كتالوغ أضواء السّيارات

2022-02-13

جو قارح

أعميتُهم

أشعلتُ أنوار السيارة،

كان الضّوء يركض أمامي ككلب يبحث عن فريستي،

لم أتذكر اسمي حين سُئلت عنه،

المقود أمامي ضحك،

والمقاعد الجلديّة المهترئة ارتفعت بحّتها العارمة بالسّجائر.

هم،

أيضًا بلا أسماء،

يعيشون على جانب الطّريق لئلّا يدهسهم الهواء فيختفون،

لا ذكرى لهم،

كأنّني عندما أطلقتُ الضوء على وجوههم كشفت عريهم المستور،

فضحتُ ملابسي الواسعة.

تتوقف عندهم كمحطّات القطار،

ركّاب بلا تذاكر،

يركبون الحياة ويجلسون في المقاعد الخلفيّة،

ينتظرون المحطّة الأخيرة حفاة،

رابطين الأرض بأجسادهم النّحيلة،

سيسقطون الواحد تلو الآخر في صحني الصّباحيّ،

قصصٌ قصيرة،

أجمعهم تحت ليلتي،

أرتّبهم في "كتالوغ أضواء السّيارات".

***

ذاك المتسوّل الصّغير،

أسمع حفيف رجليه من أوّل الشّارع المظلم،

أرى النّور يخترق أطرافه المتطايرة كطائرة ورقية،

أنا سائق القطار،

أتوقف عنده فلا يصعد،

لا يطلب منّي لا مالًا ولا حكايةً قبل النّوم،

يقترب منّي ويعطيني عينيه قائلًا:

"خذ، ربّما تجد بين ضحاياي ضالّتك:

صديقك القديم الذي انقطعت أخباره مذ نام التّراب على وجهه،

أو ذاك الذّي غرق في مياه الغربة،

أو ذاك الذّي صارت لياليه نُهُرًا،

ستجدهم كلّهم في عينيّ،

أما أنا فقد رأيتُ ما يكفي لأكتب أوراق النّعوة كلّها دفعةً واحدة."

***

ذاك النّادل هناك،

ليت الضوء يظلّله،

يلبسه ظلًّا ليحيا،

يدفع خيطانه لتلفّ له تاجًا،

لتراقبنا حبّة نور من طرف نظاراته،

فيختبر طعم الحياة،

العيش مع ظلّ ينذر الحائط لوجودك،

فهل من صوت بلا صدى،

يصهل مع مروره عاديًا خلف فرسان المدى؟

كان الوقت يزور المقهى كل ليلة،

يطلب الراحة،

يسأل عن ماء بارد يفرك به ساعاته لتنتعش،

لكنه لا يتميّز عن الآخرين بشيء،

يمرّ من فوق النّادل دون أن يلاحظه.

يترك عند الباب ذكريات للجميع،

لحظات اشتياق،

قصص الطفولة،

رسائل المهاجرين وأحلام الشباب،

صناديق مليئة بكل ما جمعه عن حافة الصبح.

لا يصله شيء،

لكن،

إن فاض الوقت وحلّت عاصفة نسيان،

تتقطّر الثواني على شعره،

تبلّله،

ترطّب رموشه الجافة،

فلا دمع يعرف وجناته،

ولا تجاعيد سعادة منقوشةً،

ما أصعب نسيان الحياة في الطابق السفليّ!

وما أشدّ فترات الجفاف!

ذاك النّادل هناك،

يوزع الخلاص للمتعبين،

مرارة القهوة وما يرافقها من إنكار وطيران،

راحة البال،

مسكّنات للأفكار،

ومهدّئات للأحاسيس،

لكن للمتعة نهاية كالحياة،

تصل ذروتها قبل نهايتها،

عندها تسقط جدران الوقت،

ويتفكّك الضوء شعلة بعد أخرى،

ليبقى وحده،

يجلس على عتبة درج مقفيّ،

ثلاث درجات كافية لتشعره ببعده عن العالم،

يُشعل سيجارة ويُلبس الطريق شالًا أبيض،

هي الوحيدة التي يتحنّن عليها،

مثله تمامًـا،

تذهب وتعود،

تصل تُنزل تترك،

لا يسأل عنها سوى الضائع،

ولم تكن يومًا لا الوجهة ولا الغاية.









شخصية العام

كاريكاتير

إستطلاعات الرأي