المترجم المغربي شكير نصر الدين: أخطر مافي الترجمة الإساءة إلى النص

2022-02-18

حاوره: إدريس أنفراص

قدّم الناقد والمترجم المغربي شكير نصر الدين للمكتبة العربية العديد من الأعمال المهمة، التي يبدو بعضها بمثابة المشاريع الثقافية، كما في أعمال باختين، التي نقلها إلى العربية، لتحتل مكانة متميزة في تطور مسيرة وأساليب النقد العربي. كذلك لم يكتف نصر الدين بترجمة الأعمال النقدية المؤسِسَة، بل امتد الأمر للرواية، كترجمته أعمالاً لكل من جيلبيرت سينويه، غيوم ميسو، ولويس كارول. عن رؤيته لماهية الترجمة وحالها كان هذا الحوار..

بداية.. كيف تُعرّف الترجمة؟

ليس من الهيّن بسط حدّ ثابت وجامع للترجمة مهما سعينا إلى ذلك، والحال أن المتفق عليه في معاجم اللغة، ضمن هذا الباب، هو أنها نقلُ كلامٍ، شفهي أو مكتوب، وهي الحالة التي تخصنا، من لسان إلى آخر؛ وفي اللغة تَرجمَ كلامه إذا فسّره بلسان آخر؛ التفسير الذي يحملنا إلى البيان ويقودنا إلى التأويل. كل هذه المسالك هي ما يهتدي بها المترجم في منجزه، فهو يتلقى كلاما من لسان، يتبيّنه، يتدبّره ويُرجعه إلى أوّله في لسان جديد، داخل سياق جديد ويُبلغه لجمهور جديد. هذا التعريف العام لا يحيط طبعا بخصوصيات أنواع كل ترجمة، حسب المجالات: العملية، المهنية، الأدبية، العلمية وغيرها، لكن في جميع الأحوال تظل الترجمة نقلا لملفوظ، يطول أو يقصر، أنجِز في مقام معين وينتمي إلى ثقافة محددة، ومطلوب من المترجم نقله بكل أمانة؛ وفي هذا لا فرق، من حيث المبدأ، بين وثيقة تجارية، أو خبر مستعجل، أو رواية من أجزاء عدة؛ الجامع بين الترجمات هو الأمانة والوثوق في الملفوظ المبلَّغ، وإقامة النص بجميع أركانه، دون نقصان أو زيادة.

حسب تجربتك متى نقرر أن هذا الأثر الأدبي أو العلمي ينبغي نقله إلى العربية؟

في ما يخصني، حدث أنّ ترجمةَ الأعمال الروائية كانت استجابة لمقترحات من الناشرين، هذا لا يعني قبول كل مقترح، لكن في ذلك أيضا قدْر من التحدي، أي ركوب أهوال نقل العوالم التخييلية وأساليب الكُتَّاب، طبعا أساليب الكتابة التي تظهر شئنا أم أبينا في النص المترجم، لأن ليس هناك ترجمة تخلو من آثار النص الأصلي، تركيبا نحويا، معجميا أو حمولة ثقافية وفكرية وفلسفية وغيرها من التشكيلات الخطابية للنص الأصل. لكن ترجمة الأعمال النقدية جاءت عندي تتمة لمسار ترجمي بدأته نهاية الثمانينيات من القرن الماضي، مع نصوص مفردة عبارة عن مقالات ودراسات نقدية لمؤلفين وفلاسفة كبار أمثال، رولان بارت، لوسيمان غولدمان، غريماس، ميشيل فوكو، وغيرهم؛ وإن تأخر النشر شيئا ما في هيئة كتب نقدية حتى سنوات 2010، فإن الهاجس نفسه هو الذي كان يحركني منذ البداية: الإسهام في حركية تجديد الدرس النقدي في المغرب، وإضافة نصوص نوعية مثل الكتب المؤسسة للمفكر الروسي ميخائيل باختين «جمالية الإبداع اللفظي»، «فرانسوا رابلي والثقافة الشعبية في العصر الوسيط، وإبان عصر النهضة»، ثم «الفرويدية» أو كتابَي الباحث الفرنسي فانسون جوف «القراءة» بالمشاركة مع محمد أيت لعميم، وهو كتاب عمدة في مجال التلقي، و»قوى التخييل»، وغيرهما من الكتب النقدية.

ما هي المقومات التي يعتمدها المترجم حتى تكون ترجمته مقبولة؟

أظن أن مقولة «ما نتصوره على وجه حسَن نلفظه بوضوح» تناسب المطلوب من الترجمة، التي تتوفر فيها شروط الصحة والقبول والإتقان. لأن المترجم قبل أن يكون بتلك الصفة هو قارئ، بل يلزمه أن يكون قارئا جيدا، يفهم النص بصفته شكلا ومضمونا ومادة بناء ومن حيث مراميه، أي تداوليا، وهذا ما يسمى وفق الاهتمام النقدي الدارج حاليا بالحمولة الثقافية. كل قراءة خاطئة تنتج ترجمة خاطئة، بل فاسدة تسيء للقارئ وللكاتب الأصلي في آن معا. طبعا، ليس هناك ترجمة كاملة، لكن الخطير في الترجمة هو الإساءة إلى النص، عن سبق إصرار وترصد، وذلك بالزيادة أو النقص أو التحريف. قد يتقبل قارئ الترجمة سقطا هنا، وغلطا لغويا هناك، لكنه لن يقبل التدخل العمد في النص الأصلي، بتحسين القبيح أو تقبيح الحسن، أو لأسباب سياسية، أيديولوجية، أخلاقية، دينية، إلخ.

وماذا عن العراقيل والمحبطات التي يلقاها المترجم خلال عمله؟

لا أستحب الحديث عما يوصف بالعراقيل والمحبطات، ذلك أنها، عند وجودها، هي جزء من عمل المترجم، سواء منها المتعلق بالاشتغال على النص، أو النشر بعد الإنجاز. شخصيا، أنظر إلى كل العراقيل باعتبارها محفزا على مواجهة النص، مسالكه الوعرة، مفاجآته المختفية في التفاصيل، كل صفحة من كتاب قيد الترجمة قد تفتح أمام المترجم متاهات ودروبا مضللة، لكن عليه الخروج من كل ذلك بأدنى الخسارات، ومنتصرا، وقد بلغ بالنص إلى قارئه الجديد سالما سليما.

كيف ترى الترجمة في المغرب اليوم؟

أظن أن الترجمة في المغرب اليوم على مفترق طرق، إما مواصلة الجهود كيفا وكمّا، من حيث تنوع مجالات الترجمة واللغات المترجم منها وإليها، أو الركون إلى الجاهز والاعتداد بما أنجز، على قلّته. وها قد جاءت جائزة نوبل للآداب 2021، لتقدم الدليل الساطع على أن الحاجة إلى الترجمة في ازدياد، كما هي الحاجة إلى اكتشافات الجديد ومواكبة ما لا يعد ولا يحصى من المنشورات وهذا أمر جلل لا يمكن أن تتصدى له الطاقات الفردية وحدها، بل هو من اختصاص دور نشر ومؤسسات وهيئات جامعية وأكاديمية، يتوجب أن تكون لها استراتيجية واضحة ومستدامة. وأعتقد أن هناك إرادة فردية ومؤسساتية للحفاظ على مكانة المغرب في هذا المجال، والمضي بها قدما نحو الأحسن، إذ لا تنقص لا الموارد ولا الكفاءات.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي