
تعكس المصالح المتزايدة لدول أوروبية بذاتها في العراق الأهمية الجيوستراتيجية المتزايدة لهذا البلد العربي بالنسبة للاتحاد الأوروبي.
وينطبق هذا بشكل خاص على فرنسا وإيطاليا؛ حيث يأتيان بالفعل في طليعة الدول الأوروبية، التي تحتفظ بعلاقات إستراتيجية مع العراق.
وتتمحور علاقات باريس وروما مع بغداد حول عدة أبعاد، يأتي في مقدمتها الأمن.
فعلى المستوى العسكري، يشارك البلدان العضوان في الاتحاد الأوروبي تاريخيا وتقليديا في الحرب ضد الإرهاب بالمنطقة والنمو العالمي للحركات الإسلامية المتطرفة.
وفي العراق، يشمل هذا الالتزام إرسال قوات، وتقديم مساعدة جوية لقوات الأمن العراقية، وهو دعم أساسي تحتاجه بغداد في كبح الخلايا المتبقية لما يسمى بتنظيم "الدولة" الإرهابي.
ومنذ ما يقرب من 20 عاما، تتواجد إيطاليا على الأراضي العراقية، بما يتماشى مع توجهات حلفائها الرئيسيين.
وفي الآونة الأخيرة، ترافق انسحاب إيطاليا من أفغانستان مع التعزيز التدريجي لدورها العسكري في العراق.
واعتبارا من مايو/أيار 2022، ستقود إيطاليا مهمة الناتو بالعراق، التي تعرف اختصارا بـ"إن إم آي".
وتم إطلاق "إن إم آي" عام 2018 بناءً على طلب بغداد، وهي عملية غير قتالية، واستشارية، وتدريبية، ومصممة لبناء القدرات، وللمساعدة في دعم المؤسسات الأمنية العراقية، وتحديدا وزارة الدفاع، من خلال إصلاح القطاع الأمني، فضلا عن تقديم التدريب والدعم للقوات المحلية في جهودها لمكافحة الإرهاب.
وبناءً على طلبات من الحكومة العراقية، من المتوقع أن يرفع "الناتو" حجم تواجده في العراق هذا العام إلى 4000 جندي (من 500 جندي سابقا).
ومع ذلك، فبدلا من أن تتسبب هذه الزيادة في "غضب" جديد بالبلد العربي، سيتم تنفيذ هذا الانتشار في ظل الاحترام الكامل لسيادة العراق وسلامته الإقليمية وستخضع القوات لسلطة بغداد.
وإذا تمت إدارة هذه المبادرة بشكل مناسب، يمكن أن تنتج فرصا جيدة لتعاون أمني هادئ ومستدام بغرض استعادة المؤسسات العراقية وسيادة الدولة.
كما يمكنها، أيضا، المساهمة في تحسين العلاقات الأمنية متعددة الجنسيات مع العراق، بما يتجاوز الحملة ضد تنظيم "الدولة"، وتوزيع عبء الدعم على نطاق أوسع بين حلفاء الولايات المتحدة.
وفي إطار أوسع، يمكن اعتبار توسيع مهمة "الناتو" بالعراق -التي تمت مناقشتها بالفعل في يونيو/حزيران 2021 خلال الاجتماع الوزاري للتحالف الدولة ضد تنظيم "الدولة" برئاسة مشتركة بين إيطاليا والولايات المتحدة- استجابة لرغبة واشنطن في انخراط حلفاءها بشكل أكبر في بمهمات نشطة بالشرق الأوسط.
ويعكس هذا النهج بدوره لحظة تقلص فيها واشنطن بشكل كبير من وجودها العسكري في المنطقة؛ بسبب الأولوية المتزايدة التي تمنحها إلى منطقة "الإندو-باسيفيك" (المحيطين الهندي والهادئ).
وفي العراق، لا تزال الولايات المتحدة تنشر 2500 جندي، لكن يجب أن تجلي القوات القتالية منها بالكامل بحلول نهاية العام الجاري.
وضمن هيكلة "الناتو" الجديدة في العراق، ستحتل القوات الإيطالية الحصة الأكبر من تعداد الأفراد، مع نشر 1180 فرد كجزء من عملية "بريما بارثيكا" -المساهمة الإيطالية في عملية العزم الصلب- ومهمة "إن إم آي".
ومن خلال تولي زمام رابع مهمة متعددة الأطراف في منطقة البحر المتوسط الأوسع (جنبا إلى جنب مع بعثة يونيفيل في لبنان، و"قوة كوسوفو" التابعة لحلف "الناتو"، وعملية "إيريني" في البحر المتوسط)، تعيد إيطاليا تأكيد دورها المتزايد داخل الحلف والتزامها الراسخ إزاء العراق.