لأن أحداً لا يريدني أن أطير

2022-03-06

عائشة العبدالله

يدٌ للحرب

اللحظة التي أمسكت بها يدي،

كانت الأغرب على الإطلاق.

يدي التي لم تألفْ جريان نهر،

لا تعرفُ كيف تصير زورقاً

أو موجةً

أو سكّرةً ذائبة.

يدي المسكونة بالصحراء،

لم تحمل يوماً إلا جثث الوردِ

وقمصان الدمِ

والحكايات المتوحشة.

يدي التي لا تثق بالأقرباء قبل الغرباء،

المعتادة على الانفلاتِ والهروب،

المتأهبّة دائماً للحرب.

لا تدري إن كان بإمكانها أن تغمض عينها

للحظة،

أن تمضي بلا توجّس،

أو تنحني دون مقاومة.

يدي التي كلّما سمعت عن نعومة الأظفار،

تتحسّس مخالبها.

■ ■ ■

حزن الشمعة

أريد سقفاً لا ينزفُ الكوابيس،

سريراً لا تتباهى عليه المسامير،

وسادةً لا توقدُ براكيناً لا تخمد،

أريدُ ليلةً واحدة

أتمدد فيهِا بقلبٍ أملس،

دون أن تجرحني حدَّة الأشياء كلها؛

قلبي الذي يهطل بلا توقف،

رأسي الذي يقيسُ حرارة الذاكرة،

الظلال وهي تكبرُ وتصير ليلاً،

الدمعة التي يليها طوفان،

حزني الذي يخونه التعبير ويبتسم،

وأنا أتسلَّق مخاوفي وانكساراتي

أجرحُ وحدتي مع كل وخزة إصبع،

كي أعلّق نجوماً على شجرة.

أريد قصيدةً بحجم قلبي

وهو يحلمُ كنافذةٍ لا تغفو،

حيث المطرُ لا يوجعُ كالبكاء،

حيث المناديل البيضاء تكفي لتصير أجنحة،

حيثُ الحبّ جذورٌ نصدّقها

وأنا واضحة كالشمس،

ولا تطيرُ أنفاسي كشمعة.

أعرفُ جيداً..

حزن الشمعةِ وهي تتمايل،

أعرفُ طعم الاحتراق مرتين،

مرة وأنت تتناقص شيئاً فشيئاً،

ومرة حين يشير الآخرون -بإعجاب-

إلى رأسك وهو يشتعل.

■ ■ ■

امرأة لا تركض

لو أنّ الجمرة في يدي تصير مصباحاً،

لو أنّ حلماً ما يستيقظ فجأة،

كل نهرٍ كما أشتهي،

كل حبٍّ متوقّد وجامح،

وأنا.. امرأة فقط،

لا أسعى لإثبات شيء،

لا أفكَر بالعيون المغتصبة كيف ترتخي،

ولا الكعوب المحنطة على جدار "كاباتاش"

لا يتّسع وجهي لإنبات المزيد من المخالب.

لستُ بحاجةٍ للصراخ حتى يُرى صوتي،

ولا لتعليق دمائي على الشبابيك،

حتى يصدّق أحدٌ أن ثمة جسد ينزف،

لا ألتقط نَفَسي عنوةً

وأنا أفكّ الحبال حول رقبتي،

لأن أحداً لا يريدني أن أطير.

لا أحسبُ دقات عمري في كل خطوةٍ حتى لا أسقط،

ولا أراقبُ عدّاد السرعة كي لا أتجاوز

حدّ الشارع،

لا أمرّر يدي على الجروح كما لو كنتُ

ضمادها الوحيد،

ولا أنفخ من روحي على الأجنحة الميّتة.

امرأة يراها الجميع ساكنةً وسعيدة

كما لو أنّها تستريح أخيراً

للمرة الأولى في حياتها

لأن النساء يركضن دوماً ولو واقفات،

ولا يسترحنَ أبداً في هذا العالم.

■ ■ ■

أصابع في العتمة

لا أنتظر أشياء مستحيلة،

كنت سأكتفي بقمرٍ ينفضُ

الليل عن وجهي

وهو يزعم أنه يحبّ سمرته،

بيدٍ تجمع أوراقي المتساقطة

وكأنها تلتقط الربيع.

بغصنٍ يتشبّثُ بي

وهو يدرك جيداً حجم انكساري،

بطرقةٍ خفيفةٍ على الكتف

تشبه نكتةً ساخرة.

بـ"أحبك" التي لا تقال

بل تتمدّد وتصير حضناً.

بالقبلة التي لا تحلمُ بأكثر من ضحكة،

بالعيون التي تنتشلُ جسدي

وهي تشيح بأنظارها عن مشهد الغرق.

بالأصابع التي تضمدني في العتمة،

كي لا أنزف مرّتين.

لا أنتظر أشياء عظيمة،

يكفيني قلبٌ يمسح على رأس ضعفي

دون أن يلفتني إليه،

حبّ يفتّت غيرتي وهو يداري ابتسامته،

شخص يعلم تماماً

كم هو شاقّ على امرأة مثلي

أن تعلن حزنها.

شاعرة من الكويت







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي