الكاتب المصري علي الفقي: تأثير الكتابة على القارئ «وقتيا» مثل السير في الجنازات

2022-01-17

حوار: أشرف قاسم

أصدر الكاتب المصري علي الفقي عدة روايات ومجموعات قصصية، منها «الجانب الآخر من النهر» «الذبيحة» «فوق المظلة» «حرج الأعرج» «بوابات اللهب» و«بين السماء والبحر». حازت هذه النصوص اهتمام النقاد، كما حصدت عدة جوائز، منها جائزة إحسان عبد القدوس، وجائزة نادي القصة. حول تجربة الفقي ورؤيته الإبداعية كان هذا الحوار..

«رحلة داخل المحيط» هي أولى قصصك المنشورة. كيف كانت بداية رحلتك مع الكلمة؟

البداية كانت مع الشعر، ثم أتيحت لي فرصة القراءة لكبار الكتاب مثل إحسان عبد القدوس ونجيب محفوظ والسباعي وعبد الحليم عبد الله وغيرهم من عمالقة السرد، ثم فتنت بيوسف إدريس، وكتابات جيل الستينيات، فاتجهت لكتابة القصة القصيرة، وقراءة الأدب العالمي، فتعرفت على تشيكوف وديستوفسكي وهمنغواي وماركيز، وكنت أمزق ما أكتب حتى أشعر بأنني أجود في كتابة القصة، وأحاول أن لا أقلد أحدا، وشجعني الصديق الشاعر الأمير كمال فرج، أن أرسل للصحف وكان الصديق الشاعر الراحل عبد الغني مصطفى، يأخذ القصص ويكتبها على الآلة الكاتبة ويرسلها، حتى فوجئت بنشر «رحلة داخل المحيط» في مجلة الشباب مع تقديم لسكينة فؤاد. وتوإلى بعد ذلك نشر قصصي في جميع الصحف والمجلات الأدبية المصرية والعربية، وفوزي بالعديد من الجوائز في القصة داخل مصر وخارجها.

إلى أي مدى كان لمهنة المحاماة تأثيرها في تجربتك الإبداعية؟

بالطبع كل مهنة تؤثر في صاحب الموهبة، وقد استفدت من تجارب كثيرة قابلتها وعايشتها أثناء عملي في المحاكم، فعالم المحاماة والاختلاط بنماذج عدة ومتفاوتة من البشر، لا شك في أنه يثرى الخيال الأدبي، لكنني أبتعد قدر الإمكان عن توضيح ذلك أثناء الكتابة.

في «بوابات اللهب» روايتك الأولى نلمس الاحتفاء بالمكان (بغداد) وأحيائها من خلال غربة البطل والرسائل المتبادلة بينه وبين والده، ما سر اهتمامك بالمكان؟ وكيف تلقى النقاد عملك الأول؟

كانت رحلتي للعراق في عام 1987 حتى أواخر 1989 فتنت بالعراق التاريخية وبغداد عاصمة الخلافة وحدائق بابل والبصرة والكوفة والكاظمية. ومن خلال جولاتي وعملي واحتكاكي بنوعيات مختلفة من العراقيين، واختلاف معتقداتهم ومذاهبهم وتقلبات الحياة السياسية في حكم صدام حسين، انتابني شعور بأن انهيار العراق مقبل لا محالة، فكتبت العديد من القصص القصيرة حول هذه الرحلة، التي تبلورت رؤية كاملة فعكفت على كتابة «بوابات اللهب» ورصدت فيها بأسلوب الرسائل ما أردت قوله، واستقبل النقد هذه الرواية، التي فازت بالعديد من الجوائز باحتفاء وتحليل نقدي رائع، منهم مصطفى عبد الغني، فتحي سلامة، فؤاد حجازي، محمد جبريل، ومصطفى الضبع، وغيرهم الكثير من النقاد والصحافيين. وكان هناك شبه إجماع على أن هذه الرواية لا ترصد حال العراق، وما آلت إليه، بل ترصد أحوال العرب جميعا وشعوبها وحكامها.

وماذا عن تجربة «أحلام تصطدم بالسقف»؟

أثناء وبعد 25 يناير/كانون الثاني توقع الشعب أن تكون هناك تغييرات جذرية ترضي طموحاته حول الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، خاصة بعد نجاحه في إزالة عصر مظلم قضى على كل ما هو جميل في شتى مناحي الحياة، فازدادت أمراض الشعب بدلا من الشفاء من مرضه العضال، وكانت هذه التجربة الشخصية مع المرض محور فكرة الرواية فالزوجة المريضة رمز للوطن الذي كان مريضا يبغي الشفاء بثورة، لكن الصراع الذي شهدته البلاد حول السلطة والكرسي، واتجاه البعض من المنتهزين للفرص للفوز بأكبر المكاسب الممكنة على حساب جثث الأبطال الحقيقيين، وظهور المصالح وانتشار الجرائم، ما جعل الأحلام البسيطة التي يتمناها المواطن البسيط العادي غير موجودة، فيصطدم بسقف المستحيل ويعود في النهاية للجلوس بجوار المرض وينتظر بأمل جديد.

وهل تستطيع الكلمة أن يكون لها التأثير الأقوى في ظل واقع قاس؟

أنا أهتم في كتاباتي بالإنسانية بشكل عام، في كل طموحاتها حول الحرية والعدالة الاجتماعية، وأكتب عن نماذج موجودة في كل زمان ومكان. لكنني أعتقد أن تأثير الكتابة الأدبية في القارئ أو المتلقي، هو تأثير وقتي مثل السير في الجنازات، يتأثر الشخص لحظات الدفن، ثم يعود أدراجه وطبيعته بعد هذه اللحظات، وهذا له عدة أسباب منها عدم انخراط الكاتب والمثقف بين فئات الشعب، وعدم اقتناع المواطن العربي، على وجه العموم، بدور الكاتب الذي يحمل همومه وطموحاته وأحلامه على كاهله ويعبر عنها في كتاباته، وكذا التفات المواطن إلى لقمة عيشه وتحسين أحواله المادية والاجتماعية، وانتشار الفضائيات ومواقع التواصل التي ألهت المواطن عن القراءة وتثقيف نفسه. أصبحت الكلمة التي لها تأثير هي الكلمة الدينية عند البعض، وكلمة الساسة عند البعض الآخر، وذلك أيضا لعدم تكاتف القوى الثقافية وإبراز دورها وفكرها للقيادات السياسية.

أصدرت خمس مجموعات قصصية إلى جانب رواياتك الأربع، كيف ترى مستقبل القصة القصيرة في ظل ما يروج له من أن هذا زمن الرواية؟

لاقت فكرة جابر عصفور من أن هذا زمن الرواية رواجا كبيرا، وأحدثت صدى واسعا بين دوائر الكتاب والمثقفين، حتى أن الراحل الكاتب والناقد محمد محمود عبد الرازق، أطلق مقولة مضادة بأننا في زمن القصة القصيرة، وأرى أن سبب مقولة عصفور اتجاه بعض الشعراء للرواية لرواجها وانتشارها، وقدرة الكتابة الروائية على تشريح وتفتيت الواقع أقدر من الشعر، لكن القصة القصيرة ستظل هي القالب الأدبي الأسمى في تفتيت اللحظة، وانتشار كتاب القصة القصيرة أصبح واقعا ملموسا على الساحة الأدبية، والقصة القصيرة هي الحياة القصيرة التي لا تنسى، والتي لها تأثير أقوى لدى القارئ، خاصة في ظل وجود القصة القصيرة جداً والقصة الومضة.

هل لاقت تجربتك الإبداعية ما تستحق من الدرس النقدي؟ وهل نحن بالفعل نعاني أزمة نقدية؟

بالنسبة لأعمالي القصصية والروائية فقد كتب عنها النقاد المخلصون للكتابة، لكن للحق لكي ينتشر الكاتب، لا بد من اقترابه من الحلقات الثقافية، خاصة المركزية في العاصمة، ولا بد أن يذهب للناقد ليعطيه كتابه ويتابعه للكتابة عنه، فلا يذهب ناقد لشراء كتاب، ولا يطلب من الكاتب ذلك أيضا، إلا إذا كان من المشاهير جدا، أو يحتل موقعا ثقافيا أو بابا أدبيا في جريدة أو مجلة، وإننا بالفعل في أزمة نقد حادة، فالناقد يعيش في برج عاجي ويشعر بالسادية دوما، بالطبع هذا لا ينطبق على الجميع، فهناك من النقاد من كسر هذه القاعدة، وإنني بالفعل لم ألق ما أستحق من الدراسات النقدية، وقد تجاوزتني جوائز الدولة في القصة والرواية لعدم وجود علاقات مع القائمين على هذه الجوائز.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي