
نشرت مجلة «فورين بوليسي» تحليلًا لـ ستيفن والت، كاتب عمود في المجلة وأستاذ العلاقات الدولية في جامعة هارفارد، حول نظريات العلاقات الدولية وانطباقها على الحرب الحالية في أوكرانيا.
ويستهل الباحث تحليله قائلًا إن العالم معقدٌ بلا حدود، وبالضرورة نعتمد جميعًا على معتقدات أو نظريات مختلفة حول «كيف يسير العالم» لمحاولة فهم كل ذلك. ونظرًا لأن جميع النظريات عبارة عن تبسيطات، فلا يوجد نهج معين للسياسة الدولية من شأنه إيجاد تفسير لكل ما يحدث في أي لحظة معينة، أو التنبؤ بالضبط بما سيحدث في الأسابيع والأشهر المقبلة، أو تقديم خطة عمل دقيقة مضمونة للنجاح.
ومع ذلك، لا يزال بإمكان مخزوننا من النظريات مساعدتنا في فهم كيف حدثت المأساة في أوكرانيا، وشرح بعض ما يحدث الآن، وتنبيهنا إلى الفرص والمزالق المحتملة، واقتراح مسارات عمل موسَّعة معينة للمضي قدمًا. وحيث إن حتى أفضل نظريات العلوم الاجتماعية هي نظريات بدائية، وهناك دائمًا حالات شاذة حتى لأكثر القواعد رسوخًا، يبحث المحللون عن أكثر من نظرية للحصول على رؤى تنير الطريق ويحتفظون ببعض الشكوك حول ما يمكن أن يقوله لنا أيٌّ منها.
وبالنظر إلى ما سبق، ماذا تقول بعض نظريات العلاقات الدولية المعروفة عن الأحداث المأساوية في أوكرانيا؟ ما هي النظريات التي ثبُتت صحتها (على الأقل جزئيًّا)، والتي ثبُت أنها غير كافية، والتي قد تسلِّط الضوء على القضايا الرئيسة مع استمرار الأزمة في التكشف؟ فيما يلي مسح مبدئي غير شامل لما يقوله الباحثون حول هذه الفوضى.
الواقعية والليبرالية
يقول الكاتب: «يتضح لي أن هذه الأحداث المقلقة تعيد تأكيد الأهمية الدائمة للمنظور الواقعي في السياسة الدولية. وعمومًا، تصوِّر جميع النظريات الواقعية عالمًا لا توجد فيه وكالة أو مؤسسة يمكنها حماية الدول من بعضها بعضًا، ويجب على الدول في مثل هذا العالم أن تقلق بشأن خطورة أي معتدٍ قد يهدد أمنها في وقت ما في المستقبل. وهذا الوضع يجبر الدول – وخاصة القوى العظمى – على القلق بشأن أمنها والتنافس على القوة. وأحيانًا تدفع هذه المخاوف الدول إلى القيام بأشياء مروِّعة».
ومن وجهة نظر الواقعيين، يذكرنا الغزو الروسي لأوكرانيا بأن القوى العظمى تتصرف أحيانًا بطرق رهيبة وحمقاء، بحسب الكاتب، عندما تعتقد أن مصالحها الأمنية الأساسية معرَّضة للخطر. وهذا الدرس لا يبرر مثل هذا السلوك، لكن الواقعيين يدركون أن الإدانة الأخلاقية وحدها لن تمنعه.
وللأسف، توضح الحرب أيضًا فكرة «المعضلة الأمنية»، التي تنشأ بسبب أن الخطوات التي تتخذها دولة ما كي تكون أكثر أمنًا غالبًا ما تجعل الآخرين أقل أمنًا. وتشعر الدولة «س» بأنها غير آمنة وتسعى إلى أي حليف أو تشتري مزيدًا من الأسلحة، ومن ثم تنزعج الدولة «ص» من هذه الخطوة وتستجيب بالمثل، وتتعمق الشكوك، وينتهي الأمر بكلتا الدولتين إلى أن تصبحا أقل أمنًا من ذي قبل. وكان من المنطقي تمامًا أن ترغب دول أوروبا الشرقية في الانضمام إلى حلف الناتو، نظرًا لمخاوفها الأزلية بشأن روسيا، ولكن يجب أن يكون من السهل أيضًا تفهُّم أسباب قلق القادة الروس – وليس بوتين فقط – من هذا التطور.
إن رؤية هذه الأحداث من منظور الواقعية لا يعني تأييد أفعال روسيا الوحشية وغير القانونية، بل الاعتراف بمثل هذا السلوك ببساطة باعتباره جانبًا مؤسفًا ولكنه متكرر في الشؤون الإنسانية. لقد أدان الواقعيون، بدءًا من المؤرخ اليوناني ثوقيديدس ووصولًا إلى المفكرين السياسيين المعاصرين، الطبيعة المأساوية للسياسة العالمية، بينما حذروا في الوقت نفسه من أنه لا يمكننا إغفال المخاطر التي تبرزها الواقعية، بما في ذلك المخاطر التي تنشأ عندما تهدد أنت ما تراه دولة أخرى مصلحة حيوية.
وليس من قبيل المصادفة، بحسب الكاتب، أن الواقعيين شدَّدوا منذ فترة طويلة على مخاطر الغطرسة ومخاطر السياسة الخارجية المفرطة في المثالية، سواء في سياق حرب فيتنام أو غزو العراق في عام 2003 أو السعي الساذج لتوسيع حلف الناتو. وفي كل مرة جرى تجاهل تحذيراتهم، ثبتت صحتها لاحقًا.
إن الرد السريع الملحوظ على الهجوم الروسي يتوافق أيضًا مع الفهم الواقعي لسياسات التحالف، ويمكن للقيم المشتركة أن تجعل التحالفات أكثر تماسكًا واستمرارية، لكن الالتزامات الجادة بالدفاع الجماعي تنتج في المقام الأول عن تصوُّرات التهديد المشترك. ولهذا، واجه الاتحاد السوفيتي تحالفات توازن قوية في أوروبا وآسيا خلال الحرب الباردة: إذ كان لديه اقتصاد صناعي كبير، وتصل حدود إمبراطوريته إلى عديد من البلدان الأخرى، وكانت قواته العسكرية كبيرة ومصمَّمة في المقام الأول للعمليات الهجومية، وبدا أن لديه طموحات عالية في نشر الشيوعية. أما اليوم، فقد أدَّت تصرفات روسيا إلى زيادة كبيرة في تصورات التهديد لدى الغرب.
وعلى النقيض من ذلك، لم تحقق النظريات الليبرالية الرئيسة التي استرشدت بها الجوانب الأساسية للسياسة الخارجية الغربية في العقود الأخيرة نجاحًا جيدًا. ويضيف الكاتب: «تُعد الليبرالية، باعتبارها فلسفة سياسية، أساسًا رائعًا لتنظيم المجتمع، ومن المشجِّع أن نرى المجتمعات الغربية تعيد اكتشاف فضائل الليبرالية، بعد مغازلة دوافعها الاستبدادية. ولكن الليبرالية باعتبارها نهجًا للسياسة العالمية ودليلًا للسياسة الخارجية، باتت عيوبها تُكتشف مرةً أخرى».
وكما حدث في الماضي، أثبت القانون الدولي والمؤسسات الدولية أن الليبرالية تشكل حاجزًا ضعيفًا أمام السلوك الجشع للقوى العظمى. ولم يمنع الاعتماد الاقتصادي المتبادل موسكو من شن غزوها، على الرغم من التكاليف الباهظة التي ستتكبدها نتيجةً لذلك. ولم تستطع القوة الناعمة إيقاف الدبابات الروسية، كما أن تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة غير المتوازن 141-5 (مع امتناع 35 عن التصويت) الذي يدين الغزو لن يكون له تأثير كبير أيضًا.
لقد قضت الحرب على الاعتقاد بأن الحرب لم تعد «واردة» في أوروبا والادِّعاء ذي الصلة بأن توسيع الناتو باتجاه الشرق من شأنه أن يخلق «منطقة سلام» دائمة الاتساع. وأولئك الذين صدَّقوا القصة الليبرالية وروَّجوا لها يريدون الآن إلقاء اللوم كله على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والادِّعاء أن غزوه غير القانوني «يثبت» أن توسيع الناتو لا علاقة له على الإطلاق بقرار الغزو بحسب الكاتب.
إن تحميل بوتين المسؤولية المباشرة عن الغزو أمرٌ لا جدال فيه، وتستحق أفعاله كل إدانة ممكنة. لكن الأيديولوجيين الليبراليين الذين رفضوا الاحتجاجات والتحذيرات المتكررة لروسيا، هم الذين يتحملون اللوم. وقد تكون دوافعهم خيِّرة بالكامل، لكن من الواضح أن السياسات التي تبنّوها أنتجت عكس ما قصدوه وتوقعَّوه ووعدوا به. ولا يمكن القول اليوم إنهم لم يجدوا مَنْ يحذِّرهم في مناسبات عديدة في الماضي.
كان رد الفعل سريعًا جزئيًّا لأن الولايات المتحدة وحلفاءها في الناتو يشتركون في مجموعة من القيم السياسية المحددة بوضوح لا لبس فيه. وإذا لم تكن هناك مؤسسات مثل الناتو موجودة وكان لا بد من تنظيم الاستجابة من الصفر، لكان من الصعب تخيّل أن يكون رد الفعل سريعًا وفعَّالًا مثلما حدث. ولا تستطيع المؤسسات الدولية حل تضارب المصالح الأساسي أو منع القوى العظمى من التصرف كما يحلو لها، لكن يمكنها تسهيل استجابات جماعية أكثر فعالية عندما تكون متفقة في المصالح.
وقد تكون الواقعية أفضل دليل شامل للوضع الكئيب الذي نواجهه الآن. ويقلل الواقعيون عن حق من أهمية دور المعايير باعتبارها قيودًا قوية على سلوك القوى العظمى، لكن المعايير لعبت دورًا في تفسير الاستجابة العالمية للغزو الروسي، بحسب الكاتب. يضرب بوتين عرض الحائط بمعظم القواعد المتعلقة باستخدام القوة (ميثاق الأمم المتحدة)، وهذا جزء من السبب الذي جعل الدول والشركات والأفراد في معظم أنحاء العالم يردون على تصرفات روسيا بقوة. ولا شيء يمكن أن يمنع بلدًا من انتهاك المعايير العالمية، لكن التجاوزات الواضحة والعلنية ستؤثر دائمًا في كيفية حكم الآخرين على نواياها.
سوء الفهم وسوء التقدير
يشدد الكاتب على أنه من المستحيل فهم هذه الأحداث دون النظر في دور سوء الفهم وسوء التقدير، فالحكومات والقادة والأفراد يعملون في ظل نقص المعلومات، ويمكن بسهولة أن يخطئوا في تقدير قدراتهم وقدرات الآخرين وردود أفعالهم. وحتى عندما تكون المعلومات وفيرة، يمكن أن تظل التصورات والقرارات متحيزة لأسباب نفسية أو ثقافية أو بيروقراطية. وهناك طرق كثيرة لفهم الأمور خطأ.
ومن الواضح الآن أن بوتين أخطأ في الحسابات على عدة أبعاد: لقد بالَغ في العداء الغربي لروسيا، وقلَّل بشدة من العزيمة الأوكرانية، وبالَغ في تقدير قدرة جيشه على تحقيق نصر سريع بلا كلفة، وأخطأ في قراءة الطريقة التي سيرد بها الغرب. ومن البديهي ألا تبدأ الدول الحروب إلا إذا أقنعت نفسها بأنها تستطيع تحقيق أهدافها بسرعة وبتكلفة منخفضة نسبيًّا، فلا أحد يبدأ حربًا يعتقد أنها ستكون طويلة ودموية ومكلفة ومن المرجَّح أن تنتهي بهزيمته.
ونظرية الاحتمالية، التي تقول إن البشر أكثر استعدادًا لتحمل المخاطر لتجنب الخسائر بدلًا من تحقيق المكاسب، ربما كانت واضحة هنا أيضًا. وإذا كان بوتين يعتقد أن أوكرانيا تتجه تدريجيًّا نحو التحالف مع الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي – وكانت هناك أسباب كثيرة تدفعه إلى الاعتقاد بذلك – فإن منع ما يراه خسارة لا يمكن تعويضها ربما كان يستحق المخاطرة.
ويفسر كثيرون في الغرب الآن السلوك الروسي على أنه انعكاس لشخصية بوتين البغيضة وليس ردًّا على تصرفات الغرب السابقة، بحسب الكاتب. ومن جانبه، يبدو أن بوتين يعتقد أن تصرفات الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي تنبع من غطرسة فطرية ورغبة عميقة الجذور في إبقاء روسيا ضعيفة، وأن الأوكرانيين يقاومون لأنهم إما يتعرضون للتضليل أو إنهم تحت سيطرة العناصر «الفاشية».
إنهاء الحرب ومشكلة الالتزام
تؤكد نظرية العلاقات الدولية الحديثة أيضًا على دور مشكلات الالتزام. وفي عالم تسوده الفوضى، يمكن للدول أن تقدم وعودًا لبعضها بعضًا، لكن لا يمكنها التأكد من الالتزام بها. وكان من الممكن أن يعرض الناتو سحب العضوية الأوكرانية من على الطاولة إلى الأبد، لكن ربما لم يكن بوتين ليصدق الناتو حتى لو وقَّعت واشنطن وبروكسل على هذا الالتزام كتابيًّا. والمعاهدات مهمة، لكنها في النهاية مجرد حبر على ورق.
وتشير أدبيات إنهاء الحرب إلى أن مشكلات الالتزام سوف تلوح في الأفق بوضوح حتى عندما تسعى الأطراف المتحاربة إلى إنهاء القتال. وإذا عرض بوتين الانسحاب من أوكرانيا غدًا وأقسم بأنه سيتركها وشأنها إلى الأبد، فلن يأخذ سوى قلة في أوكرانيا أو أوروبا أو الولايات المتحدة تأكيداته على محمل الجد. وعلى عكس بعض الحروب الأهلية، حيث يمكن أحيانًا ضمان تسويات سلمية من جانب جهات خارجية معنية، في هذه الحالة لا توجد قوة خارجية يمكن أن تهدد بمصداقية بمعاقبة منتهكي أي اتفاق قد يحدث في المستقبل. وباستثناء الاستسلام غير المشروط، فإن أي صفقة لإنهاء الحرب يجب أن تجعل جميع الأطراف راضية بما يكفي حتى لا تأمل سرًّا في تغييرها أو التخلي عنها بمجرد أن تصبح الظروف مواتية أكثر. ونحن بعيدون عن أي نوع من التسوية التفاوضية اليوم، بحسب الكاتب.
وهناك عقبات داخلية تجعل إنهاء الحرب أمرًا صعبًا. وتتضافر الوطنية والدعاية والتكاليف والكراهية المتزايدة للعدو في تصلُّب المواقف وتواصل الحروب لفترة طويلة بعد أن تطلب دولة عقلانية وقفها. وغالبًا ما يُنبَذ مَنْ يفضلون إنهاء الحرب باعتبارهم غير وطنيين، ولكن المتشددين الذين يطيلون الحرب دون داعٍ قد يتسببون في النهاية في إلحاق مزيد من الضرر بالأمة التي يزعمون الدفاع عنها. وعند تطبيق ذلك على أوكرانيا، هناك تداعيات مقلقة وهي أن القائد الذي يبدأ حربًا فاشلة قد يكون غير راغب أو غير قادر على الاعتراف بخطئه وإنهائه. وإذا كان الأمر كذلك، فإن إنهاء القتال لا يأتي إلا عندما يظهر قادة جدد غير مرتبطين بالقرار الأوَّلي للحرب.
وهناك مشكلة أخرى وهي أن المستبدين الذين يواجهون الهزيمة وتغيير النظام يميلون إلى «المقامرة من أجل البقاء»، في حين يُجبَر الزعماء الديمقراطيون الذين يقعون في كوارث سياسة خارجية على ترك مناصبهم بالانتخابات، لكنهم نادرًا ما يُسجَنون بسبب أخطائهم أو جرائمهم.
بيد أن خيار الحكام المستبدين لترك المنصب ليس سهلًا، خاصة أنهم يخافون من المقاضاة بعد الحرب على جرائمهم. وإذا كانوا يخسرون، فإن لديهم حافزًا للقتال أو التصعيد حتى في مواجهة الصعاب الهائلة، على أمل حدوث معجزة تغير مصيرهم وتجنِّبهم الإطاحة بهم أو السجن أو الموت. وأحيانًا يؤتي هذا النوع من المقامرة ثماره (بشار الأسد مثالًا)، وأحيانًا لا يؤتي ثماره (أدولف هتلر ومعمر القذافي مثلًا)، لكن الحافز لمواصلة الجهد على أمل حدوث معجزة يمكن أن يجعل إنهاء الحرب أصعب مما هو في الواقع.
إن الرغبة في معاقبة بوتين، بل وإذلاله، أمر مفهوم، ومن المُغري رؤيته يُطاح باعتبار ذلك حلًا سريعًا وسهلًا للفوضى المروعة برمتها. لكن وضع زعيم استبدادي في مأزق وهو رئيس لدولة مسلحة نوويًّا سيكون أمرًا خطيرًا للغاية، بغض النظر عن مدى شناعة أفعاله السابقة. ولهذا السبب وحده، فإن أولئك الموجودين في الغرب ممن يطالبون باغتيال بوتين أو الذين قالوا علنًا إنه يجب محاسبة المواطنين الروس العاديين إذا لم ينتفضوا ويطيحوا بوتين، يُعدُّون غير مسؤولين على نحو خطير.
العقوبات الاقتصادية
يجب على أي شخص يحاول معرفة كيفية حدوث ذلك أن يدرس الأدبيات المتعلقة بالعقوبات الاقتصادية أيضًا. ومن ناحية، تذكرنا العقوبات المالية التي فُرضت الأسبوع الماضي بقدرة أمريكا غير العادية على «تسليح الاعتماد المتبادل»، لا سيما عندما تعمل البلاد بالتنسيق مع قوى اقتصادية مهمة أخرى.
ومن ناحية أخرى، يُظهر قدر كبير من الدراسات الجادة أن العقوبات الاقتصادية نادرًا ما تجبر الدول على تغيير مسارها بسرعة. وفشل إدارة ترامب في حملة «الضغط الأقصى» ضد إيران مثال على ذلك. وعادةً ما تكون النُّخب الحاكمة بمنأى عن العواقب المباشرة للعقوبات، وكان بوتين يعلم أن هناك عقوبات ستُفرض وكان يعتقد بوضوح أن المصالح الجيوسياسية التي على المحك تستحق التكلفة المتوقعة. وربما كان قد تفاجأ وانزعج من سرعة الضغط الاقتصادي ومداه، لكن لا ينبغي لأحد أن يتوقع من موسكو أن تغير مسارها في أي وقت قريب.
وتقول الأدبيات العلمية حول العلاقات الدولية كثيرًا عن الوضع الذي نواجهه، بحسب الكاتب. ولسوء الحظ، من غير المرجح أن يولي أي شخص في موقع قوة اهتمامًا كبيرًا لذلك، حتى عندما يعرض الأكاديميون المطلعون أفكارهم في المجال العام. ويعد الوقت هو أندر سلعة في السياسة – لا سيما في أوقات الأزمات – ويجدر بجاك سوليفان وأنتوني بلينكين وعديد من مرؤوسيهما البحث في الأعداد القديمة لمجلة الأمن الدولي أو مجلة حل النزاعات للعثور على حلول جيدة.
ويختتم الكاتب تحليله بقوله إن الحرب تطلق العنان للقوى السياسية التي تميل إلى إغراق الأصوات البديلة، حتى في المجتمعات التي تظل فيها حرية التعبير مصونة. ونظرًا لأن المخاطر كبيرة، فإن زمن الحرب هو الوقت الذي يعمل فيه المسؤولون الحكوميون ووسائل الإعلام والمواطنون بجدية لمقاومة الصور النمطية والتفكير بهدوء وحذر وتجنُّب المبالغة والكليشيهات السطحية، وقبل كل شيء أن يظلوا منفتحين على احتمال أن يكونوا على خطأ وأن هناك حاجة إلى مسار عمل مختلف.
مضيفًا: «لكن بمجرد أن تبدأ الحرب، تضيق الرؤية عادةً، ويبدأ تهميش الأصوات المعارضة أو قمعها، والتركيز العنيد على النصر بأي ثمن. ويبدو أن هذه العملية تجري على قدم وساق داخل روسيا بوتين، ومع ذلك هناك شكل أقل حدة منها موجود بوضوح في الغرب أيضًا. وأخيرًا، تُعد هذه العملية بمثابة الطريق لجعل الوضع الرهيب أسوأ مما هو عليه».