في عامه الأول كرئيس.. هل نجح بايدن في إصلاح إرث ترامب؟

The Good, the Bad, and the Ugly of Biden’s First Year
2022-01-04

الرئيس الأمريكي جو بايدن (د ب أ)

عبدالرحمن النجار

قال جاك دتش في مقال على موقع «فورين بوليسي» إنه ليس من الحكمة تحديد الخطوط العريضة لما أسماه التقرير «عقيدة بايدن» بعد عام واحد فقط من رئاسته، لكن إذا حاولنا ذلك، فلنبدأ من الأعلى. تولى الرئيس الأمريكي جو بايدن المنصب في 20 يناير (كانون الثاني)، بعد أسبوعين فقط من قيام (عصابات) مؤيدة لترامب بنهب الكونجرس.

إنه مشهد حدد إلى حد كبير السنة الأولى لبايدن كرئيس: محاولة إيجاد وضع طبيعي جديد في السياسة الخارجية للولايات المتحدة مع بلد لم يزل يمزقه الوباء والاستقطاب السياسي العميق. وإذا سعت الإدارة الجديدة إلى السير على خطى ترامب، فإن بايدن يحدق في تحديات الصين، التي لديها خطط لتكون القوة العظمى رقم 1 في العالم، وروسيا الصاعدة، التي استغلت عام 2021 لزيادة الضغط العسكري في أوكرانيا.

ومع أن الحلفاء والشركاء هم الآن أداة السياسة الخارجية اليومية، إلا أن هناك مجالًا مهمًا للاستمرارية على نهج الرئيس السابق الذي طلب منه بايدن ذات مرة أن «يصمت» في مرحلة المناظرات. وضع بايدن سياسة خارجية قائمة على الانكماش أدت إلى انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان بعد عقدين من الحرب. وبدلًا عن ذلك ستستخدم الولايات المتحدة قوتها الاقتصادية في الداخل لمحاربة ما أسمته (الإرهاب) الخارجي أو ما وراء البحار.

ويتساءل الكاتب: هل هذا سيكون كافيًا؟ يصر منتقدو بايدن على أنه ليس كذلك، وهم قلقون من أن الولايات المتحدة تفقد مصداقيتها على المسرح العالمي مع انسحاب عشوائي من أفغانستان، وإليك إليك الأشياء الجيدة والسيئة والقبيحة – بحسب وصف التقرير – بعد عام بايدن الأول في المنصب.

الأمور الجيدة

العثور على أصدقاء في أماكن جديدة: تولى بايدن منصبه مع معضلة خطيرة في السياسة الخارجية أربكت أيضًا رئيسه السابق باراك أوباما، وكذلك ترامب: وهي بطء التحالفات الكبيرة مثل الناتو أو رابطة دول جنوب شرق آسيا في مواكبة التحركات الروسية والصينية المفاجئة على المسرح العالمي. لذلك اختار فريق بايدن خوض التحدي الصعب. استخدمت واشنطن الحوار الأمني الرباعي الذي يضم أستراليا، والهند، واليابان، كمحرك للأمن وتوزيع اللقاحات في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وكتلة AUKUS المشكلة حديثًا مع أستراليا والمملكة المتحدة لتزويد كانبرا بغواصات تعمل بالطاقة النووية.

ساعد صعود الصين الهائل الولايات المتحدة في تشكيل بعض هذه التجمعات الصغيرة الجانبية الجديدة – يشير دتش. أدت المناوشة حول Whitsun Reef، حيث رست قوارب الصيد الصينية التي ترفع علمًا مدنيًا في المياه المتنازع عليها، إلى إنهاء شهر العسل بين الرئيس الفلبيني المنتهية ولايته رودريجو دوتيرتي والرئيس الصيني شي جين بينج؛ مما أجبر مانيلا على العودة إلى الاتفاق الأمني ​​طويل المدى مع واشنطن الذي سعت إلى إنهائه. ويبدو أن المغازلة التي استمرت عقودًا بين واشنطن ونيودلهي تتجه نحو شيء أكثر جدية حيث تواصل الصين حشد قواتها بالقرب من الأراضي المتنازع عليها مع الهند.

وبحسب التقرير فإن الأمر لا يقتصر فقط على المحيطين الهندي والهادئ؛ نظرًا لأن روسيا تحشد أكثر من 100 ألف جندي على حدودها مع أوكرانيا، فإن إدارة بايدن كثيرًا ما تشرك ما يسمى بوخارست ناين، الدول السابقة في الاتحاد السوفيتي، بما في ذلك بولندا ورومانيا (حيث توجد دفاعات صاروخية للولايات المتحدة) – حتى تتعهد بإضافة المزيد من القوات إلى الجناح الشرقي لحلف الناتو إذا غزت روسيا أوكرانيا مرة أخرى.

إعادة القوات الأمريكية إلى الديار: يقر الجميع تقريبًا بأن إدارة بايدن لقرار ترامب بالانسحاب من أفغانستان كان فوضويًا، وأن عودة طالبان إلى السلطة قبل أيام فقط من مغادرة القوات الأمريكية فاجأ الإدارة. ويستدرك الكاتب أن الرئيس ما زال يروج للانسحاب باعتباره إنجازًا مميزًا حيث كان عيد الميلاد هذا هو الأول منذ 20 عامًا الذي لم يكن فيه الجنود الأمريكيون في أفغانستان.

وبحسب التقرير فإن (الحرب على الإرهاب) لم تنته بعد؛ فالقوات الأمريكية لا تزال على الأرض في أماكن مثل العراق وسوريا، والطائرات بدون طيار تحلق في سماء الصومال. لكن الإدارة تصر على أن الولايات المتحدة قد تخلت عن سياسة تغيير الأنظمة التي ميزت سنوات الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش وورطت – بحسب تعبير الكاتب – حكومة أوباما في سوريا.

وقد لخص مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية الحالية الأمر وقال إن ثلاث إدارات متتالية حددت «أهدافًا عظيمة للغاية في هذه المنطقة الأكثر اضطرابًا في العالم. لكنها في العراق وأفغانستان. لقد أدركنا أن تحديد هذه الأنواع من الأهداف، والغايات تفوق الوسائل تمامًا».

الأمور السيئة

ويقول التقرير إن إدارة بايدن تعمل مع الحلفاء والشركاء في عدد كبير من القضايا، لكنها وجدت نفسها، في نقاط معينة، مقيدة عبر العملية الحذرة والمتعمدة بين الوكالات التي كان من المفترض أن تحمي البيت الأبيض من أسلوب رسم السياسة الخارجية بالتغريدات الذي اتبعه ترامب. اكتشف الحلفاء الجدول الزمني لبايدن للانسحاب من أفغانستان من خلال تسريبات إعلامية، وقطعت فرنسا لفترة وجيزة العلاقات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة بسبب صفقة الغواصات AUKUS.

على الرغم من كل الأحاديث السعيدة، خلف الأبواب المغلقة، فإن حلفاء الولايات المتحدة يسمعون كلامًا يخالف الأفعال. ظلت الإدارة محصورة في المراجعات الإستراتيجية لجزء كبير من العام، تاركة العديد من الحلفاء في الخارج ينظرون إلى الداخل ويتساءلون عما إذا كانت الولايات المتحدة لديها بالفعل خطة للتعامل مع أكبر تحدياتها الإستراتيجية، مثل الصين وروسيا.

كما حاول فريق بايدن تعديل الأمور عن طريق رفع السرية بسرعة عن المعلومات الاستخباراتية للوصول إلى تفاهم مع الحلفاء الأوروبيين في أزمة أوكرانيا، وهناك ضغط من وزارة الدفاع لانتقاد الصين وروسيا بشكل علني. لكن البعض يخشى أن تكون سنة مراجعات إدارة بايدن أكثر من مجرد عمل مزدحم. وقال أحد مساعدي الكونجرس لمجلة «فورين بوليسي» حول مراجعة البنتاجون المكتملة مؤخرًا بشأن نشر القوات الأمريكية في جميع أنحاء العالم : «لا قرارات، ولا تغييرات، ولا إحساس بالإلحاح، ولا تفكير إبداعي».

لقد تولى بايدن منصبه مع نافذة ضيقة للغاية للتوصل إلى اتفاق نووي إيراني جديد، وهو يخشى أن يتولى المتشددون زمام الأمور في طهران ويواجه إحباطًا من كل من الديمقراطيين والجمهوريين في الكونجرس بسبب عدم الإلمام بالعملية. تولى المتشددون السلطة في طهران بالفعل، ولم يزل الكونجرس غير سعيد باحتمال إبرام اتفاق نووي جديد، وتحقق إيران تقدمًا مطردًا في تخصيب اليورانيوم؛ مما ترك البعض في الوفد الأمريكي يخشون أن تكون المحادثات مضيعة للوقت.

وكان قد قال مسؤول أمريكي كبير – لم يذكر التقرير صفته أو اسمه – لمجلة «فورين بوليسي» في وقت سابق من هذا الشهر: «إما أن نتوصل إلى اتفاق سريع أو يبطئون برنامجهم. إذا لم يحدث شيء من ذلك، فمن الصعب بقاء خطة العمل المشتركة الشاملة حية».

لكن الكاتب يستدرك أن الوضع ليس كئيبا تماما، ويأمل المسؤولون الأمريكيون في أن تساعد قنوات الاتصال الجديدة بين المملكة العربية السعودية وإيران، الخصمان القديمان، في تقليل مخاطر سوء التقدير في الشرق الأوسط. كما أن الميليشيات المدعومة من إيران في العراق هادئة إلى حد كبير خلال الأشهر الخمسة الماضية، مما أعطى إدارة بايدن بعض الأمل في أن الاضطرابات التي ميزت الأشهر التي تلت مقتل قائد فيلق القدس قاسم سليماني في غارة أمريكية بطائرة مسيرة قد تهدأ أخيرًا.

الأمور القبيحة والمعضلات

ينتقل الكاتب إلى نقطة أخرى، إذ كان يُنظر إلى الحشد العسكري الروسي في أوكرانيا على أنه أول اختبار للسياسة الخارجية لبايدن في وقت سابق من هذا العام، والذي تحول الآن إلى المكافئ الجيو-سياسي اختبار قبول القضاة في أمريكا – من حيث الصعوبة والتعقيد – خاصة مع قيام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مرة أخرى بحشد القوات لتجدد احتمال الغزو.

وصف رئيس الوزراء البريطاني السابق ونستون تشرشل روسيا بأنها «لغز ملفوف في لغز داخل لغز» وهذا بالنسبة لبايدن، فهو توصيف صحيح – بحسب رأي الكاتب – إذ يأمل المسؤولون الأمريكيون في إعادة روسيا إلى طاولة المفاوضات لإجراء محادثات الشهر المقبل بدلًا عن تصعيد الموقف.

وبحسب رأي الكاتب فإن بعض أفرع الإدارة لامريكية الحالية تنظر إلى روسيا على أنها مشكلة صغيرة، وهناك رغبة في حلها حتى يتمكن بايدن من التركيز على أشياء أكبر، مثل الصين، لكن أثبتت موسكو أنها تشكل تهديدًا أمنيًا مزعجًا على المدى القريب – وليس فقط في أوكرانيا. تصارع البنتاجون ووزارة الخارجية الأمريكية مع مجلس الأمن القومي الأمريكي في الجزء الأكبر من العام حول إرسال المزيد من المساعدة الدفاعية الفتاكة إلى أوكرانيا. تراجع مجلس الأمن القومي في سبتمبر، لكن حزمة أخرى تنتظر التوقيع على مكتب بايدن.

الرئيس الأمريكي السابق ترامب (ا ف ب)

ويتساءل الكاتب إذا ما كنا سنشهد عام 2014 مجددًا – كناية عن تكرار سياسات أوباما مع روسيا – إذ قالت مصادر مطلعة على برامج العقوبات الأمريكية إنهم قلقون من تكرار الولايات المتحدة خطأ عهد أوباما المتمثل في محاولة منح روسيا مخرجًا من الصراع.

أما في الشأن الأفغاني، أخرج بايدن القوات الأمريكية من أفغانستان بالفعل، لكن ذلك كان بتكلفة. قتل نحو 13 جنديا أمريكيا في أغسطس عندما استهدف تفجير انتحاري لـ«تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)» نقطة تفتيش أمنية في مطار كابول. الآن يصر الجمهوريون في الكونجرس – المتأهبون لاستعادة أحد المجلسين أو كليهما – على أن وزارة الخارجية تعيق بحثهم عن إجابات حول الخطأ الذي حدث. وقد ترك الشتاء القاسي حركة طالبان عاجزة في الغالب عن إطعام بلد يعاني من سوء التغذية، حيث تواجه الصين والولايات المتحدة مصاعب (دبلوماسية) بشأن إعفاء المساعدات الإنسانية.

ولكن حتى مع إصرار بايدن على أن السياسة الخارجية للولايات المتحدة تبتعد عن الحرب على الإرهاب، فإن المشاهد اليائسة من أفغانستان جعلت بعض المحللين والخبراء ومساعدي الكونجرس يفكرون. هل يمكن تطبيق إستراتيجية ضرب أهداف إرهابية من القواعد الأمريكية في الشرق الأوسط بالفعل دون وجود أصول استخباراتية على الأرض؟ وهل يترك الانسحاب الأمريكي فراغًا في السلطة تستغله الصين وروسيا؟

لم يمنح الانسحاب إدارة بايدن مكاسب عسكرية للتركيز على المحيطين الهندي والهادئ — على الأقل ليس بالقدر الذي كانت تأمله. على الرغم من تعهد بايدن بأن يسير عكس لترامب، فإن أسلوبه الاقتصادي لمواجهة بكين من خلال النمو الاقتصادي والتعريفات المستمرة يبدو مألوفًا بشكل مخيف. تقوضت الجهود المبذولة لنقل المزيد من القوات الأمريكية إلى آسيا بسبب السياسات الداخلية في المنطقة والبيروقراطية في واشنطن.

كما أن دفع بايدن لجعل الولايات المتحدة منارة للقيم الديمقراطية في الخارج – في الغالب من خلال قمة افتراضية – يواجه تحديًا سياسيًا في الداخل من قبل عشرات الجمهوريين الذين لم يقبلوا هزيمة ترامب في الانتخابات. مع كل ذلك ستكون السنة الثانية بالنسبة لبايدن رحلة صعبة.










شخصية العام

كاريكاتير

إستطلاعات الرأي