ميديا بارت: زيادة هائلة في الإنفاق العسكري.. لأي غرض تفعلها ألمانيا؟

2022-03-06

العلم الالماني (ويكيبيديا)

أحدث المستشار الألماني أولاف شولتز مفاجأة كبيرة بوعده بزيادة هائلة في الإنفاق العسكري، فيما يبدو أنه تغيير حقيقي في العلاقة الصعبة بين العالم السياسي الألماني والجيش. ولئن جاء ذلك في سياق الرد على غزو الروس لأوكرانيا، فإنه يبقى أن يوضح المستشار ما يعنيه بتحديث الجيش الألماني ولأي غرض؟

بهذه المقدمة افتتح موقع ميديا بارت (Mediapart) الفرنسي مقالا لتوماس شني، حاول فيه تحليل الخطوة الألمانية الجديدة، وقال إنها تدخل في سياق وعد الحكومة الجديدة بإحداث تغيير كامل في توجيه الجهود نحو الطاقات المتجددة، وإشراك ألمانيا في ثورة عسكرية وإستراتيجية عميقة، مرتبطة بالطبع بغزو أوكرانيا، ولكن برنامجها يتجاوز ذلك.

وقد وعد المستشار الألماني -في خطاب "مفاجئ" أمام النواب- بمبلغ 100 مليار يورو إضافية هذا العام لتجهيز الجيش الألماني، مع زيادة مستدامة في الميزانية العسكرية، بنسبة 1.5% إلى 2% من الناتج المحلي الإجمالي، بقفزة من 50 إلى 75 مليار يورو سنويا، مما يتيح دعم مشاريع التسلح الأوروبي الكبيرة.

ويرافق هذا التحول -كما يقول الكاتب- تغير في تصدير الأسلحة، بحيث أكدت المستشارية تسليم أوكرانيا مباشرة ألف قاذفة صواريخ و500 صاروخ ستينغر و14 ناقلة جنود مدرعة، مع احتمال تسليم 2700 صاروخ أرض جو من نوع "ستريلا" من مخزونات جيش ألمانيا الشرقية.

صدمة الحرب في أوكرانيا

ولئن كانت صدمة ما سماه الكاتب "العدوان الروسي" وما سيسببه من اضطراب في التوازنات العالمية تفسر الطبيعة الجذرية للإعلان الألماني، فإنه يبقى أن نعرف ما الذي يعنيه شولتز بتحديث الجيش الألماني، أو "إعادة التسلح" -كما يفضل البعض وصفه به- ولأي غرض يريد ذلك.

وأوضح الكاتب أن هدف شولتز من هذا الإعلان في البداية، هو إثارة صدمة تجعل الناس ينسون عدم تضامن ألمانيا في بداية الغزو مع أوكرانيا، بعد أن رفضت لأسابيع إغلاق خط أنابيب الغاز الألماني الروسي "نورد ستريم 2″، كما منعت -بسبب تاريخها- إرسال أي شحنة من الأسلحة الألمانية إلى أوكرانيا، إضافة إلى تباطؤ في استبعاد البنوك الروسية من نظام الدفع الدولي "سويفت" بسبب اعتمادها على الطاقة الروسية.

وبعد الضغط من قبل حلفائه إضافة إلى الواقع في أوكرانيا، أدرك شولتز وحكومته أخيرا -كما يرى الكاتب- أن الوقت قد حان للاعتراف بفشل أكثر من 20 عاما من السياسة الخارجية التي تركزت على اليقين من وجود علاقة خاصة بين ألمانيا وروسيا، وبالتالي قرر المستشار تجاهل ردود فعل جزء كبير من الناخبين اليساريين، وأكد أن حكومته لم تتقاعس أبدا عن القيام في وجه روسيا.

ويبدو أن هذا التحول المعلن هو أيضا -كما يقول الكاتب- تغيير حقيقي في العلاقة الصعبة بين السياسيين الألمان والجيش، حين تعرضت القوات الألمانية للإضعاف من قبل من يقودونها ويمولونها، بعد دمج جيشي ألمانيا الشرقية والغربية، وتخفيض جيش ألمانيا الموحدة من 500 ألف إلى 180 ألف جندي، وكأنه تم تصميمه ليكون قوة تدخل عن بعد لخدمة الدبلوماسية وعمليات "حفظ السلام"، حتى إن عدد مركبات المشاة القتالية المدرعة خفضت من 4 آلاف إلى 350 وحدة، وأصبح أكثر من 20% إلى 40% من الطائرات المروحية خارج الخدمة، كما يقول الصحفي توماس ويغولد.

الطلقة التحذيرية

ورغم ذلك، زادت ألمانيا من مشاركتها في العمليات الدولية غير السلمية، كما فعلت عام 1999، عندما أرسلت طائرات لقصف بلغراد مع حلف شمال الأطلسي، لتشارك في حرب للمرة الأولى منذ عام 1945. كما أظهرت أنها قادرة على تقديم وحدات جيدة التجهيز، كما هي الحال في مالي أو أفغانستان، إلا أنها مع ذلك، تفتقر بشدة إلى المواد اللازمة للقوات والأسلحة مثل الذخيرة.

وقد كان خيار جيش مدمج في العمليات المتعددة الجنسيات، يوفر ميزة العمل بتكلفة أقل في أوقات التقشف وفي مواجهة الناخبين السلميين، إلا أن "احتلال شبه جزيرة القرم عام 2014 -كما يقول توماس ويغولد- كان بمثابة طلقة تحذير"، أعادت قضية الدفاع عن الوطن إلى الظهور، وبدأت الميزانيات العسكرية تزداد شيئا فشيئا، حتى أصبح الدفاع عن الأراضي الوطنية والأوروبية أولوية وطنية، كما يتضح من مليارات اليورو التي أعلنتها برلين.

وقال مؤرخ ميونخ أوغست هاينريش وينكلر إن "الأمر متروك الآن للتحالف الحاكم لفتح خطاب إستراتيجي حول دور ألمانيا في العالم، وإعادة النظر في الأفكار المنتشرة على نطاق واسع والمليئة بالأوهام حول دور الوسيط الألماني بين الشرق والغرب، أو حول دور خاص مزعوم لألمانيا في علاقاتها مع روسيا".

وبالنسبة لكريستيان مولينغ مدير الأبحاث بمركز الأبحاث الألماني، فيجب ألا تثير التطورات المعلنة مخاوف غير عقلانية، لأن "شولتز لم يحقق بعد ما وعد به أولا، كما أن الانتقادات التي توجه لألمانيا في السنوات الأخيرة -كما أذكر- هي عدم استثمارها ما يكفي للدفاع عن نفسها وعن أوروبا، إضافة إلى أن الاستثمار في الجيش لا يؤدي بين عشية وضحاها إلى زيادة الرغبة في الاشتباك العسكري".

وفي انتظار تطبيق إصلاحات الحكومة، يبقى موقف الشعب المسالم تقليديا غير معروف، مع أن أغلبية كبيرة من المواطنين يؤيدون خطط شولتز في الوقت الحالي، كما يقول الكاتب، إلا أن مدير مجلة فريتاغ اليسارية جاكوب أوغستين، يرى أن "حالات قليلة في التاريخ هي التي نجحت فيها وصفة صنع السلام بتقديم مزيد من الأسلحة، وبالتالي فإن الغرب بتسليم مزيد من الأسلحة سيطيل الحرب".







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي