الشاعر المصري أحمد شلبي: لا يوجد شاعر «حقيقي» يقاطع التراث

2022-02-15

حوار: أشرف قاسم

يعد الشاعر أحمد شلبي أحد أصوات القصيدة العربية الكلاسيكية، الذين يقفون في مواجهة تيارات التغريب، ومحاولات «تحديث» الهوية في الشعر العربي. صدرت له مجموعات شعرية أبرزها «من أغاني الخوف، من حكايا عاد، رحلة الأشواق، الليل والبيداء، بعض الشذا، الوجه الغائب، أغنية إلى الصمت، حضرة الغائب، بستان الحياة «للأطفال» وصدرت أعماله الكاملة في جزأين عن الهيئة العامة لقصور الثقافة 2013. حاز عدة جوائز مهمة منها «جائزة الهيئة العامة لقصور الثقافة، وجائزة حسن عبدالله القرشي، وجائزة فؤاد طمان للشعر القومي. حول تلك التجربة وتلك الرحلة الثرية مع القصيدة العمودية، وهموم الثقافة كان لنا معه هذا الحوار:

بصفتك أحد حراس القصيدة العربية ، كيف ترى مستقبل القصيدة العمودية في ظل حالة التكريس المستمر لقصيدة النثر؟

القصيدة العربية الأصيلة لا خشية عليها لأنها هي الشعر العربي، فهي (كانت ومازالت وستظل) نضرة مثمرة، وسيتوفر لها من يسقيها ماء الحياة من الشعراء، فعندما يُذكَر الشعر يقفز للخيال مباشرة الشكل الأصيل للقصيدة العربية، مثلما إذا ذُكِر النخيل ترتسم في الخيال صورة النخلة مثلا لا شجرة سنط، وإذا ذُكِرت الخيل يتجسد الفرسُ، فلا يتخيل أحد حينها حمارا أو أرنبا، ولا يعني ذلك أن كل ما يستوفي الشكل الكلاسيكي يكون شعرا جيدا، لكن الشعر هو ما تُستَوْفَى فيه عناصر الحياة، ليكون جسدا نابضا بالحياة والوهج، أما عن التكريس للنثر بإدخاله في باب الشعر فهو ضد طبيعة الأجناس، كمن يُصرُّ على أن البطاطس هي التفاح، وهذا ليس إنقاصا من أحدهما وإعلاء للآخر، فكلاهما له نفع، وإليه حاجة، لكنَّ هذا غيرُ ذاك، أنا أستمتع بالنثر العربي في كل عصوره بأنواعه المختلفة، فهو يحمل الفكر والفن وجمالياته الخاصة التي تختلف عن جماليات الشعر على الأقل في طبيعة الموسيقى وتكوين الصورة، وإن استفاد كلٌّ منهما من الآخر في عناصر التكثيف والسرد والحوار والرمز، وأنا لا أعترض على من يكتب ما يخالف شكل القصيدة، ولا على ما يكتب، فهناك نصوص جميلة أقرأها، لكنها ليست تحت مظلة الشعر، هي نثر شعري (أي استفاد من بعض تقنيات الشعر) ، وليست شعرا نثريّا (أي أنه لون شعري كُتِب نثرا) فهذا اسم يحمل تناقضه، وضد طبيعة الأجناس، كما ذكرت آنفا.

ألا ترى أن إصدار ديوان شعر عمودي حاليا هو نوع من المغامرة؟

المغامرة تكون في كُنه الشعر الذي يحتوي عليه الديوان، ماذا يحمل من قيمة؟ وما الإضافة الحقيقية التي اختصَّ بها؟ أما لو خشِي من يحافظون على الشعر الكلاسيكي الشكل من إصدار دواوينهم، فمعنى ذلك أنه إسهام في توديعه إلى الأبد، إن على الشاعر الذي يحتفظ بشكل القصيدة العربية أن يكون على ثقة برسالته، وأن يكون مؤمنا بأنه يُصْدِر ديوانا يحمل الشعر الحقيقي، حتى إن لم يحْتَفِ به الإعلام أو المسيطرون على نوافذ الثقافة.

ينادي البعض دائما بأن هذا ليس زمن الشعر، بل هو زمن الرواية، كيف ترى الأمر؟

أعتقد أن ما تصدره دور النشر يرتبط بالذوق العام، ومع تدنِّي الذائقة والانحراف إلى السوقية في الغناء والمسرح والسينما، والكتابات الجديدة والإقبال الشديد عليها، قد دفع الناشرين إلى إسقاط القيمة كشرط في ما ينشرون، فلم يعد أحد منهم يبالي بما ينشر، فهو ينشر ما يحقق له الربح مهما يكن، وإذا تتبعت هذه المنشورات فلن تجد لها تصنيفا، أهي شعر أم رواية، أم ماذا؟ فليته كان زمن الرواية، فهو لا زمن شعر ولا رواية، لكنه زمن الأراجوزات المهرة، التي تستطيع أن تجمع أكبر عدد من الباحثين عن التفاهة والفراغ.

أحمد شلبي «الشاعر» و»المعلم» كيف يقيم مناهج اللغة العربية التي يدرسها أبناؤنا في مراحل تعليمهم المختلفة؟

من خلال ممارستي التربوية، وعملي في التوجيه سنوات طويلة، أشهد بأن كل محاولة لتطوير المناهج أضرت بها من حيث القيمة والهدف، فلك أن تعلم أن مناهج السبعينيات والثمانينيات أفضل من المناهج الحالية، وهذا ليس رأيا رجعيّا، بل هو مبني على حقائق ودراسة، لأن المناهج الحالية وضعت بكثير من العشوائية والتخبط، وفقدانُ الذائقة وضعفُ الكفاءة أسهما في سوء اختيار المقررات من نصوص وبلاغة، وموضوعات القراءة، وبعض الكتب الإضافية من روايات أو سِيَر أعلام، كما أن مقررات النحو وطرق تدريسها أدت إلى النفور والكراهة.. أذكر أنَّني كتبت عدة أوراق عن الأخطاء اللغوية والعروضية الواردة في بعض النصوص في المراحل المختلفة، وقدمتها للموجه العام على ان تُرفع للوزارة، فقال لي: (يعني هو فيه حد بيقرا، ولا حد حيعرف اللي انت بتقوله، يا عم ما تتعبش نفسك) نعم كان هذا موجها عامّا للغة العربية.

توجد الآن قطيعة بين الشاعر المعاصر وتراثنا الشعري، ما أسباب ذلك من وجهة نظرك؟

لا يوجد شاعر (حقيقي) يقاطع التراث، فمن يفعل ذلك فليس من الشعر في شيء، إن شعراء الحداثة (الحقيقيين) انطلقوا من التراث، وما زال يمثل لهم نهرا دافقا ينهلون منه، ويتحاورون معه ويتخذون منه رموزا يتكئون عليها في تجاربهم.

تكتب للطفل ولك نصوص يدرسها أبناؤنا في مدارسهم، ما رأيك في ما يقدم للطفل من مواد ثقافية؟ وكيف نحمي هؤلاء الأطفال من تيارات الغزو الفكري التي لا تتماشى مع قيمنا وثقافتنا؟

الطفولة هي أخطر مراحل الإنسان، ومنها تتكون لبنات الفكر الأولى التي تتجذر في عقليته، وفيها تتضح سمات الشخصية وما تنبئ عنه مستقبلا، ولذا يجب العناية التامة والاهتمام بكل ما يُقَدَّم له في هذه المرحلة من حيث المعلومة، والوجدان والفكر، خاصة في المواد التاريخية والدينية والأدبية، فلا يصح أن نصدمه بتاريخ الدماء وقطع الرقاب والسلب والنهب والعنف، ويجب أن تركز المادة الدينية على غرس العقيدة الصافية النقية الداعية إلى المحبة والتسامح والسلام، والفقه البسيط الذي يتعلم من خلاله أصول العبادات وأهدافها، وأن نبتعد به عن القضايا الجدلية، وأبواب الفقه التي لا تناسب مرحلته، وأن نحسن اختيار النصوص ذات الموسيقى والرقة التي تملأ قلبه ووجدانه بحب الحياة والرفق والمحبة، لا بد من تكوين لجان لتحليل المناهج تشمل خبراء تربويين ونفسيين ومفكرين ومتخصصين ونخبة من أولياء الأمور، وهو أمر ليس بالمستحيل، فالميزانيات متوفرة، ولو وُجِدت الإرادة لتم الإنجاز وتم التخلص من العشوائية، وتم توفير الجهد والمال، إن كثيرا مما يُقَدَّم لأطفالنا يحتاج إلى التغيير للأفضل.

حصلت على عدة جوائز مهمة، ما تأثير الجائزة في المبدع؟

الجائزة لا تؤثر في المبدع، إلا في سعادة مؤقتة في شهرة أو قيمة مالية لا في رقي إبداعه، ولا تعني أنه الأفضل، بل إن هناك شعراء متخصصين في الجوائز يتتبعونها، ويكتبون عن شروطها، وهم في ذلك ليسوا مبدعين، وإنما (صنايعية) وهناك جوائز تتحكم فيها أمور كثيرة يأتي آخرها جودة النص.

تناول العديد من النقاد تجربتك الشعرية، هل استطاع النقد أن يواكب تلك التجربة؟ وهل نحن بالفعل لدينا أزمة نقدية؟

لا يستطيع النقد أن يواكب أي تجربة لا لي ولا لغيري، لأن الناقد – مشكورا ـ يتناول ما يراه يستحق التناول، ويتجاوز عمَّا سواه، فقد يتناول البعض: اللغة أو الصورة أو الموسيقى أو المضمون أو ظواهر كالسرد أو الدراما أو الحوار أو الرموز أو صدى التراث، وفي النهاية تشعر بأن هناك شيئا ما لم يتناوله النقد.. أما عن الأزمة النقدية فموجودة كوجود الأزمة الإبداعية، لكنها في النقدية أشد لأن الناقد لا يكتب إلا لعلة غالبا – إلا القليل ـ ومن تلك العلل: العلاقات الشخصية وارتباطها بالحب والبغض، المصالح المشتركة، بمعنى المقابل العائد من نشر دراسة نقدية عن مبدع، نوع جنس المكتوب عنه (ذكر أم أنثى) والأنثى (جميلة أم ليست كذلك) (ضاحكة أم عابسة) والذكر (مهم أم عاديّ) (حبُّوب وسخي، أم من النوع الآخر) إلخ، وما ينطبق على النقد ـ إلا قليلا- ينطبق على الدعوات للمشاركة في مؤتمرات أو ندوات ـ إلا قليلا ـ أيضا.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي