الكاتبة الأمريكية دانييل ستيل: أشعر بمسؤولية إعطاء الناس إحساساً بالأمل

2021-12-02

ترجمة وإعداد: ياسين سليماني

عرف القارئ العربي دانييل ستيل من خلال العديد من الترجمات، التي تتصدرها عبارة (الأكثر مبيعا في أمريكا) مثل روايات «أبي» «منزل في شارع الأمل» «خمسة أيام في باريس» «مستحيل» وغيرها، إلا أنّ هذه الترجمات ليست في الواقع إلا جزءا صغيرا من الكتابات التي نشرتها بنجاح الكاتبة السبعينية ــ مواليد عام 1947 ـ التي تقسم وقتها بين الإقامة في منزلها في نيويورك وشقتها في باريس، فمن خلال العمل على آلة كاتبة عتيقة كانت تمتلكها منذ بداية حياتها المهنية كتبت ستيل ما يزيد عن 170 رواية، وزعت منها مئات الملايين من النسخ، وتمت ترجمتها إلى ما يقارب ثلاثين لغة، إضافة إلى كتب للأطفال وبعض الأفلام والمسلسلات القصيرة. التقتها أليسون بيرد من مجلة Harvard Business Review وتمّ نشر الحوار في عدد نوفمبر/تشرين الثاني/ديسمبر/كانون الأول 2021.

لماذا وكيف تنتجين بهذه الوتيرة الجنونية؟

اعتدت عدم إنجاز العديد من الكتب في وقت واحد لأنني كنت أربّي تسعة أطفال، وهو ما يستغرق وقتًا طويلاً، لكن في مرحلة معينة، كان الناس يقولون: «ألا يمكنك الكتابة أكثر؟ ألا يمكنك الكتابة بشكل أسرع؟» طلب مني الناشر من أربعة إلى ستة كتب سنويا، وفكرت، هناك تحدٍ، لقد عملتُ دائما على العديد من الكتب في وقت واحد، على أي حال مثل فنان يعمل على لوحات مختلفة ويضعها جانبا، ثم يعود إليها، ثم سألوني إذا كنت سأذهب إلى إصدار الكتاب السابع، ووجدت نفسي أستمتع بهذا.

بعد الكثير من الكتب، كيف تأتين بأفكار جديدة؟

معظم الوقت تسقط الأفكار من السماء، أحيانا أقرأ قصة في جريدة أو أسمع عن تجربة شخص ما فتتأجج في ذهني وبعد ذلك ألعب معها لمدة يوم أو يومين، وأقوم بتدوين الملاحظات إذا لم تعجبني الطريقة التي أشتغل بها في تلك الخربشات الأولية، فأنا لا أتابعها. لكن إذا بدا أنّها تستحق الجهد فأنا أكمل العمل فيها، أبدأ في التفكير في تقلبات الأحداث والشخصيات المختلفة، وهي كرات ثلجية، يمكن أن تستغرق هذه العملية ستة أشهر، وهو أمر مهم للغاية لأنني تعرفت على الناس في الرواية وبدأت الحبكة في الظهور، ثم أقوم بعمل مخطط مكتوب على الآلة الكاتبة أرسله إلى المحررة الخاصة بي وأسألها: هل تعتقدين أنه ممل أم جيد؟ في بعض الأحيان تحب الفكرة، أو يهمّها شيئان أو ثلاثة أشياء، عندما نتفق على هذا أكمل.

وكيف تسير العملية بعدها؟

أكتب كل مسودة من البداية إلى النهاية، أنا لا أعمل على بعض فصول الكتاب وأنتقل إلى آخر، لأنني سأكون في حيرة من أمري، فقد أضع شخصية من رواية في أخرى عن طريق الخطأ، وعندما أعيد القراءة أفكّر: يا إلهي، ما الذي يفعله هذا الشخص هنا؟ لذلك أكتب مسودة كاملة لكنني أضعها بعيدا، بينما يراجعها المحرر ويذهب إلى كتاب آخر. أقوم بإنجاز حوالي خمس مسودات لكل منها، العملية جيدة، عندما أعود، أرى أشياء أريد إضافتها أو أشياء أعتقد أنها غير ضرورية.

كيف تديرين كل تلك المواعيد النهائية؟

أنا لست واحدة من هؤلاء الكتاب الذين يشتغلون بالكتابة ساعتين أو ثلاث ساعات في الصباح، ثم يعيشون حياتهم، عندما أعمل على كتاب ألتزم به حقا، لديّ الكثير من الطاقة ولا أنام كثيرا، ليست لديّ هوايات، أنا لا أقوم بأشغال البستنة أو التطريز، لم أتلقّ دروس العزف على البيانو من قبل، أنا شديدة الانضباط، أعمل حوالي 20 ساعة في اليوم. آخذ حوالي خمسة أيام عطلة في عيد الميلاد، إذا سمح ناشري بذلك، وحوالي أسبوع في الصيف، عندما يكون أطفالك صغارا فأنت تركضين إلى صفوف الباليه وممارسة كرة القدم وأخصائي تقويم الأسنان، ولا توجد ساعات كافية لكن عندما ينتهي ذلك يظهر السؤال: ماذا أفعل الآن؟ انتهى زواجي في الوقت نفسه الذي غادر فيه الأطفال، لذلك عملت أكثر فأكثر، ليس لديّ أي شيء آخر لأفعله! وحتى عندما كنتُ في غمرة الأمومة، كنت أنشر أربعة أعمال في السنة، وأكتب فقط حين ينام الصغار، أو بمجرد وصولهم إلى المدرسة، كنت أكتب أثناء وجودهم هناك ثم أكتب مرة أخرى عندما يذهبون إلى الفراش، حتى أنام حوالي أربع ساعات.

متى أدركتِ أنها قد تكون مهنتك؟

مثل معظم الأشياء في الحياة، حدث ذلك بالمصادفة، لطالما أردت أن أكون مصممة أزياء. ذهبت إلى المدرسة الفرنسية وقضيت الكثير من حياتي في أوروبا، وكان حلمي أن أذهب إلى مدرسة بارسونز للتصميم، وهذا ما فعلته. لكن كان العمل في بارسونز مكثفا للغاية، فهو يقضي على الأشخاص الذين لم يتم تكوينهم للتعامل مع ضغوط صناعة الأزياء، كان عمري 15 عاما عندما وصلت هناك ، كان الأمر فظيعا، لذلك انتهى بي الأمر للعمل في وكالة إعلانات، ونشرتُ مرة في إحدى المجلات النسوية فقيل لي: «أنت تكتبين جيدا. يجب أن تكتبي كتابا». كنت في التاسعة عشرة من عمري، متزوجة ولدي طفل وُلد حديثا، وفكرت، أوه، حسنا، الشباب فترة جريئة للغاية: تعتقدين أنه يمكنك فعل أي شيء، لقد جربت الأمر واستمتعت به. كان لزوجي صديق كان والد زوجته وكيلا مهما له، وقد أعطيته كتابي. لقد استغرق وقتا طويلا للعودة إليّ وأخيراً قال بلطف: «هذه ليست موهبتك. يجب أن تستمتعي بطفلك، وأن تتعلمي الطبخ» لم أفعل ذلك، بالمناسبة، كما سيشهد أطفالي فأنا أطبخ لكنها تجربة مروّعة للجميع، ثم وجدت وسيطة ثانية، امرأة، كانت مهتمة جدًا ببيع الكتاب إلى ناشر، عند هذه النقطة كنت قد كتبت كتابا آخر بالفعل، ثم كتبت خمسة أخرى، لكن لم يتم بيع الأعمال لأي شخص، لذا لا تسأليني لماذا واصلت الكتابة. أنا مدمنة مخدرات فعلا.

ولماذا تمسكت بالأمر؟

أنا عنيدة دائما، كنت لا أزال في وظيفة، عملت في تلك الوكالة الإعلانية لمدة خمس سنوات، ثم قمت بتدريس الكتابة الإبداعية، لذلك كانت الكتب هامشية، أخيرا، بعد حوالي 11 عاما، قررت أن أجربها (أي الكتابة الإبداعية) وأرى ما إذا كان بإمكاني تحقيقها في كتاباتي، وفعلت، لكن ذلك لم يحدث بين عشية وضحاها. فقط كانت لديّ فقط قصص في رأسي أردت أن أرويها، لذلك واصلت الكتابة أكثر، ثم حدث الإقلاع.

هل كان لديك أي موجهين؟

ذلك الرجل الذي قال لي أن أنسى الكتابة كان في الواقع وكيل أليكس هالي (الكاتب الأمريكي صاحب كتاب جذور: ملحمة عائلة أمريكية والذي تمّ تحويله إلى مسلسل حقق ملايين المشاهدات) أصبح مرشدي، التقينا في مأدبة غداء، وقرأ كتابي الأول وقال: «ستصبحين مشهورة يوما ما» لقد كان داعما رائعا وصديقا جيدا وبمثابة أب بالنسبة لي، أنا بومة الليل الرهيبة، لأنني أنجز الكثير في الليل، وكان هو معتادا على الاتصال بي في الثالثة صباحا: «هل تعملين؟» أقول: «نعم أنا أعمل» يردُّ: «حسنا هذا جيد» ثم يغلق الخط.

حصلت على دعم كبير إذن من رجال مثل أليكس ومورت؟

نعم، وكان هذا الدعم مهما لأنني لم أحصل عليه من أي شخص آخر، لقد تربّيت بطريقة معينة: لم تعمل النساء، زوجي الأول الذي كان أكبر مني بعشرين عاما لم تعجبه حقيقة أنني كنت أكتب، كان يعتقد أن الأمر غير مناسب، لكن طالما أنني لم أزعج أي شخص بها، فقد كان الأمر جيدا، كان عملي هذا السر المظلم، كان مثل شيء تفعله أمي في الليل عندما ينام الجميع، لم نتحدث عن ذلك أبدا، وكنت دائما أتحرك على رؤوس أصابعي في محاولة عدم إزعاج أي شخص، لقد كتبت دائما باسم عائلتي، لذا فقد كانت الكتابة نوعا من الهوية الثانية، لكن الأمر أصبح محرجا للغاية عندما حصلت فجأة على هذه المهنة الضخمة واشتهرت، لم يكن هذا هدفي أبدا. إنها حقا تسللت إليّ، لم أكن أتوقع ذلك على الإطلاق.

ما هو مفتاح الشراكات الناجحة بين الكتاب ووكلائهم وناشريهم؟

بالنسبة للناشرين عليهم أن يقتلوا أنفسهم لإنجاح كتابك، يجب أن يرى الوكلاء شيئًا ما في داخلك، إمكانية النمو، وأن يكونوا نشيطين للغاية ومخلصين للغاية، أصبح النشر اليوم أكثر صعوبة مما كان عليه من قبل، نظرا لوجود عدد قليل جدا من الدور الكبيرة المتبقية مما يعني أنه إذا لم تكوني سعيدة لأي سبب من الأسباب مع الناشر فليس هناك العديد من الأماكن للذهاب إليها، لطالما قاتل الناشر مورت من أجلي.

لأي سبب تعتقدين أن أعمالك اشتهرت؟

لقد عشت حياة ممتلئة للغاية وعانيت الكثير، الطلاق وفقدان ابني، أنا أكتب من قلبي عن الأشياء التي تحدث لنا جميعا، أنا منفتحة وصادقة بشأن العواطف والأشياء التي تؤذينا أو تخيفنا أو تجعلنا سعداء، يرتبط الناس بذلك، الأمر الآخر هو أنني أشعر بمسؤولية حقيقية لإعطاء الناس إحساسا بالأمل وتشجيعهم على التماسك، نعم، تحدث أشياء سيئة لشخصياتي، لكني أحضرهم إلى الوطن، إلى ملاذ آمن، أسميه انتصاراً بثمن.

من خلال تلك الصدمات الشخصية، وخاصة انتحار ابنك، كيف تعاملت معها؟

إن أسوأ شيء حدث لي هو وفاة ابني، وفي الأسابيع الثلاثة التي تلت ذلك، لم أكتب مثل هذا الشيء في حياتي، قررت أن أكتب عنه، لأنه في ذلك الوقت منذ ما يقرب من 20 عاما، كان الأمر يعتبر وصمة عار كبيرة، كان ثنائي القطب (أو ما يُسمى في السابق بالاكتئاب الهوسي) وكان طفلا رائعا مثل العديد من الأشخاص المصابين بهذا الاضطراب، لكن إذا كنت في حفل عشاء وقلت في محادثة: «لديّ ابن مصاب بمرض عقلي» فإن إلقاء قنبلة على الطاولة سيكون له تأثير أقل، كان هذا من التابوهات، بالنسبة لي لم يكن الأمر مختلفا عما إذا كان مصابًا بمرض السكري، لقد أمضينا حياته كلها في إدارة الأدوية والعلاجات ومحاولة إيجاد حلول، ترك موته فجوة في حياتنا وفي قلبي، لذلك كتبت كتابا عنه «ضوؤه الساطع: قصة نايك تراينا) وأصبح مطلوبا للقراءة في أقسام الطب النفسي في كلية الطب، وأعتقد أنه لا يزال، لأنه كان سردا صادقا للغاية، في ذلك الوقت، اعتقدوا أنه لا يمكن تشخيص الاضطراب حتى يبلغ المرضى العشرينيات من العمر، اليوم يقومون بتشخيص الاضطراب في سن الثالثة، فتكون لديك فرصة أفضل للمساعدة، لذلك كتبت بشكل مكثف في ذلك العام وقد ساعدني الأمر، لكن من الصعب التكهن بما يمكن أن يحدث، لقد أصبت بصدمة أخرى منعتني بدلاً من تأجيج الرغبة، وأثناء فترة الحجز الصحي هنا في فرنسا، وجدت أنه من الصعب للغاية الكتابة. كان الأمر أشبه بجر وحيد قرن ميت حوله. جلست هناك بضعة أيام وأنتجت صفحتين في 18 ساعة. لكن لم يكن من المفترض أن نغادر منازلنا، إلا أن نمشي مع كلب، كنت وحدي في شقتي لمدة 77 يوما.

مع وجود العديد من أفضل الكتب مبيعا، هل تطاردين دائما شخصا آخر؟

باختصار: نعم. أنا شخص قلق بطبيعتي، لذلك أخشى دائما أن يكون كتابي التالي هو الكتاب الذي يكرهه الجميع، وبعد ذلك أشعر بسعادة غامرة عندما لا يكون الأمر كذلك، أعني أنا لا أدخل في حالة هستيرية إذا لم تصل كتبي إلى الرقم واحد، لكنني سأتساءل: لماذا لم يكن ذلك أفضل؟ هل يجب أن أفعل شيئا مختلفا؟ أنا حقا أحاول جاهدة مع كل كتاب، أنا متحمسة للغاية للتنافس مع نفسي، أعتقد أنني أطارد التميز.

وماذا عن الآلة الكاتبة؟

لقد اعتدت على الآلة الكاتبة، عندما كنت فقيرة نسبيا، في بداية مسيرتي المهنية، اشتريتها مقابل 20 دولارا من متجر خردة، إنها آلة ألمانية فاخرة للغاية: أولمبيا، مصنوعة بشكل جميل، مع لوحة مفاتيح ثقيلة ومتباعدة، لقد كتبت كل كتبي عليها، وأنا أحبها وحسب، أكتب المسودة الأولى مرة واحدة، ومن ثمَّ فهي بحر من الملاحظات اليدوية، والعلامات النجمية، والسهام. المحررة الخاصة بي صبورة جدا.

وماذا الآن؟

عندما أموت، أعني، أكون قد فعلت شيئين في حياتي، أولاً، لقد ربيت مجموعة من الأطفال وثانيا أني كتبت، أنا أكثر فخرا بأطفالي مما أنا عليه في مسيرتي في الكتابة، لكني أحب مسيرتي كثيرا أيضا.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي