أبرز التلاحم العضوي بين المعرفة والهيمنة

«الاستشراق» أكثر الكتب تأثيراً في القرن العشرين

2022-02-18

يوصف كتاب «الاستشراق» لإدوارد سعيد بأنه مهد السبيل لظهور عدد كبير من الكتب، التي تبعته، وركزت على تفحص أشكال الخطاب الغربي وتقنيات هذا الخطاب وطبيعة عمله، وتصوره لشعوب العالم الثالث «فالشرق هو صورة المرآة المشوهة للغرب» وقد أثار الكتاب ردود أفعال مناهضة كثيرة، جلها صدر عن المستشرقين الغربيين وعن القوميين الشرقيين على حد سواء. وأثبت الزمن قصور الانتقادات العربية والغربية التي وجهت لسعيد، عن إدراك التلاحم العضوي بين المعرفة والسلطة، فالعبارة التي حفرت على مبنى إحدى المؤسسات الاستشراقية، وهي مدرسة الدراسات الشرقية الإفريقية في جامعة لندن معناها أن «الاستشراق معرفة تنتج القوة».

بعد سنوات من إصدار الكتاب قال إدوارد سعيد إن «هذا الكتاب يشرفه على الأقل أنه جند نفسه صراحة في الحوار الذي لا يزال مستمراً بطبيعة الحال بين الغرب والشرق».
لقد أصبح «الاستشراق» بالفعل من الكتب الأساسية في القرن العشرين، العابرة للتخصصات والتي أثرت في عملية تغيير التفكير في موضوع الاستشراق وأيضاً في حقول التفكير بالعالم الثالث وعلاقة المستعَمر بالمستعمر، ما مهد لظهور ما يسمى الآن «دراسات ما بعد الاستعمار» التي تعيد النظر في الخطاب الاستعماري حول البلدان والشعوب المستعمرة، ثم تفكك هذه العلاقة، وتنظر إلى الذات الوطنية عيون جديدة غير خاضعة لمناهج التحليل الغربية المهيمنة.

وينتقد سعيد الأداة التي تعكز عليها الخطاب الاستشراقي فيقول: «لا تقتصر قدرة النصوص الاستشراقية على خلق المعرفة، بل تتجاوزها إلى الواقع نفسه، وهو ما يبدو أنها تصفه وحسب، وبمرور الزمن تؤدي هذه المعرفة وهذا الواقع إلى إرساء تقاليد معينة، أو ما يسميه ميشيل فوكو «خطاباً معيناً» ويعد وجوده المادي أو وزنه المادي المسؤول عن النصوص التي أدى إلى كتابتها.

يأتي سعيد في طليعة محللي الخطاب الاستعماري بل يعده بعضهم رائد هذا الحقل، فقد استطاع بمفرده في كتابه «الاستشراق» أن يفتتح حقلاً من البحث الأكاديمي هو الخطاب الاستعماري، ذلك أن دراسة سعيد للاستشراق دراسة لخطاب استعماري تلتحم فيه القوة السياسية المهيمنة بالمعرفة والإنتاج الثقافي.

سياق معرفي

غير أن تحليل سعيد جاء مرتكزاً على سياق معرفي وبحثي سابق له، يتضمن أعمال اثنين من المفكرين الأوروبيين المعاصرين هما الفرنسي فوكو والإيطالي جرامشي، ومن الممكن، والحال كذلك، عد هذين المفكرين ممن وضعوا أسس البحث في الخطاب الاستعماري، بالإضافة إلى بعض فلاسفة فرانكفورت مثل أدورنو وماكس هوركهايمر وكذلك والتر بنيامين وحنة أرندت.

ترجع أهمية إدوارد سعيد – كما تؤكد هاجر العبيد في كتابها الصادر عن دار رؤية للنشر والتوزيع بعنوان «أثر الاستشراق في الدراسات ما بعد الكولونيالية»– إلى تكوين النظرية المعرفية في الغرب عن الشرق، أي في الدول الاستعمارية تجاه الدول المستعمرة.

يخلص سعيد بنتيجة مفادها أن الكولونيالية الثقافية نجحت في دمج منظور المستعمر (بكسر الميم) في رؤى الشعوب المستعمرة، حتى شعرت هذه الأخيرة بأنها غير قادرة على فعل أي شيء دون وصاية الأول ودعمه، وفهمت كذلك أن التشريع لا ينبغي أن يصدر من ثقافة وقيم مجتمعاتها، ولكن من مجتمع الأول وقيمه هو.

توضح هاجر العبيد في كتابها أن إدوارد سعيد كان يختط طريقه في مجال النظرية ما بعد الاستعمارية في الوقت الذي كانت أفكاره قد اتخذت لنفسها مساراً تصاعدياً وتقبلاً عند الجماهير، ما ضمن لها نطاقاً واسعاً من الرواج ليصبح اسم سعيد مقترناً بالتحرر ومحاربة التبعية وكل أشكال الاستعمار في مشارق الأرض ومغاربها، وأصبح فكره ملهماً لحركات التحرر في العالم، كما أن كتاباً مثل «الاستشراق» قد تلقاه النقاد بسيل من الدراسات والقراءات تجعله يتموضع في خانة الكتب الأكثر تأثيراً في القرن العشرين.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي