرا، إذ يدعو الملوكَ إلى أوهامِ الشعراء،

وينام وحيدا، أو «بعيدا عن شواردها»

فأشاطره وحشةَ الطريق، وخائنةَ القولِ، أو خائنة الأهلِ..

لنبحث معاً عن بلادٍ أخرى، لا يقتلها الكلامُ، ولا الجندُ الغزاةُ، والأفاقون والطغاة،

بلادٌ تنطّ مثل عاشقةٍ، أو تصحو مثل طفلٍ،

أو ترمي عصاها مثل نبيٍ لا يدركه الأعداءُ..

كاتب عراقي







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي