الفيلم الإسباني «إل بوين باترون»: تسلط رجال الأعمال يخل بموازين العدالة الاجتماعية

2022-01-10

ينهج المخرج الإسباني أسلوب التقابل في حكيه الفيلمي، حيث يفسح المجال للصورة والحوار معا لنفي بعضهماخالد الكطابي*

بعد مرورعشرين سنة على إخراج فيلم «لوس لونيس أل صول» أي (أيام الاثنين في الشمس) عاد السينمائي الإسباني فرناندو ليون دي أرانوا، لتقديم فيلم «إل بوين باترون» أي (رئيس الشركة الناجح) رفقة أحد أبطال الفيلم، خابيير بارديم، الذي تردد كثيرا قبل دخول غمار التجربة الإبداعية الجديدة.. ويعالج فرناندو ليون دي أرانوا، مرة أخرى موضوع الشغل من زاوية رب العمل، صاحب رأس المال، وليس من خلال التركيز على تسريح العمال وحقهم في الدفاع عن أنفسهم كما تم التطرق إليه في فيلم «لوس لونيس أل صول».

قصة الفيلم

بطريقة مختلفة، يحكي فرناندو ليون كاتب السيناريو أيضا، قصة خوليو بلانكو رئيس شركة «موازين بلانكو» الذي يحاول الاقتراب من مستخدميه حتى لا تؤثر المشاكل التي يعيشونها، خارج عملهم، في مردوديتهم، خاصة بعد قرب زيارة لجنة خاصة، لمقر الشركة، لتسليمه جائزة التميز في ميدان الأعمال، التي تخول له الاستفادة من دعم مالي وتخفيضات ضريبية.
يعمل خوليو بلانكو (خابيير بارديم)على تحسين صورته متقمصا دور رجل أعمال إنساني، قريب من مستخدميه، حيث يشرع في حل مشاكلهم الشخصية، التي سيكتشف بأنها مرتبطة في ما بينها.. فبعد أن رأى تأثر المسؤول عن قسم اللوجيستيك، ميراييس (مانولو صولو) الناتج عن شكه في خيانة زوجية، سيتقمص خوليو بلانكو دور المحقق ليكتشف أن المكلف بقسم الشحن، خالد (طارق رميلي) طرف متورط فيها.. كما ساهم في تصالح أحد العمال المقربين إليه، مع ابنه وإيجاد حل مؤقت له في انتظار استخدامه، في ما بعد، للاعتداء على الغير.. ومن جهة أخرى يقوم بتسريح خوسي (أوسكاردي لا فوينتي) حيث لم يحظ بعطفه، رغم توسله بمصير ابنيه واستغاثاته المتعددة، معتبرا أن صاحب الشر كة مطالب بأن يتصرف مثل أب في أسرته، حيث يتخذ في بعض الأحيان قرارت قاسية لكنها تخدم مصلحة العائلة وتحميها.. وبعد فشل محاولات العامل المتكررة للعودة إلى عمله عن طريق التوسل، قام بخطوة تصعيدية، تمثلت في الاحتجاج والاعتصام أمام مقر الشركة، حاملا لافتات احتجاجية بدأت حدتها تتزايد حسب وتيرة الأحداث، لتصل إلى درجة القطيعة، حيث سيعلن العامل أنه لا يود الرجوع على حساب كرامته التي انتهكت. وبعدما جرب معه كل محاولات الترهيب والترغيب (استدعاء الشرطة واتهامه باستغلال أطفاله قاصرين..) التي باءت بالفشل ومحاولته التحكم في وسائل الإعلام عبر ثنيها عن التطرق للشكل الاحتجاجي.. سيقوم خوسي بلانكو بالاستعانة بشبكة من المنحرفين، منهم ابن أحد الموظفين، لفض مكان الاعتصام وحرق أمتعة خوسي بل وقتله في الأخير..

 برشور الفيلم

السرد الفيلمي

ينهج المخرج الإسباني أسلوب التقابل في حكيه الفيلمي، حيث يفسح المجال للصورة والحوار معا لنفي بعضهما، دون تغليب أي طرف على الآخر، إذ يجد المشاهد نفسه أمام لقطات تنفي فيها الصورة ما يحكيه الحوار، أو العكس، تماما كما حصل أثناء إلقاء خوليو بلانكو لكلمة يتحدث فيها عن أهمية الاقتراب من المستخدمين، في الوقت الذي يتم فيه طرد أحد العمال.. فشخصية خوليو بلانكو، مركبة ومعقدة بما يكفي، تفرض شخصيتها المؤسسة على أولوية المصلحة الذاتية التي تحتم عليه الاقتراب من الآخرين والاعتناء بهم حتى يضمن لنفسه البقاء والتسلط واستغلالهم في اقتراف الجرائم (استغلال المراهق في القضاء على خوسي)..

فن السخرية

ويعتمد الفيلم أسلوب الكوميديا الساخرة في سرده، حيث يجعل من الأحداث التي تتوإلى، بإيقاع شبه بطيء، حاملة في طياتها تناقضات الشخصية الرئيسية التي تتحكم في مصير من حولها.. تصل السخرية ذروتها، عندما يحاول صاحب المعمل الاحتجاج على وجود طائر يقتات فوق كفتي الميزان، وحركته الدؤوبة التي تجعل الميزان يتأرجح، وأمره للحارس بتنظيفه بعد أن قام بتخويف الطائر مستعملا بقوة منبه سيارته الفخمة..
واستعمل المخرج رمز الميزان للإحالة على قيمة العدالة كمبدأ كوني، في الوقت الذي يستخدمه بطل الفيلم كبضاعة تجارية، حيث يؤكد قائلا، بنفس تسلطي واستعلائي «العدالة تحمل في يدها ميزان بلانكو». ويمكن اعتبار أن الفيلم يشكل انتقادا لفساد المنظومة التي تؤطرالفضاء المقاولاتي الذي يحاول فيه خوليو بلانكو ممارسة تسلطه ونزواته.. وقبل ذلك يطرح سؤال العدالة الاجتماعية التي لن تتأتى إلا من خلال مقاومة المجتمع بأكمله، حيث يقول على لسان خوسي في أحد شعاراته: «الشعب الموحد لن يهزم أبدا».
تركز الكاميرا على قسمات وجه خوليو بلانكو وحركاته التي يبدو واثقا منها.. وتقترب أكثر، عندما تحاول رصد التفاصيل الشخصية، بل إنها تركز في بعض الأحيان على الأهداف التي لا تروق لخوليو بلانكو (التركيز على العصفور فوق كفة الميزان، حركية الكفتين، احتجاج خوسي..).
بعد إخراجه لفيلم «لوس لونيس أل صول» سنة2003، محذرا من خطر قائم، ستتعرض إسبانيا لأزمة اقتصادية خانقة سنة2008، عانت منها الطبقات الفقيرة والمتوسطة، حيث تم تسريح الآلاف من العمال وجعلهم عرضة للشمس.. وتم تتويج فيلم «السباق في دق ناقوس الأزمة» بخمسة ألقاب، خلال توزيع جوائز غويا لسنة 2003، أحسن فيلم، أفضل إخراج، أحسن ممثل رئيسي (خابيير بارديم) أفضل دور ثانوي (لويس توسار) أحسن ممثل واعد (خوسي أنخيل إيخيدو)..
ترى ما الذي سيحدث في إسبانيا بعد عرض فيلم «إل بوين باترون» الذي يضع الأصبع على تسلط رجال الأعمال وتغولهم، في الوقت الذي تمارس فيه السلطة والإعلام حيادهما وتختفي فيه أدوار النقابات، التي تترك العامل وحيدا يواجه مصيره.. والأهم من ذلك، بالنسبة لمبدعي الفيلم، كيف سيستقبل صناع السينما الإسبانية الفيلم في ليلة توزيع أحد أهم الجوائز السينمائية في العالم؟

 

*كاتب مغربي







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي