الكاتبة التونسية فتحية دبش: النقد الأدبي انتهى كسلطة لكنه لم ينته كممارسة

2021-12-17

حوار: علوان زعيتر

لولا النقد لما تطور الأدب، إذ أن النقد كان يرتبط بالأدب بعلاقة أشبه ما تكون عضوية، موازياً الأدب بكل مراحله في التحليل والتفكيك وسبر الأغوار، كذلك كان يشكل نقطة قوة للكاتب، ولعل أبرز الكتاب ممن كانوا يخافون النقد الكاتب الألماني غوته، ذلك في قوله الشهير «اقتلوا الناقد». ولو عدنا إلى القرن الماضي، نلحظ أن الحركة الأدبية كانت في أوجها، رغم أن الإنتاج كان شحيحا، لكن المادة الأدبية غنية للغاية، كما في أعمال (نجيب محفوظ، عبد السلام العجيلي، الطيب صالح، وغيرهم).

وبينما كان الأدب يتناول قضايا عديدة مفصلية في مجالات عدة، أمسى اليوم يركز على الغلاف والصورة والتسويق والربح المادي، على حساب الفكرة، من هنا نستطيع أن نرى المعيار والميزان، ألا وهو (الناقد) إما أن يكون أمينا، أو تاجرا منافقا، وهذا الأخير يعكس خطرا على المنظومة التعليمية والأدبية.

اليوم أمام كثافة في المنتج الأدبي.. شعرا، قصة، رواية. وأمام ما يجري من تراجع للكيف على حساب الكم، في ظل غياب النقد والنقاد وتراجع دورهم من التحليل إلى المحاباة، يفقد الناقد قيمته، بل صار مشاركا في إضافة دولار إلى دور النشر وإنتاج الجهل من خلال تزكيته لكاتب غير جدير بالتزكية، ولكي نعرف أكثر إلى أين وصل الحال بالنقد والنقاد كان الحوار مع الناقدة والكاتبة التونسية فتحية دبش..

لماذا تغير الناقد بين الأمس واليوم؟

أقرا كثيرا من المقالات والمنشورات سواء تلك التي يكتبها الهواة أو المحترفون، وكثيرا ما وُجهت أصابع الاتهام للناقد الذي تغير بين الأمس واليوم. هذه الاحتجاجات تعني أن الناقد متهم بالتقصير، وبالحياد عن جادة النقد، وبالفعل وراء هذا القول حقيقة تفيد بأن النقد ليس بخير.

لكن هل لأن الناقد/ة ليس بخير فقد أصبح النقد أيضا ليس بخير؟ أم هو العكس؟

لا بد للناقد من أن يتغير نحو الأفضل أو الأشمل وليس عليه أن يتغير منحرفا نحو ابتذال النقد والتقليل من شأنه. الناقد اليوم غالبا ما يتهم بالفساد. وتهمته أنه يستخدم النقد كسلاح سواء للغواية أو للقصف. وهذا فساد لا يليق بالنقد والناقد. الناقد عليه أن يعي حجم مهمته ومسؤوليته، فيرتفع بالنقد نحو سماوات الإبداع لا السقوط في مستنقع المصالح. الناقد اليوم أمام تحديات أكبر من ذي قبل. ذلك أن النقد بدأ يفقد سلطته أمام اقتحام القارئ العادي منطقة القراءة والنقد والتقييم، لذلك فهو ملزم بالتغير لكن كيف وفي أي اتجاه، يبقى السؤال قائما.

يقول الغذامي إن النقد الأدبي مات وحل محله النقد الثقافي.. ما رأيك؟

معنى ذلك أن النص الأدبي لم يعد في صدارة اهتمام النقد، وأن الاهتمام صار متوجها نحو ثقافة النص لا أدبيته. ولهذا القول وجهان. أولهما يؤكد أن النقد في مرحلة خلخلة وبحث عن توازن جديد، وأن النص ليس فقط نصا أدبيا. والثاني هو أنني لا أستطيع التسليم بمقولة الغذامي، كما لا أستطيع نفيها. فبنظري انتهى النقد الأدبي كسلطة، لكنه لم ينته كممارسة بل هو يحتاج للنقد الثقافي والنقد الثقافي يحتاج للنقد الأدبي.

إلى أي مدى ساهم الفضاء الافتراضي في تراجع الكيف مقابل الكم؟

الفضاء الافتراضي ساهم في نشر الإنتاج، وترك المجال لكل من يريد أن يكتب. وهذا الكم الضخم لا يعني بالضرورة أن الكيف مفقود، بل أعتقد أن هذا الكم دليل وعي الإنسان بخطورة الكتابة وضرورتها، وأيضا خطورة التكنولوجيا وضرورتها. هذا الكم هو بلورة لمنطق جديد يحكم علاقة الإنسان بالكتابة والقراءة وهو أيضا بلورة لوعي جديد يريد تغيير نفسه وواقعه، فيكتب متخففا من شروط كل شيء. تمسكنا بالماضي هو ما يشعل حنينا ونوستالوجيا لسلطة النقد الذي يفرز الغث من السمين، بينما اليوم لا نحتاج إلى ذلك، بل نحتاج أن نفهم ماذا يقول لنا هذا الكم.

وكيف ترين مستقبل النقد؟

مستقبل النقد لا بد أن يكون من مستقبل النص الإبداعي. فإذا كان هذا الأخير قادرا على التجدد فلا بد أن يكون النقد كذلك، أما الحلول فهي تكمن في تخلي النقد عن نرجسيته وغروره. فهو لا يحيا إلا بحياة النص. بمعنى أنه لا وجود للنقد خارج وجود النص وهي حقيقة ينساها النقد عادة فيتخبط طويلا قبل أن يدركها. ليس معنى ذلك أن كل النصوص هي نصوص تصلح للنقد، وأن النقد عليه أن يتناول كل النصوص، بل معناه أن على النقد أن يعي أنه يمكن أن يتجاوز بعض النصوص وأن بعض النصوص يمكنها أن تتجاوزه، وليس ذلك من باب التقزيم، بل من باب أن الكتابة متجهة نحو الاتساع والتشظي وعلى النقد أن يتجه نحو الاتساع نفسه.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي