قصائد مبلّلة

2022-01-02

جو قارح

لماذا انتظار المطر للكتابة؟

كأنّه لا تكفينا العواصف القاسية داخلنا،

وكل ما تمطره أطراف أيدينا أمامنا،

أيجفّ عند تثاوب الشّمس؟

أيتبخّر ويسرح فوق البحر وبين الغيوم؟

الشّتاء رجلٌ خطير،

أمهر المعذّبين،

يجبرك على توقيع اعترافاتك دفعة واحدة،

تملأ الصفحة تلو الأخرى وكلامك نهر جارف لا يردعه شيء،

لا سترتك السّميكة إن أمسكتها وخنقتها بين يديك،

ولا يداك،

وكم تعذّبت يداك!

***

غزارة في الكتابة،

غزارة في المطر،

تكتب لأنّك وجدتَ مَن يفهمك،

مَن طال غيابه،

تكتب كأنّك مطر ضعيف غيومه نادرة بطيئة،

وتعبر،

خفيف كطيران عصفور صغير مبتدئ،

لا تأتي عادةً مع العواصف بل عندما يناديك قوس القزح من أرحام قطراتك لتفجّره،

هكذا تأتي،

رحومًا،

تخطف البرد رهينةً،

لستَ مطرًا شتويًّا بل ربيعيّ الهوى،

لكن البكاء كيفما زارك يشدّك للرقص معه،

للإمطار فوق راحات كلماتك.

تكتب كأنّك ريح ضائعة،

تدفع الحيطان المكفهرّة والشّبابيك الشّاردة دون جدوى،

تتخبّط في المساء كيلا يراك أحد،

يقولون إنّ رؤية الهواء المستحيلة،

لكنّ وجناتي أخبرتني عن نعومة يديه،

وشعري استرسل في وصف خفّة حركته.

تكتب كأنّك عاصفة منسيّة،

تنتظر السّنوات لتمرّ لعلّ فمك يكبر فتصرخ بصوت أعلى،

لكن كل ما عليك قوله يَعبر هانئًا من بين مفصّلات الأبواب.

***

قطرة ماء طائشة على زجاج غرفتك كفيلة لإعلان وقف إطلاق النّار،

الاستسلام فوريّ محسوم،

لا وقت للمزايدات،

إيقاف سيولك الجارفة مهمّة عسكرية رفيعة المستوى،

مزاجيتك الثّملة تتمختر مترقّبة نزول القطرة المناسبة،

مَن قال إنّها ستُرمى أمامك وليس داخلك؟

المطر في الخارج جميل وفي الدّاخل مُرّ.

***

أخاف اشتداد العواصف فتزداد السّيول وتفيض المجارير،

لستُ مستعدًا لرؤية أحلامي تتشمّس على الأرصفة وإسفلت الطّرقات الفرعيّة،

كما أنّني لستُ مجبرًا على اشتمام رائحة التطمينات الحميمة والآمال الكافرة،

أستطيع محاباة أوساخي طالما التصقتْ عليّ،

أغطّيها بقطعة قماش أو بجلد كخدعة بالية،

لكن أن تفاجئني بفوران جارف فهذه نهايتي،

المجارير تحمل أسرارًا وفضائحَ واعترافات تهزّ دولًا بأسرها،

مشاعررومنسيّة مهرطقة وغراميّات مضحكة قد تتورّط فيها أكثر من شخصيّة بارزة على الرّصيف،

فلنصلِّ كيلا تمطر بغزارة هذه السّنة،

لأنّ الشّتاء فضيحة العصر.

***

كأنّ المرايا في منازلنا الضّيقة لا تكفينا،

فتأتي بقع الماء الحافية لتنهي المهمّة،

ترى وجهك من جديد،

التجاعيد نفسها لكن بعد تنقيح سريع،

لتتذكّر دومًا أنّ تلك الضمادة لا تقشرها الأمطار،

تبقى دومًا رهينة يديك ولسانك المشتاق.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي