رواية «فتنة العروش» للعمانية زوينة الكلباني: حين يلتقي التخييليُّ بالسّيري ويحتفي السّرديّ بالشّعري

2021-12-08

البشير ضيف الله

عن دار كلمات للنشر والتوزيع، صدرت رواية «فتنة العروش» للعمانية زوينة الكلباني في حدود 340 صفحة من القطع المتوسط، بعد رواياتها: «ثالوث وتعويذة»2011 «في كهف الجنون تبدأ الحكاية» 2012 «الجوهرة والقبطان» 2014 «أرواح مشوشة» 2017 والخيط الرفيع الذي يفصل بين هذه الروايات جميعها الاتكاء على التاريخ العماني الحافل بنسب متفاوتة٫

لعلّ «فتنة العروش» محاولة للمّ شمل هذا التنوّع التاريخي بكلّ حيثياته، والقول الفصل في أحداث ميّزها الصّراع بين أجنحة عديدة على الحكم «النباهنة، الأئمة، هرمز، الجبور» في فترة من أدقّ فترات التاريخ العماني ـ كما يُشير إليه النّاشر- في غلاف الرواية: «رواية تاريخية تقدم رؤية فنية شديدة الإنسانية لحقبة مهمة في تاريخ عمان تنازعتها أهواء المؤرخين، واختلفت فيها رؤاهم ومروياتهم، حيث كان الصراع على حكم عمان – في القرنين التاسع والعاشر الهجريين – يدور على أشده بين: النباهنة، الأئمة، هرمز، الجبور، وتلقي الكاتبة الضوء على هذه الحقبة من خلال نص تخيلي عصريٍّ مواز، حيث اكتُشفت مخطوطة أثريّة تروي حياة الملك الشاعر سُليمان بن سُليمان بن المظفر النبهاني، وتصوِّر جانبا واسعا من طبيعة الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية في ذلك العصر، وتتجلى قدرة الكاتبة على الخلق والابتكار في التعمق بشخصية الملك سليمان النبهاني – التي كانت مثار الجدل – وإظهار جوانبها الإنسانية عبر فضاءات سردية رحبة ومتنوعة، فيبدو الملك سليمان أبا وزوجا وعاشقا وشاعرا رهيف الحس والشعور، كما يبدو قائدا ورجل دولة يحاول انتشال أرضه من حافة المخاطر والخيانات التي كانت سببا في نهايته المأساوية». ولا يغيب عن ذهن القارئ حضور سيرة الشاعر الملك العاشق سليمان بن سليمان النبهاني المتوفى سنة 910هـ -1510م، الذي اكتشفت الكاتبة تفاصيل حياته والأحداث التي تعرّض لها كملك، وكشاعر، وكعاشق ولهان بمحبوبته «راوية» عن طريق مخطوط «عثرت عليه بعثة تنقيب أثرية معنية بدراسة النقوش الحجرية في حصن أسود في بلدة مقنيات، كان مخبّأ داخل صندوق في تجويف في جدار، تبيّن أنّ بعض أورقه متضررة، تمّ ترميم التالف منها يدويا بسدّ الفراغات والثقوب، وتجميع الأجزاء المتآكلة، المخطوط عبارة عن طروس الملك الشاعر.. الذي عاش في القرن التاسع الهجري، العنوان مكتوب بحروف مذهّبة شديدة اللّمعان، وممهور بختمه في ثلاثة مواضع، الأشعار الواردة في كلّ طرس هي نفسها الواردة في ديوانه المنشور، أغلب الأحداث المحكية تصور وقائع تاريخية في حياة الملك سليمان بن سليمان الشّجية، وعصر النباهنة الغزير الأحداث الذي دام أكثر من خمسة قرون» (الرواية). ولمْ تغفل الروائية توشيح المتن ببعض من أشعاره، حيث تمتثل بعض نصوصه على غرار قصيدته (أمن عرفان أطلال بوالي) التي يقول مطلعها:

«أسائِلُ عنكِ رايةُ كلّ ركب

فهلا تسألين بسوءِ حالي؟

حلالي مِنكِ تعذيبي وهتْكي

فقولي هلْ حلالكِ ما حلالي

حرامٌ يا مليحةُ قتلُ مثلي

فكيف تُحلّلين سِوى الحلال

أنا الصّبُّ المتّيمُ والمعنّى

وإن كنتُ المعظّم في الرجال

تغلغل حُبُّ راية في ضميري

ولولاه لكنتُ نعيم بالِ»

هذا الشاعر الذي خرج على الإمام أبي الحسن بن عبد السلام النزوي، وحكم عمان بانتهاء عهد «النبهانيين»، ليخلفه في ما بعد باتفاق الأئمة محمد بن إسماعيل. من هنا يمكن فهم سير الأحداث وتراتبيتها وفقا للمعطيات التي ألمحتْ إليها الكاتبة حين توشّح مقدمة الرواية بعبارة مهمّة لإينيوس الثامن:

«سوف أغني للحرب، وللدماء المراقة وللغضب، للمعارك التي خاضها الملوك ورعاياهم، للأروح المغرورة التي صارعت بعضها في ميادين المعارك وفيها انتهت»، وذكرت أيضا عبارة لنبي الثقافة العالمية يوهان فولفانغ جوته، أبرز أدباء ألمانيا في القرن الثامن عشر: «أعمق موضوع في تاريخ الإنسان هو صراع الشك واليقين»(الرواية).

إنّنا أمام منجز يحتفي بعلم من أعلام التاريخ والأدب العماني – مهما اختلفت المصادر- شاعر جمع بين السلطة والفروسية والحكمة والتدينّ والشّعر، وكأنّما اتخذّت الرواية على عاتقها مهمّة نفض الغبار عن تراكم شعريّ يحتاج إلى احتفاء، ولو بأثر رجعي، ومن ثمّة فإنّ كلّ قول بأجناسية الكتابة يمّحي في رواية «فتنة العروش» التي جسّدت فعل «الكتابة والمحو» من خلال عناوينها الداخلية التي تتوزع على سبع عشرة طرسا، و»الطرس» –بحسب المعاجم – الصحيفة أو الكتاب الذي كُتب، ثمّ مُحي، ثمّ كُتب، ولعلّها المهمّة المضمرة للرواية، كمنجز اشتغل على الموضوع التاريخي ظاهرا، وسلّط الضوء على كثير من الزوايا الظلِّيلة بما يمثل فعل إحياء ـ قد يكون مقصودا – لقيمة أدبية تمثل إضافة مهمّة للمنجز الشعري التاريخي العماني الحافل من جهة، ومن جهة أخرى تقف على مسافة واحدة من «التخريجات» التاريخية لحكم «النباهنة»، آخذة على عاتقها إعادة قراءة المحمول التاريخي بعيدا عن الأحكام الجاهزة، و«الينبغيات» التي قد تمليها ظروف ليست موضوعية في كثير من الأحيان، خصوصا عندما يتعلّق الأمر بالمحمول التاريخي العربي ككلّ، ومن ثمّة فإنّ جرأة الطّرح تجعلنا نعيد قراءة التاريخ العماني الحافل من خلال فعل التحفيز الذي حرّكته الرواية هذه المرّة، باختيارها شخصية نموذجية تحرّك في القارئ العربي شيئا من الفخر والولع الشّعري ببطولات الأجداد وأمجادهم:

«أنا الذي استخضع الأملاك فانخضعتْ

واستخدم المرهف البتّار والقلما

أنا أجلّ ملوك الأرض مرتبة

نعمْ، وأكثر أملاك الورى همما

مناقبي كنجوم الأفْق في عددٍ

ونائلي لوفودي يفضح الدّيما» (الرواية)

كاتب من الجزائر







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي