الجانب الآخر للتكنولوجيا.. هكذا قد يضرك استخدام الساعات الذكية

I Ditched My Smart Watch, and I Don’t Regret It
2022-02-02

جانب من معرض لاس فيغاس للإلكترونيات "كونسيومر إلكترونيك شو" في 8 يناير 2019 (ا ف ب)

نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» مقالًا للنيدساي كروس، محررة بارزة بالصحيفة الأمريكية وتغطي قضايا العلاقة بين الجنسين والطموح والسلطة، تناولت فيه الهوس الذي أصاب قطاعات كبيرة من الأشخاص بشأن استخدام الساعات الذكية التي تُطلِع مَنْ يرتديها على حالته الصحية وعمل أجهزته الحيوية، وتقيس ضربات القلب، واللياقة، والتوتر وغير ذلك، موضحةً أن ذلك يؤدي إلى استلاب شعور المرء بذاته وجسده وإسناد ذلك إلى جهاز.

تستهل الكاتبة مقالها بالقول: وصلتْ نفسيَّتي إلى الحضيض عندما كنتُ أتناول عشاءً لطيفًا، وقد استحوذ هاتفي على كل اهتمامي وتفكيري وأنا أتصفحه خِلسة، كنتُ أفتح تطبيق الساعة الذكية، وأتحقق هل النتائج التي تخص «وضع التدريب» الخاص بي قد تحسِّنت منذ أن انتهيتُ من الجري قبل ساعة مضت أم لا. ولم تتحسن النتائج، لذلك أغلقتُ التطبيق وحدثته، مستهجنةً بعض الشيء من عدم تحسُّن النتائج. وسألني شريكي هل تحطَّم هاتفك أم ماذا؟ متسائلًا عما أفعل: وكذبتُ عليه قائلةً: «لا شيء».

في البداية، أحببتُ تلك الساعة الذكية، التي استخدمتها لكي أصبح أسرع في سباقات الماراثون، وفجأة، كان لدي مقاييس لأشياء لم أكن أدرك حتى أن جسدي فعلها: نقطة انعطاف اللاكتات، والحد الأقصى للأكسجين الذي يمكن أن يمتصه الجسم أثناء بذل الحد الأقصى من الجهد، وتقلب معدل ضربات القلب، وكان لديَّ تقرير كامل كل مساء يخبرني عن رأي هذا الجهاز في أدائي، وسرعان ما استعصى عليَّ التوقف عن التفكير في النتائج الموضَّحة على الساعة، وأصبحت مدمنة على النظر فيها.

وفي فجر عصر الساعات الذكية، وعندما طُرِحت ساعة «أبل» في عام 2015، روَّج تيم كوك الرئيس التنفيذي لشركة «أبل» للجهاز الجديد بوصفه تقنية طموحة، الأداة القادمة التي يجب أن تكون لدى الجميع، مُزوَّدةً بالتطبيقات والميزات، وبعد بداية متعثرة، انتشرت الساعات الذكية انتشارًا كبيرًا في السنوات الأخيرة، ومن المتوقع أن تصل إلى شحنات 230 مليون وحدة بحلول عام 2026، وفي الآونة الأخيرة، سوَّقت الشركات هذه الساعات بوصفها أجهزة طبية أساسية وضرورات لأي شخص مهتم بالصحة أكثر من كونها منتجات رفاهية، وفي غمرة الجائحة، يبدو أن هذا الترويج ينجح ويؤتي ثماره.

الساعات الذكية في ظل جائحة كورونا

تحتوي بعض الماركات الآن على شاشات لرسم القلب، والتي تتيح لك التحقق من الرجفان الأذيني، ومقاييس التأكسج النبضي (قياس تشبع الأكسجين في الدم)، وهي ميزة مفيدة أثناء الإصابة بفيروس كورونا، عندما يكون انخفاض الأكسجين في الدم إشارة مفيدة. ويمكن لساعات أخرى تتبُّع تعرض بشرتك للشمس.

وإذا سقطتَ في غابة ما، فإن «أبل» تؤكد لنا، في بعض الإعلانات المثيرة للقلق إلى حد ما، أن ساعتها يمكن أن تطلب المساعدة، ولا يقتصر هذا النوع من المراقبة على الساعات: فالأسرة الذكية التي ستقدم تقريرًا عبر تطبيق حول كيفية نومك الليلة الماضية هي من بين ترسانة من تكنولوجيات مراقبة الصحة المنزلية.

وهناك مصابيح كهربائية قيد التطوير ستقيس معدل ضربات القلب ودرجة حرارة الجسم، ويدعو منتج لفحص التنفس يسمى لومين (Lumen) المستخدمين إلى التنفس في أنبوب يزعم أنه يمكنه قراءة التمثيل الغذائي الخاص بك «لمعرفة هل لديك ما يكفي من الطاقة للتمرين الذي تقوم به أم يجب عليك التزود بالطاقة».

وتشير الكاتبة إلى أن الرسالة بشأن الساعة واضحة، لم يعد القياس الذاتي مجرد طموح، إنه ضروري. وهناك مجموعة من الأشخاص المشهورين بصحة جيدة يؤيدون هذه الادِّعاءات، وتصنع شركة كوروس (COROS) ساعة لحامل الرقم القياسي العالمي في الماراثون إليود كيبشوج، وتقول جينيفر أنيستون إنها «مدمنة» على خاتمها أورا (Oura)، الذي يتتبع كل شيء من أنماط التنفس إلى نسبة الأكسجين في الدم إلى النوم، وفي عام 2017، روَّجت الممثلة والمغنية الأمريكية جوينيث بالترو لساعة فريديرك كونستانت الذكية وإيعازها الواضح بأن النساء «يتحركن أكثر ويتمتعن بنوم أفضل وتتحسن حالتهن الصحية بعد استخدام هذه الساعة الذكية».

لكن هل هذه المراقبة المستمرة لعلاماتنا الحيوية تؤدي حقًّا إلى صحة أفضل؟ لا توجد إجابة واضحة حتى الآن، ووجدت إحدى الدراسات أن الأشخاص الذين يحاولون إنقاص الوزن باستخدام تقنية يمكن ارتداؤها للمساعدة في ذلك فقدوا وزنًا أقل من نظرائهم الذين لا يستخدمون تلك الساعات، ووجدت مراجعة في المجلة الأمريكية للطب «قليلًا من المؤشرات على أن الأجهزة التي يمكن ارتداؤها توفر فائدة للنتائج الصحية». وهناك مشكلة أخرى وهي أن قدرات القياس للأجهزة القابلة للارتداء غير مثالية في بعض القياسات.

ولكن في غمرة الحماس لما تحمله الساعة الذكية من سمات، توضح الكاتبة أنها تخشى أن يتجاهل الترويج لمبيعات شبكات الأمان جانبًا سلبيًّا رئيسًا لكل هذا القياس الكمي: وهو أنه يمكن أن يتداخل مع قدرتنا على معرفة أجسادنا. وبمجرد أن تجعل رفاهيتك معتمدة على مصادر خارجية متمثلة في جهاز، ومن ثم تحوِّل هذه الرفاهية إلى مجرد أرقام ونتائج، فإن هذه الرفاهية لا تصبح مِلكك، إن البيانات تقوم مقام الوعي بالذات، ونحن ندع الأداة تخبرنا متى وكيف نتحرك، ومتى نكون متعبين ومتى نشعر بالجوع.

مراقبة التوتر في الساعة تزيده في الواقع

توضح الكاتبة قائلة: باستخدام ساعتي الذكية، كنتُ أحيانًا أستيقظ في الصباح وأتحقق من تطبيقي لمعرفة كيف كان نومي، بدلًا من مجرد أخذ لحظة لملاحظة أنني ما زلتُ متعبة. وعندما اكتشفتُ أن ساعتي يمكنها قياس مستويات التوتر لدي، بدا الأمر كما لو أنني بدأت أحمل مخططًا هرميًّا نفسيًّا باهظ الثمن حول معصمي. وكلما استخدمت ساعتي أكثر لمراقبة توتري، ارتفعت مستويات التوتر لدي.

يقول المدرب التنفيذي وخبير الأداء براد ستولبيرج، مؤلف كتاب «ممارسة الاستقرار النفسي (The Practice of Groundedness) إنه امتداد لثقافتنا الموجَّهة نحو الزحام، وقال لي: «إن ثقافتنا تعزز الاعتقاد المقيد بأن الإنجاز القابل للقياس هو الحكم السائد للنجاح، وهذه الأجهزة تلعب دورًا في ذلك. ويبدو الأمر كما لو كنت تحاول الفوز في هذه اللعبة بدلًا من أن تعيش حياتك، وبدلًا من معرفة ما يشعر به جسمك، فإنك تحصل على مجرد أرقام».

أضف عنصرًا اجتماعيًّا أو تنافسيًّا، كما هو الحال في تطبيق اللياقة البدنية «سترافا» (Strava) أو ميزات المجتمع على منتجات شركة «بيلوتون» (شركة أمريكية لمعدات التمرينات ووسائل الإعلام)، لتجد أن مشاعر التحكم والتمكين التي يمكن أن تعززها اللياقة البدنية يمكن أن تتحول بسرعة إلى العكس، وفي منتصف دورة تدريب ماراثون، اكتشفتُ خدعة جديدة: يمكن لساعتي قياس مستوى لياقتي بوجه عام، وتخصيص رقم لها، والتخطيط لتغيرها بمرور الوقت، وإخباري بمستوياتي مقارنةً بمستويات الآخرين، مصنَّفةً حسب الجنس والعمر.

وتُقْتُ إلى أن تُصدِّق النتائج على ذلك، وإذا بدا الأمر وكأنه إدمان، فذلك لأنه يمكن أن يعمل بشكل مشابه للهواتف الذكية وغيرها من أنواع الإدمان الرقمي، وهذه الأجهزة لم تصمم إلا لتعزيز التبعية.

الأجهزة تسبب الإدمان

وتنقل الكاتبة عن آنا ليمبك، أستاذة الطب النفسي والعلوم السلوكية في جامعة ستانفورد، ومؤلفة كتاب «أمة الدوبامين: إيجاد التوازن في عصر الانغماس»، الذي يستكشف السلوك الإدماني، قولها: «هذه التكنولوجيا، في جوهرها، تُضفي سمة الإدمان حتى على التمارين الرياضية، وقد تعتقد أن الجهاز القابل للارتداء الذي يتتبع أفعالي لا يمكن أن يكون سيئًا لأنه مجرد ساعة، وأنا فقط، على سبيل المثال، أراقب معدل نبضات قلبي، والذي يتعلق بصحتي الجسدية، ولكن في الواقع، يمكننا أن نفرط لا إراديًّا في تركيزنا على هذه الأجهزة القابلة للارتداء، بطريقة تشبه الإدمان».

وهذه الأجهزة لا تسجل سلوكك فحسب، إنها تؤثر فيه وتجعلك تستمر في العودة إليها، وتصبح معتمدًا على التحقق الخارجي، وهذا في حد ذاته ليس شيئًا جديدًا: كما هو الحال مع وزن نفسك على الميزان، أو حساب مؤشر كتلة الجسم، أو قياس أهداف خطوتك، فمن الأسهل قراءة رقم عن أن تعرف بصورة غريزية ما إذا كنت بصحة جيدة، لكن لا يمكنك تحديد طريقك بالقياس الكمي إلى الصحة الجيدة، إن الواقع أصعب بكثير.

ولفترة من الوقت، ربما ساعدتني ساعتي الذكية في أن أكون في حالة صحية أفضل، وأعلم أنني أصبحت أكثر رشاقة. ولكنني بدأت أشعر أن صحتي لم تعد ترتكز إلى جسدي، أو حتى إلى ذهني، ولم أكن أعرف كيف كانت تدريباتي حتى فتحت التطبيق، وكنتُ أستخدم الأرقام – والنجاح الذي تحققه – طريقًا مختصرًا للشعور بالرضا بوجه عام، ولم يعد التمرين يساعدني على التعافي من الضغوط بعد الآن، بل كان يضيف إليها.

وبالطبع يمكن أن تكون هذه الساعات مفيدة: بشأن البيانات الصحية، مثل تذكيرك بالتحرك أكثر أو ربما حتى في حالة الطوارئ تلك إذا انتهى بك الأمر إلى السقوط في غابة، ويتخذ كثير منا خياراتٍ أفضل عندما نعلم أننا تحت المراقبة.

خذ إشارتك من جسمك وليس من الساعة

وتستدرك الكاتبة قائلةً: ولكن إذا كنتَ تعتقد أن الوقت قد حان للاستراحة من الأرقام، فإنني أقترح تحديًا للعام المقبل: حاول أن تأخذ إشاراتك من جسمك بدلًا من الساعة، وهذا ما فعلته، وفي مرحلة ما من الجائحة، خلعتُ ساعتي، لقد تركتُ شريطًا من الجلد على معصمي، حيث أمضى سنواتٍ يحجب أشعة الشمس عن معصمي، ومن ثم تخلصت من تلك الساعة ولم أكلِّف نفسي مشقة العثور عليها، لم يكن التكيف دائمًا طبيعيًّا، وبمجرد أن تعهد بثقتك في شيء ما إلى مصادر خارجية، يستغرق الأمر بعض الوقت للعودة إلى الوضع الطبيعي، لكن في النهاية، توقفت عن العد وتوقفت عن التتبُّع.










شخصية العام

كاريكاتير

إستطلاعات الرأي