في سورة المحو

2021-12-17

قاسم حداد

بالمعنى الرمزي، لم يعد الوجود العربي موجوداً. فالوجود، حتى تجريداً، يتطلب شروطاً تقنية يقصر واقع التجلي العربي عن تمثّلها، أو الاستجابة لطبيعتها الإنسانية. مجريات الحادث العربي وعلاماته تشير إلى غيابٍ فادحٍ عن الفكرة الواقعية الحيوية، التي تجعل الحضور العربي فعالاً، ناهيك من أن يكون موجوداً.

٭ ٭ ٭

الوجود العربي يتماهى، في لحظته التاريخية، مع أكثر المظاهر غياباً عن الزمان، وهو أيضاً لا يكاد يكون متصلاً، منطقياً، بالمكان الإنساني. «الآن» و»هنا» لا يشكلان شرطاً لازماً للعرب الموجودين مادياً في التاريخ، أو انهم يتوفرون في التاريخ كقصة وليس كعلم.

٭ ٭ ٭

وبالقدر الذي يباهي العرب بامتياز المكان (العربي) فهم يفرطون في أهليتهم الوجودية بهذا الامتياز الفذّ. كما أنهم، في الوقت ذاته، لا يلتفتون لجوهرية الزمان كشرط أول لكينونتهم. وليس بلا دلالة أنهم انتظروا القرون السابقة ليكتشفوا الفشل الذريع لمشروع السعي نحو حكم الدين في الدولة الإسلامية. وهو انتظار غير فعال لكونه انتظار المتثائب، غير المكترث بتفاؤل أو تشاؤم فكرة الحضارة، فيما يعمل العالم على تطوره.

٭ ٭ ٭

الانهيارات البنيوية التي تُحدثها حركات وأفعال التقهقر في (الحياة) العربية، تحجب العرب عن وجودهم الكونيّ، وتحول دون شهادتهم على ذاتهم. ثمة آلات القتل اليومي على طريقة (الهاريكاري) يتعرض لها الوجود العربي يومياً، بأدوات ذاتية وروافع موضوعية، تصدّ النزوع الإنساني الطبيعي وتمنعه عن التنفس والحلم والسعي للتحقق.

٭ ٭ ٭

عندنا، المكان، ليس مكانةً.

الوقت سيفٌ يتمرن به البعض على الحياة. «ألف ليلة وليلة» تاريخٌ يتماثل، كلما التفتَ العربُ للتاريخ.

لا يكون الوجود بالرغبة،

الوجود بالفعل.

فيما نحن ردة الفعل اللامتناهية منذ الأزل. نتذكر أعضاءنا المنسية عندما نحتاج لها، وهذه الحاجة تتطلبُ فعلاً يندر تداوله.

لماذا نغيب عن النص،

مثل أشخاصٍ يتعلمون المحو قبل الكتابة.

٭ ٭ ٭

نؤجّل عمل اليوم إلى الغد، غدٌ لا يأتي.

الوقت ليس بمنظورنا زمانا يُعتدّ به، أنما هو ضربٌ من حراك الفيزياء من حولنا دون تناحظ الأواني المستطرقة.

فأدركنا الوقتُ، ليمحونا علانية،

فليس لنا سوى الغابات،

نلجأ كي تؤانسنا وحوشٌ من طبيعتنا.

لنا الشجرُ الوحيدُ،

لنا تهويدة القتلى وهم يبكون

لنا في عقلنا المجنون

أو للماء أسبابٌ تفسرنا

لنا، من بين أحلام تبررنا، يد الموتى

توارينا وتهتف في فم الخسران

علَّ المرتجى من آخر القتلى يعلّمنا

من الموت الرخيص

من الشظايا

وهي تفتك بالبقايا من وصايانا

لنا في حكمة الأطفال

طفلٌ قال:

«نمشي دون أقدام، وفي يدنا القيود

لنا تفاسير المرايا،

أو لنا ما يستثير القلب من وجع البقايا

هل لنا موتٌ، وهل بين الضحايا

مَنْ يؤلفنا ويفتح للمدى بابَ المساء

لك نموت على صدى الأشلاء،

نمشي مثل ظل الماء»

طفلٌ قال.

٭ ٭ ٭

نصوصك لصوصك

جنيات باطشات

يسرقن ما سهرت على بذره وزرعه

يحصدن عنك العنب

ويشربنَ النبيذ.

وحين يأتي أوان المائدة

لا تجد سوى الأظلاف ونصال الكواسر

يتلجلجنَ في أواني الفخار

لا يكفونك حتى لخديعة الجوع

ومقايضة العطش

فاحذر النصوص المسرودة

وتنبَّه

لمن سوف يخطف الهواء من رئتيك

ويخطفك من اليأس.

شاعر بحريني







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي