
نشر موقع «أكسيوس» الأمريكي سبقًا صحافيًّا لجوناثان سوان وهانز نيكولز، وهما مراسلان سياسيان للموقع، وهو عبارة عن وثيقة مسربة عن اجتماع عُقِد في البيت الأبيض لمناقشة نقل الأفغان المتعاونين من البلاد، وذلك قبل ساعات من سيطرة طالبان على العاصمة الأفغانية. وهو الأمر الذي أدَّى إلى مشاهد فوضوية ما زالت تؤثر على شعبية بايدن، وراح ضحيتها العديد من الأفغان والأمريكيين.
سلَّطت ملاحظات مسربة من اجتماع غرفة العمليات بالبيت الأبيض، في اليوم السابق لسقوط كابول على يد جماعة طالبان، الضوء على مدى عدم استعداد إدارة بايدن لإجلاء المواطنين الأفغان الذين ساعدوا الولايات المتحدة في حربها التي استمرت 20 عامًا ضد طالبان.
لماذا تعد الملاحظات هامة: قبل ساعات من سيطرة طالبان على العاصمة الأفغانية في 15 أغسطس (آب) 2021 كان كبار مسؤولي إدارة بايدن ما زالوا يناقشون ويحددون الإجراءات الأساسية المتعلقة بالإجلاء الجماعي للمدنيين.
وبحسب التقرير فقد شعرت الجهات الخارجية بالإحباط والريبة من أن الإدارة كانت تعقد اجتماعات كثيرة، لكنها كانت عالقة في جمود بيروقراطي، وتفتقر إلى العَجَلة حتى اللحظة الأخيرة. وفي حين أن كلمة «على الفور» تنتشر في جميع أنحاء الوثيقة، كان من الواضح أن المسؤولين ما زالوا يسعون جاهدين لوضع اللمسات الأخيرة على خططهم، بعد ظهر يوم 14 أغسطس. على سبيل المثال كانوا قد قرروا لتوهم أنهم في حاجة إلى إخطار الموظفين الأفغان المحليين «للبدء في تسجيل ما إذا كانوا مهتمين بالانتقال إلى الولايات المتحدة»، كما جاء في الوثيقة. بالإضافة إلى ذلك فقد كانوا ما زالوا يقررون أي البلدان يمكن أن تكون بمثابة نقاط عبور للأشخاص الذين سيجرى إجلاؤهم.
وكان الرئيس بايدن عازمًا على إنهاء تورط بلاده في أطول حرب لها، وأعلن في أبريل (نيسان) الماضي عن خططه لسحب جميع القوات الأمريكية من أفغانستان بحلول 11 سبتمبر (أيلول) 2021. وكان الرئيس السابق ترامب قد أبرم قبل ذلك اتفاقًا يهدف إلى انسحاب الولايات المتحدة بحلول مايو (آيار) 2021.
وبحسب التقرير لم تتعافَ معدلات شعبية بايدن بعد المشاهد الفوضوية لتلك اللحظات الأخيرة، عندما سقط الأفغان الموالين لأمريكا ليلاقوا حتفهم بسبب وسائل النقل العسكرية والتفجير الانتحاري الذي أودى بحياة 13 جنديًّا أمريكيًّا وعشرات الأفغان خارج بوابات مطار حامد كرزاي. كما أفادت مجلة «ذي أتلانتك» هذا الأسبوع أن آلاف الأفغان المعرضين للخطر ما زالوا عالقين في الجحيم البيروقراطي، خائفين من أن طالبان التي قاتلوها لسنوات ستلاحقهم.
في وقت لاحق من الشهر الجاري سيُعين الكونجرس أعضاء لجنة مؤلفة من 12 شخصًا من الحزبين سيكون عليها أن تدرس الحرب، وتصدر تقريرًا مشابهًا للتقرير الذي أصدرته لجنة 11 سبتمبر.
ملخص النتائج
يشير التقرير إلى حصول موقع «أكسيوس» على «ملخص النتائج» الصادر عن مجلس الأمن القومي بخصوص اجتماع ما يسمى بمجموعة النواب الصغيرة. وتضم هذه المجموعة كبار مساعدي أعضاء مجلس الوزراء المختلفين، وعادةً ما تضع الأساس لجلسات النواب أو المسؤولين التنفيذيين، أو تضع التفاصيل العملية لوضع القرارات، التي اتخذها رؤساؤهم موضع التنفيذ بالفعل.
تناولت الوثيقة «الانتقال من أفغانستان»، وعُقِد الاجتماع من الساعة 3:30 ظهرًا حتى الساعة 4:30 مساءً بعد ظهر يوم 14 أغسطس بتوقيت واشنطن. وفي تلك اللحظة كان مقاتلو طالبان يهبطون على كابول. فيما ترأست الاجتماع إليزابيث شيروود راندال، المسؤولة في مجلس الأمن القومي، وضم كبار المسؤولين في العديد من الوكالات، بمن فيهم الجنرال جون هيتين، نائب رئيس هيئة الأركان المشتركة.
تُسلِّط ملاحظات الاجتماع الضوء على عددٍ من الإجراءات الحاسمة التي كانت إدارة بايدن تتخذها في اللحظة الأخيرة قبل ساعات فقط من سقوط كابول وهروب الرئيس الأفغاني السابق أشرف غني من قصره في طائرة هليكوبتر.
تضمَّنت بنود العمل التي جرى تحديدها في الاجتماع ما يلي:
«ستعمل الدولة على تحديد أكبر عدد ممكن من البلدان لتكون بمثابة نقاط عبور. ويجب أن تكون نقاط العبور قادرة على استيعاب المواطنين الأمريكيين والمواطنين الأفغان ورعايا البلدان الأخرى وغيرهم من الأشخاص الذين جرى إجلاؤهم. (الإجراء: الدولة، على الفور)».
«على سفارة كابول إخطار الموظفين المُعينين محليًّا للبدء في تسجيل اهتمامهم بالانتقال إلى الولايات المتحدة والبدء في الاستعداد فورًا للمغادرة… (الإجراء: سفارة كابول، على الفور)».
وينقل التقرير قول المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي إميلي هورن لموقع «أكسيوس»: «في حين أننا لن نعلِّق على وثائق داخلية مسربة، فإن الملاحظات المنتقاة من اجتماع واحد لا تعكس شهورًا من العمل الذي كان يجري بالفعل». مضيفة: «في وقت سابق من ذلك الصيف، أطلقنا عملية ملجأ الحلفاء (أي إجلاء المتعاونين الأفغان)، وعملنا مع الكونجرس لتمرير تشريع أعطانا قدرًا أكبر من المرونة لنقل الشركاء الأفغان بسرعة». وأوضحت: «وبسبب هذا النوع من التخطيط والجهود الأخرى، تمكنَّا من تسهيل إجلاء أكثر من 120 ألف من الأمريكيين والمقيمين الدائمين بصفة قانونية، والأفغان المعرضين للخطر وغيرهم من الشركاء».
بحلول الوقت الذي عُقِد فيه الاجتماع بعد ظهر يوم السبت كان كبار مسؤولي بايدن في جميع وكالات الحكومة يجتمعون على مدار الساعة للتعامل مع الانهيار السريع جدًّا لأفغانستان. واتخذت الإدارة بعض الإجراءات التي ستساعدها في نهاية المطاف في إجلاء أكثر من 120 ألف شخص من مطار كابول بحلول 31 أغسطس، الموعد النهائي المُعدَّل للانسحاب الذي حدده الرئيس الأمريكي.
وسط الفوضى والموت نفذت جهودًا لنقل كل من المواطنين الأمريكيين والمواطنين الأفغان المتعاونين بالشراكة مع الحلفاء، بالإضافة إلى العديد من الجهود المرتجلة اليائسة، بحسب التقرير، من القطاع الخاص وجماعات المحاربين القدامى. فيما تمركزت القوات مسبقًا في المنطقة حتى يتمكنوا من الوصول بسرعة إلى مطار كابول للقيام بعملية الإجلاء. وسارعت الإدارة في الحصول على موافقات بشأن «تأشيرة الهجرة الخاصة (SIV)». وبحث مسؤولو بايدن مع دول أخرى إمكانية أن يكونوا بمثابة نقاط عبور للأشخاص الذين يجرى إجلاؤهم؛ مما أدَّى في النهاية إلى شبكة استضافت عشرات الآلاف من الأفغان الذين ينتظرون معالجة أوراقهم.
فوضى الجلاء عن أفغانستان
ومع ذلك لم تُتَّخذ قرارات كبرى عديدة عشية سقوط كابول. وبحسب التقرير، فالرئيس نفسه – ومجتمع استخباراته – بالغوا في تقدير قدرة الجيش الأفغاني على الدفاع عن أراضيهم ضد طالبان. ومما زاد من تعقيد الموقف أن غني كان قد ناشد بايدن شخصيًّا بعدم القيام بعمليات إجلاء جماعية للأفغان في وقت سابق من ذلك العام؛ إذ كان غني يخشى أن يكون ذلك مؤشرًا على فقدان الثقة في حكومته.
كان العديد من المستشارين الخارجيين يدقون ناقوس الخطر مع اجتياح طالبان لعواصم الأقاليم قبل أغسطس؛ إذ قال مات زيلر، وهو ضابط سابق في وكالة المخابرات المركزية، الذي اتصل بمسؤولي الإدارة في فبراير (شباط) 2021 بشأن حماية الأفغان الذين عملوا مع الأمريكيين: إن «الناس في (البيت الأبيض) ظلوا يقولون لي إن أكثر ما يثير قلقهم هو مشاهد عملية إخلاء فوضوية، ولم يصدقوا أن الكارثة كانت قاب قوسين أو أدنى».
وأضاف زيلر: «في 13 يوليو (تموز) عرضنا العمل معهم للمساعدة في إجلاء شركائنا. ورأينا جميعًا هذه الكارثة قادمة قبل أن يحدث ما لم يكن هناك مفر منه. ولم يعودوا إلينا حتى 15 أغسطس، وهو اليوم الذي سقطت فيه كابول».
قال مارك جاكوبسون، نائب ممثل الناتو في أفغانستان في إدارة أوباما، لموقع «أكسيوس»: «هذا القدر الكبير من التخطيط، وتحديد الأولويات، ومعالجة المسائل الرئيسة لم يكتمل، حتى في الوقت الذي كانت فيه كابول على وشك السقوط، وهذا يؤكد عدم وجود تخطيط كافٍ بين الوكالات». وأضاف: «هذا مثير للدهشة لا سيما بالنظر إلى عمق الخبرة بشأن أفغانستان وعمليات الطوارئ التي كانت على تلك الطاولة».