
عبدالرحمن النجار
تساءل تقرير للصحفية ليلي جاليلي، نشره موقع «ميدل إيست آي»، عن الكيفية التي ستتعامل بها إسرائيل مع الأزمة المشتعلة بين روسيا والغرب بسبب أوكرانيا، حيث تحتفظ تل أبيب بعلاقات وثيقة مع كلا الجانبين.
أوضحت جاليلي أنه لكسب الدعم السياسي والدبلوماسي الإسرائيلي في صراعهم مع روسيا، غالبًا ما يقارن المسؤولون الأوكرانيون المواقف الجيوسياسية للبلدين بقول شيء مثل: «كلانا لدينا مشاكل مع جيراننا وكلانا يريد أن يفهمنا العالم». وفي مؤتمر عقد في ديسمبر (كانون الأول)، بمناسبة الذكرى الثلاثين للعلاقات الدبلوماسية بين إسرائيل وأوكرانيا، ذهب الرئيس فلودومير زيلينسكي، وهو يهودي، إلى حد القول: «كلانا يعرف ما يعنيه الدفاع عن دولته وأرضه بالسلاح»، ومع أنه لم يذكر التوتر الحالي مع روسيا لكن السياق كان واضحًا.
وتشير جاليلي إلى أنه عندما يستاؤون من الحذر الإسرائيلي بشأن خلاف كييف مع موسكو، يأخذ القياس الأوكراني منعطفًا آخر، حيث يقارن المسؤولون شبه جزيرة القرم التي تحتلها روسيا بالوضع في الضفة الغربية. ولا يعتبر الرئيس الأوكراني هو الشخص الوحيد الذي يقارن بين إسرائيل والنزاع الروسي الأوكراني. ففي مقابلته السنوية المتلفزة الصيف الماضي، قال فلاديمير بوتين إن الأوكرانيين والروس هم نفس الأشخاص، ويجب أن يتحدوا مثلما يفعل اليهود القادمون من قارات مختلفة في إسرائيل.
تضيف جاليلي أن هذه ليست مجرد حكايات، حيث تُعقِّد رياح الحرب على الحدود الروسية الأوكرانية التوازن الدقيق الذي تحاول إسرائيل الحفاظ عليه بين كييف وموسكو.
توازن دقيق
تشير جاليلي إلى محاولة إسرائيل تجاوز هذا الخط من قبل. في عام 2014، عندما ضمت روسيا شبه جزيرة القرم، أعرب سفير أوكرانيا في ذلك الوقت عن أسفه لصمت إسرائيل بشأن الصراع ووصفه بأنه «نكران للجميل». وقال إن إسرائيل ترددت في اتخاذ موقف على الرغم من حقيقة أن أوكرانيا كانت واحدة من 18 دولة فقط صوتت ضد تأييد تقرير جولدستون الذي حقق في عملية الرصاص المصبوب في غزة عام 2009.
على مدى السنوات السبع الماضية، شهدت العلاقات بين أوكرانيا وإسرائيل بعض التغييرات. في عام 2019، وقع البلدان اتفاقية تجارية كبيرة، وفي ديسمبر 2021، زار وزير الدفاع الأوكراني أوليكسي ريزنيكوف إسرائيل. وأكدت جاليلي أن تفاصيل الاجتماعات لم تخرج للعلن، بيد أن العلاقات العسكرية بين البلدين نمت على مر السنين، إذ أشارت العديد من التقارير الإخبارية الأوكرانية والإسرائيلية إلى تطلُّع كييف لشراء نظام القبة الحديدية.
يمكن أن يؤدي رفع مستوى القدرات الدفاعية لأوكرانيا إلى إثارة عداء روسيا، بحسب التقرير، لكن زفي ماجن، السفير الإسرائيلي السابق لدى كل من روسيا وأوكرانيا، قال إن إسرائيل واصلت محادثاتها مع أوكرانيا.
وقال ماجن، الذي يشغل الآن منصب رئيس قسم روسيا والمنطقة في معهد دراسات الأمن القومي ومقره تل أبيب: «الأمر معقد، لكن إسرائيل تمكنت من المناورة دون الإضرار بالمصالح الروسية». وعقد ماجن مؤخرًا عدة اجتماعات مع المسؤولين الأوكرانيين. وقال إنه أوضح حساسية الوضع الإسرائيلي وضرورة عدم لفت الأنظار إلى الصراع الحالي، قائلًا: «إنهم يتفهمون».
منافع متبادلة
وترى جاليلي أن سياسة إسرائيل شديدة الحذر تجاه هذا الوضع المعقد. ولأكثر من ست سنوات، نسقت إسرائيل نشاط سلاحها الجوي فوق سوريا مع روسيا، ويسمح هذا التفاهم المستمر مع روسيا لإسرائيل باستهداف القوات الإيرانية المتمركزة في سوريا، بينما تسيطر روسيا على المجال الجوي.
من الواضح أن هذا يمثل رصيدًا إستراتيجيًا لإسرائيل، وهو يخدم أيضًا المصالح الإستراتيجية والسياسية الروسية في منطقة تريد فيها موسكو النفوذ. كما اعتاد رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو الإشارة إلى بوتين بـ«صديقي»، وهو اختيار للكلمات يبهج أولئك الذين يفهمون روسيا ورئيسها بشكل أفضل. وتقول جاليلي إن ما يحرك بوتين هو المصالح فقط، ومن الأفضل أن تكون الأطرف الأخرى حريصة على عدم تقويضها.
وانطلاقًا من وجهة النظر هذه، تمشي إسرائيل على حبل مشدود الآن بين الولاءات والمصالح المتضاربة للبيت الأبيض والكرملين فيما يتعلق بأوكرانيا. وينقل التقرير عن يعقوب كيدمي، الدبلوماسي الروسي الإسرائيلي والرئيس السابق لمنظمة ناتيف، وهي منظمة اتصال حكومية ساعدت اليهود على الخروج من الاتحاد السوفيتي خلال الحرب الباردة وما زالت موجودة حتى اليوم، قوله: «أفضل ما يمكننا القيام به هو التزام الصمت».
ويلفت التقرير إلى أنه بعد سنوات من منع كيدمي من دخول روسيا، أصبح الآن زائرًا متكررًا إلى موسكو ومعلقًا سياسيًا مرحبًا به في القنوات التلفزيونية الروسية، وقال: «هناك دائمًا ضغوط للانحياز لكن على إسرائيل أن تحرص على عدم إلحاق الضرر بنفسها خلال ذلك». وأكد أن المحادثات النووية الجارية مع إيران لا علاقة لها بكيفية تعامل إسرائيل مع أوكرانيا، فالشيء الوحيد الذي تتوقعه روسيا من إسرائيل هو الامتناع عن أي نشاط يخل بالتوازن الإقليمي.
يشير التقرير إلى أنه من السهل إغلاق الروس للمجال الجوي السوري، لكن ليس لديهم مصلحة في ذلك طالما أن إسرائيل لا تهدد نظام الأسد، وفي هذا الصدد يقول كيدمي: «إنهم لا يهتمون كثيرًا بما نقوله، بل فقط بما نفعله. والمشكلة الحقيقية هي أن الجهل الإسرائيلي في فهم روسيا وتلك المنطقة يأتي في المرتبة الثانية بعد الجهل الأمريكي».
تنقل جاليلي عن زفي ماجان رأيًا مختلفًا، إذ يعتقد أنه في الوقت الذي تشترك فيه إسرائيل وروسيا في النهج نفسه تجاه قضية إيران، فقد يتغير ذلك بسهولة إذا تحول التوتر الحالي إلى أزمة شاملة بين روسيا والغرب. في هذا الاحتمال، ستحتاج روسيا إلى حلفاء جدد، مثل الصين وإيران، وهو سيناريو يجب على إسرائيل الحذر منه.
قبل أسبوعين، تحدث بوتين ورئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت عبر الهاتف. وبحسب البيان الصادر عن مكتب رئيس الوزراء، فإن التركيز كان على قضايا الأمن الإقليمي والتعاون الوثيق. ووفقًا لرسالة نُشرت على موقع الكرملين على الإنترنت، أثيرت قضية أوكرانيا في المحادثة.
تبعات محلية
تشير الكاتبة إلى أن المصالح السياسية والدبلوماسية ليست مصدر القلق الوحيد الذي يفرض مزيدًا من الحذر على إسرائيل في هذه المرحلة. فإسرائيل هي موطن لأكثر من نصف مليون مغترب أوكراني وأكثر من 400 ألف مهاجر روسي، وبالتالي، فإن أي احتمال لوقوع حرب بين البلدين سيصبح أيضًا قضية سياسية داخلية لإسرائيل.
تكشف جاليلي أن ضم روسيا لشبه جزيرة القرم أحدث شرخًا عميقًا بين الوافدين من كلا البلدين على عكس أي قضية محلية إسرائيلية من قبل. وكان معظم الوافدين الجدد من أوكرانيا يدعمون وطنهم السابق، بينما كان معظم المهاجرين من روسيا من الموالين للروس، وتظاهر الأوكرانيون السابقون أمام السفارة الروسية في تل أبيب، ومزق الصراع العائلات والصداقات.
لكن الاستجابة العاطفية الآن أكثر اعتدالًا، إذ يشعر جيل الشباب بخيبة أمل من سلوك بوتين وتشريعاته المناهضة للديمقراطية، وصعود معاداة السامية في أوكرانيا، حيث أصبح الفاشي المثير للجدل ستيبان بانديرا، الذي يعتبره الكثيرون مجرم حرب مسؤولًا جزئيًا عن الهولوكوست في أوكرانيا، بطلًا يطلق اسمه على الشوارع.
على عكس عام 2014، فإن الجيل الأكبر الآن، الذي تعرض بشكل أساسي للتلفزيون الروسي، لا يزال مؤيدًا لروسيا. بيد أن المشاعر المؤيدة لأوكرانيا أعمق، حيث قام مشاهير وسائل التواصل الاجتماعي من أصل أوكراني بتزيين صور ملفاتهم الشخصية على فيسبوك بالأعلام الأوكرانية لإظهار الدعم، وبالعودة إلى عام 2014، تحول الجدل المحتدم إلى تبادل عقلاني للآراء.
لا يزال للمهاجرين من روسيا وأوكرانيا عائلات في كلا البلدين، وترى الكاتبة أنه يجب على إسرائيل أخذ مخاوفهم العميقة في الاعتبار – وهذه مشاعر غالبًا ما يكون لها ثمن سياسي في إسرائيل.
في الجولة الأخيرة من انتخابات 2020، ترجم نتنياهو علاقته مع بوتين إلى لوحات إعلانية ضخمة للحملة تظهر الاثنين معًا. ولم يتوقع رد الفعل الغاضب من المهاجرين الأوكرانيين والروس الذين اختاروا الهجرة عندما عاد بوتين إلى الرئاسة في عام 2012، وبالتأكيد لم يأخذ في الاعتبار خسارة الأصوات التي أعقبت هذا الخطأ.
هذه الاعتبارات الداخلية ليست قضية محورية، لكنها تضيف طبقة أخرى إلى تعقيد الموقف الإسرائيلي الذي يواجه احتمالية الحرب. وكذلك بقيت الجالية اليهودية في أوكرانيا. وأثناء انتظار التطورات المستقبلية، تخطط إسرائيل لجسر جوي ضخم لـ10 آلاف يهودي أوكراني إذا قامت روسيا بغزوها. وحتى الآن، فإن اليهود الأوكرانيين ليسوا في عجلة من أمرهم للمغادرة.