بازوليني في عيده المئة... فنان إيطالي شامل قضى في ظروف غامضة

أ ف ب - الأمة برس
2022-03-04

بيير باولو بازوليني (يمين) إلى جانب السوبرانو ماريا كالاس (وسط) ووالدته سوزانا في مطار فيوميتشينو الدولي في روما سنة 1970 (ا ف ب)روما - ترك بيير باولو بازوليني بصمات لافتة في مجالات متعددة، من الشعر إلى الكتابة مرورا بالسينما والمسرح والصحافة والنقد الفني، فيما لا يزال اغتيال هذا المبدع الإيطالي الذي يُحتفل بمئوية ميلاده الأولى السبت لغزا عصياً على الحل بعد حوالى نصف قرن على الحادثة.
وقد ترك بازوليني إرثا كبيرا مطبوعا بالالتزام السياسي لهذا الفنان ذي التوجهات الماركسية.

وقال صديقه ألبرتو مورافيا خلال تشييعه الرسمي في الخامس من تشرين الثاني/نوفمبر 1975 بعد ثلاثة أيام على وفاته "فقدنا قبل كل شيء شاعرا، والشعراء ليس بكثر في العالم".

وخلال نشاط فني استمر زهاء عقدين، أثار بازوليني الذي لطالما تمت مقارنته بجان كوكتو أو جان جينيه، جدلا قويا بمواجهة النقاد البرجوازيين والرقابة الممارسة من الكنيسة وتهديد الفاشيين الجدد.

وأثمرت أعماله في الشعر والنثر والمسرح والسينما ومقالاته الكثيرة، نتاجا قاتما يتساءل فيه هذا الفنان المقرب من جان لوك غودار وفيديريكو فليني عن معنى الحداثة في إيطاليا الضاربة في القدم والفتيّة في آن.

وكانت إيطاليا في تلك الحقبة بلدا ريفيا بدرجة كبيرة، لكنها بدأت تكتشف يومها أوجه الحضارة الجديدة مع انتشار الأجهزة الكهربائية المنزلية والتلفزيون والسيارات الفردية، في مقابل استشراء مشكلات اجتماعية مثل البطالة والعشوائيات.

وقال بازوليني بلسان بطل فيلمه الأول "Accattone" ("المتسول") الذي أخرجه سنة 1961 ويتناول "المعجزة الاقتصادية" الإيطالية من وجهة نظر المهمشين من هذه المنظومة "لينكولن ألغى العبودية، إيطاليا أعادتها".

وقالت صديقته الكاتبة الإيطالية داشيا مارايني التي شاركت معه في كتابة سيناريو فيلم "ألف ليلة وليلة" سنة 1974، لوكالة فرانس برس "لقد بحث طوال حياته عن عالم قديم يشبه ما كان عليه الوضع ما قبل الثورة الصناعية والعولمة، عالم ريفي كان يراه بريئا".

- الحق في "الفضيحة" -

بيير باولو بازوليني في باريس في شباط/فبراير 1972 (ا ف ب)

كان بازوليني يحظى بشهرة لا بأس بها في بلده بفضل دواوينه الشعرية المتنوعة عندما طارت شهرته في الخارج بفضل السينما.
فمن الواقعية ("Accattone"و"Mamma Roma") إلى الاقتباس الرمزي (من أدباء تاريخيين مثل بوكاتشي وسوفوكليس وماركي دو ساد)، أخرج بازوليني في المجموع 23 فيلما كان آخرها "Salò o le 120 giornate di Sodoma" ("سالو، أو 120 يوما من سدوم") سنة 1975 والذي صدر بعد وفاته.

كذلك وقّع على أفلام أخرى معروفة بينها "Il Vangelo secondo Matteo" ("الإنجيل بحسب القديس متى") سنة 1964 والذي حاز جائزة لجنة التحكيم في مهرجان البندقية السينمائي، و"Teorema" سنة 1968 و"Medea" سنة 1969 مع ماريا كالاس، فضلا عن "Il decameron" الفائز في مهرجان برلين سنة 1971.

وقدم بازوليني سلسلة روايات بينها "Ragazzi di vita" و "Una vita violenta"، ليختتم مسيرته في الكتابة الروائية مع قصة لم يتسن له إنهاؤها بعنوان "Petrolio" ويشاع أن معلومات تضمنها فصل قيل إنه ضائع تسببت بمقتله، وفق نظرية من بين نظريات كثيرة.

وفي مقابلته التلفزيونية الأخيرة في 31 تشرين الأول/أكتوبر 1975 في باريس، لخص بازوليني جزءا من عقيدته في الحياة قائلا "إثارة الفضيحة حق. الشعور بالصدمة لذة".

- "شهيد" أو جريمة سياسية؟ -

صورة ملتقطة سنة 1975 في موقع غير محدد لجوزيبي بيلوزي الذي دين بقتل بيير باولو بازوليني ليل الأول إلى الثاني من تشرين الثاني/نوفمبر 1975 (ا ف ب)

قُتل بازوليني ليل الأول إلى الثاني من تشرين الثاني/نوفمبر 1975 على شاطئ أوستيا قرب روما. وكانت إيطاليا تعيش حينها فترة اضطرابات سياسية واجتماعية عُرفت بـ"سنوات الرصاص" تخللتها سلسلة اغتيالات واعتداءات هزت البلاد لأعوام طويلة.
وأفضى التحقيق في الجريمة إلى إدانة شخص وحيد في العام التالي هو بينو بيلوزي، العامل في الدعارة البالغ 17 عاما. وأكد بيلوزي أنه تشاجر مع بازوليني لأنه استاء منه بسبب رفضه إقامة علاقة معه. لكنه غيّر بعد سنوات هذه الرواية التي لم تقنع أحدا في إيطاليا.

ولا يزال الغموض يكتنف الاغتيال، من دون إمكان الجزم بالدوافع، سواء أكانت جريمة ارتكبها منحرفون فرديون أم أنه اغتيال بدوافع سياسية ومافيوية، أم الفرضيتان معا ربما.

وقال الكاتب الفرنسي رينيه دو سيكاتي وهو كاتب سيرة بازوليني ومترجم أعماله، لوكالة فرانس برس إن "ثمة تفسيرين متزامنين عن مقتله، أحدهما يصوره شهيدا بما يتماهى مع روح أشعاره والجانب القاتم والانتحاري في بعض نصوصه، والثاني أنها جريمة سياسية".

وتقام فعاليات تكريمية عدة لذكرى بازوليني خلال الأشهر المقبلة، في إيطاليا والخارج. وتشهد لوس أنجليس حدثا استعاديا لأفلامه يستمر حتى 12 آذار/مارس بفضل شراكة بين "تشينيتشيتا" وأكاديمية متحف الصور المتحركة.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي