
عبدالرحمن النجار
مع دخول الهجوم الروسي على أوكرانيا يومه الثالث، وتصميم الحلفاء الغربيين على فرض أقسى العقوبات الممكنة على موسكو، برزت من جديد مخاوف من اشتعال حرب نووية بين الكتلتين الشرقية والغربية. وينقل لنا نيل دانيشا في تحليل على موقع «Vox فوكس» آراء ثلاثة خبراء حول كيفية فهم مثل هذه المخاطر.
يوضح دانيشا أنه عندما أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عمليته العسكرية ضد أوكرانيا في 24 فبراير (شباط)، وجه أيضًا تهديدًا أكثر غموضًا: «بغض النظر عمن يحاول الوقوف في طريقنا أو خلق تهديدات لبلدنا وشعبنا، يجب أن يعلموا أن روسيا سترد على الفور، وستكون العواقب كما لم تروها من قبل».
بدا أن جزءًا آخر من خطابه يوضح مغزى حديثه؛ إذ قال بوتين: «لا تزال روسيا اليوم واحدة من أقوى الدول النووية». وتبريرًا للهجوم، أدلى بوتين أيضًا بادعاءات لا أساس لها من الصحة، بحسب التقرير، بأن أوكرانيا كانت في طريقها لبناء ترسانتها النووية. وقد علق هانز كريستنسن، مدير مشروع المعلومات النووية في اتحاد العلماء الأمريكيين على هذه الادعاءات بالقول: «لا يوجد دليل على ذلك على الإطلاق».
اعتمد الهجوم الروسي بالكامل على الأسلحة التقليدية – الدبابات التي تسير على الطرق السريعة، والقاذفات التي تحلق في السماء، والسفن التي ترسو في مدينة أوديسا الساحلية – وقد أكد الخبراء لموقع فوكس أنه في حالة عدم وجود تصعيد صادم، فمن غير المرجح أن يتغير ذلك.
ومع ذلك، كانت ملاحظات بوتين بمثابة تذكير صارخ بأن الأسلحة النووية ليست مجرد بعبع لعصر مضى، ولكنها تظل جزءًا رئيسيًا من النظام الأمني الذي ظهر بعد نهاية الحرب العالمية الثانية. وبحسب إحصاء كريستنسن، تمتلك روسيا حوالي 6 آلاف رأس نووي والولايات المتحدة لديها حوالي 5500 رأس نووي. إنهما ترسانتان نوويتان كبيرتان بما يكفي لقتل المليارات من الناس – ولكن أيضًا لتكون بمثابة رادع ضد أي هجوم.
في العقود الأخيرة، ظل ما يسمى بالنظام النووي مستقرًا إلى حد ما. فالدول السبع الأخرى المعروفة بامتلاكها أسلحة نووية لديها ترسانات أصغر بكثير. وقد وقعت معظم دول العالم على معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، التي تحد من تطوير تلك الأسلحة. سأل دانيشا ثلاثة باحثين في مجال الحد من الأسلحة النووية عن المخاطر التي يواجهها العالم الآن وما الذي يمكن فعله حيالها.
1- إلى أي مدى يجب أن نقلق من خطر الأسلحة النووية في الوقت الحالي؟
بينما تعد تصريحات بوتين مدعاة للقلق بالتأكيد – لا سيما أنها أطلقت أكبر عملية عسكرية في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية – إلا أن الخبراء الذين تحدثوا إلى فوكس قالوا إن الضربة النووية لا تزال غير مرجحة. وقال ماثيو بون، الأستاذ في كلية هارفارد كينيدي والمستشار السابق لمكتب الرئيس بيل كلينتون لسياسة العلوم والتكنولوجيا: «أعتقد أنه لا توجد أي فرصة تقريبًا لاستخدام الأسلحة النووية في الوضع الأوكراني».
وأشار بون إلى أن السبب الرئيسي هو أن الولايات المتحدة وحلفاءها في الناتو أوضحوا أنهم لن يرسلوا قوات إلى أوكرانيا. وبدون التهديد بالتدخل العسكري، ليس لدى بوتين سبب وجيه لاستخدام أسلحته النووية، خاصة وأن روسيا لديها تفوق مذهل في الأرقام على الجيش الأوكراني.
من جانبه قال بول هير، كبير المحاضرين في الدراسات العالمية في جامعة بوسطن: «ليس هدف بوتين دفع العالم إلى حرب نووية، هدفه ببساطة هو ابتلاع أوكرانيا – واستعادة ليس فقط قوة الاتحاد السوفيتي، ولكن الإمبراطورية القيصرية».
ومع ذلك، قال كريستنسن: «أنا قلق أكثر مما كنت عليه قبل أسبوع». وأشار إلى أن الناتو رفع مستويات استعداده لجميع الحالات الطارئة استجابة لخطاب بوتين، ومع زيادة الحشد العسكري يأتي عدم اليقين المتزايد. وأضاف كريستنسن: «هذا هو ضباب الحرب، إذا جاز التعبير. يمكن أن ينتج عن ذلك التقلبات والمنعطفات التي تأخذك في مسار لم يكن بإمكانك توقعه قبل أسبوع».
2- كيف تبدو الترسانة النووية الروسية؟ وكيف تقارن بالبلدان الأخرى في العالم؟
يؤكد دانيشا أن ما يقرب من 6 آلاف رأس نووي روسي يجعلها الدولة التي تمتلك أكبر ترسانة نووية. وينوه كريستنسن إلى أن معظم هذه الرؤوس النووية مخزنة، وتنتشر منها حوالي 1600 فقط كأسلحة برية وبحرية وجوية، مثل الصواريخ في الصوامع أو القنابل التي تلقيها الطائرات. (عندما انهار اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية في نهاية الحرب الباردة، كانت هناك أسلحة نووية تُركت على الأراضي الأوكرانية، لكن أوكرانيا أعادتها إلى روسيا).
أما الدول المعروفة بامتلاكها أسلحة نووية هي روسيا والولايات المتحدة والصين وفرنسا والمملكة المتحدة وباكستان والهند وإسرائيل وكوريا الشمالية. ويشمل ذلك كل عضو دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، الذي ظل يعمل على تحديث أسلحته النووية على مدى العقود القليلة الماضية، وثلاثة أعضاء في منظمة حلف شمال الأطلسي. وانخفض العدد الإجمالي للأسلحة بنحو 80% منذ نهاية الحرب الباردة، من حوالي 70300 في عام 1986 إلى 12700 في أوائل عام 2022.
لا تزال هناك الكثير من الأسلحة النووية، ويقول كريستنسن في هذا الصدد: «دارت نقاشات كثيرة حول ما إذا كان ذلك يعني أن روسيا لديها رغبة في استخدامها، ومن الصعب تحديد ذلك. وإذا طُلب من المسؤولين الروس النظر في عدد الأسلحة النووية التكتيكية اللازمة، استنادًا إلى مبررات حقيقية وإستراتيجية، أعتقد أن هذا الرقم سينخفض بسرعة إلى أقل بكثير مما هو عليه اليوم».
3- هل لدى بوتين سبب للتفكير في استخدام الأسلحة النووية؟
ينقل دانيشا عن خبراء قولهم إنه من وجهة نظر إستراتيجية، لا يوجد سبب لروسيا لاستخدام الأسلحة النووية. لكنهم قالوا إن بوتين نفسه هو أكبر مصدر لعدم اليقين. وقال هير: «عنصر العاطفة والغضب الذي تسلل إلى تصريحات بوتين على وجه الخصوص لافت للنظر. لقد ربطنا عادةً الأسلوب الدبلوماسي الروسي بنوع من الاقتضاب».
وأضاف كريستنسن أن بوتين غالبًا ما يشير إلى الترسانة النووية الروسية إظهارًا للقوة. وفي عام 2015، قال في فيلم وثائقي تلفزيوني، من إنتاج الحكومة الروسية، إنه فكر في وضع القوات النووية الروسية في حالة تأهب أثناء ضم روسيا لشبه جزيرة القرم قبل عام، أي في 2014.
قد تكون هذه علامة على أن خطاب بوتين النووي مجرد جعجعة، لكن كريستنسن لم يكن مستعدًّا لقول ذلك صراحة؛ إذ قال: «إنه يعيش في فقاعة صغيرة للغاية، وهو مصاب بجنون العظمة. إنه على استعداد للقيام بأشياء ليست عقلانية».
4- هل الخوف من حرب نووية كاف لمنع الدول من استخدام الأسلحة النووية؟
قال بون: «بالتأكيد، تخلق حقيقة القوة التدميرية للسلاح النووي الخوف». ويشير دانيشا إلى أن الردع النووي كان محور السياسة الأمنية لفترة الحرب الباردة، ويقول الخبراء إنها لا تزال حية إلى حد كبير حتى اليوم. كما كتب زاك بوشامب مؤخرًا، فإن تهديد الأسلحة النووية هو سبب عدم قيام الولايات المتحدة بإرسال قوات إلى أوكرانيا.
لكن من الواضح أن الردع النووي لم ينهِ كل الحروب، إذ يقول بون إن وجود الأسلحة النووية «لم يساعدنا في فيتنام، ولا العراق، أو أفغانستان. الأسلحة النووية ليست مفيدة لغالبية تحديات الأمن التي تواجهها الولايات المتحدة».
منذ الحرب الباردة، كان من المقبول على نطاق واسع أن يساعد الردع النووي في ضمان عدم تعرض حدود أوروبا للتهديد. قال هير إن أزمة أوكرانيا تلقي ببعض الشك على هذه الفكرة: «لم يتم اختبار مصداقية الردع منذ عقود، فالنظام الدولي برمته يجري تقويضه. هل سيكون هجوم أوكرانيا مقدمة لهجوم على دول البلطيق الأكثر عرضة للخطر، أم أن بوتين سيكتفي بأوكرانيا؟».
ينقل دانيشا عن هير قوله إن الإجابة ستشكل كيف تقرر الولايات المتحدة وحلفاؤها في الناتو نشر قواتهم – التقليدية والنووية – في جميع أنحاء العالم، فيما قال كريستنسن: «لقد بدأنا نرى القوى الكبرى تبدأ نوعًا ما في التفكير في سيناريوهات استخدام الأسلحة النووية التكتيكية المحدودة، مثلما لم يحدث قبل 10 سنوات». هذه هي أنواع السيناريوهات غير المتوقعة التي تم طرحها في المناورات الحربية كحالات طارئة منذ الحرب الباردة، ويمكن أن تنطوي على ضربات لأهداف عسكرية معزولة بعيدة عن المراكز السكانية.
أوضح كريستنسن أن «النظرية تشبه إلى حد كبير ما كانت عليه خلال الحرب الباردة. لديك نوع من الأسلحة النووية الصغيرة التي يمكنك تفجيرها هنا وهناك، لإجبار الخصم على الاستسلام أثناء الصراع».
5- هل يسيطر العالم على الأسلحة النووية على نحو جيد؟
يؤكد دانيشا أن الجهود العالمية لمنع انتشار الأسلحة النووية ناجحة بشكل لافت للنظر. لكن هذه الجهود تحتاج إلى عناية مستمرة وصيانة. قال بون: «على الصعيد العالمي، النظام النووي في حالة سيئة للغاية». تواصل كوريا الشمالية بناء ترسانتها النووية، ويبدو أن الهند وباكستان تشاركان في سباق تسلح لبناء أسلحة نووية تكتيكية قصيرة المدى، والعداء يتصاعد بين الولايات المتحدة وروسيا والصين.
قال كريستنسن: «يجب على الشعوب الانتباه وأن يكونوا يقظين بشأن مساءلة حكوماتهم، والتأكد من أن السياسات المعمول بها وطريقة تنفيذها بنّاءة، وأنها تؤدي في الواقع إلى تحسين الوضع بدلًا من جعله أسوأ». ومن المقرر أن تنتهي اتفاقية رئيسية بين الولايات المتحدة وروسيا للحد من الصواريخ المسلحة نوويًا، والمعروفة باسم معاهدة ستارت الجديدة في فبراير 2026، والعلاقات المتدهورة بين الولايات المتحدة وروسيا ستجعل التفاوض على التجديد أصعب.
عاد بون ليؤكد: «الزيادة الهائلة في العداء الأمريكي الروسي ستؤدي إلى زيادة مخاطر الصراع وستزيد من صعوبة العمل مع روسيا. وسواء كان الأمر يتعلق بمنع انتشار الأسلحة النووية إلى دول أخرى أو تحسين تأمين الأسلحة والمواد والمنشآت النووية، فإن كل ذلك يسير بشكل أفضل إذا كانت الولايات المتحدة وروسيا تعملان معًا، وهو ما لن تفعلاه البلدان لفترة في المستقبل».
ويشير التقرير إلى بعض الأخبار الجيدة، فهناك بوادر واعدة لاستعادة الاتفاق النووي الإيراني، والذي من شأنه أن يؤكد على مبادئ معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية. من المهم أن نتذكر أن 5% فقط من دول العالم تمتلك أسلحة نووية، وقد تعهدت كل الدول الأخرى بعدم تطوير أسلحة نووية.
وأضاف بون أنه لعقود من الزمان، كانت واحدة من كل 10 مصابيح أمريكية تعمل باليورانيوم المأخوذ من الرؤوس الحربية الروسية التي تم إيقاف تشغيلها، وإرسالها إلى محطات الطاقة النووية الأمريكية، وهو تذكير بأن العالم قد عمل جاهدًا وبتعاون لتحويل أداة التدمير إلى قوة من أجل الخير.