صورة المرأة في رواية "نور" ليوسف زيدان

2021-10-06

 غلاف الرواية

محمد تحريشي*

رواية «نور» هي رواية عن المرأة في انكسارها وفي قوتها في ضعفها وفي جبروتها، في حبها وفي استغلالها، رواية عن ظلم الرجل للمرأة، وعن ظلم المرأة للمرأة وعن ظلم المرأة لنفسها، رواية عن الحرمان والاغتصاب وهضم الحقوق، خاصة الشرعية والمعاشرة الزوجية؛ رواية عن المرأة الأرض الخراب عبر علاقات زوجية غير متكافئة تفقد فيها المعايير فتسود اللامعيارية.

لا تجد الرواية حرجا في مناقشة بعض القضايا الحرجة، كالوقوف عند بعض أسماء الله الحسنى كالرحمن والغفور والمتعال، وبنوع من الهمز واللمز. «الله اسمه » الرحمن «ولذلك فسوف يرحم أبي، أما عزة فلن يسامحها الله أبدا، إذ ليس من بين أسمائه المسامح أو المتسامح أو السامح. لا أدري، فالأسماء قد لا تدل على المسمى.، وكيف يصح أصلاً اسم، لمسمى لا رسم له منْ يدري؟ فربما هناك سر لهذه الأسماء، وأنا لا أعلمه.

لكن الله اسمه أيضا «الغفور» وربما أراد أن يخطئ الناس في حقّه، ولاحقا يغفر لهم فينطبق عليه اسم الغفور، ويتحقق أيضا بهذا التعالي معنى اسمه «المتعال» الذي يعني أنه مفارق متجاوز، لا يكترث كثيرا بما يفعله الناس.. وكيف له أن يكترث، وكل شيء بالنسبة إليه هين أو معدوم الأهمية؟ والبشر أساسا لا شيء، فما هم في خاتمة التطواف إلا موجات متتاليات في بحر تحركه الرياح إلى حين، أو تنقش سطحه نقوش مؤقتة. ولكن شطآن الموت سرعان ما تكسر الموج كله وتطويه، مهما علا أو تسارع.

عموما أنا الآن لا شأن لي بعزّة ولا بغيرها، وليفعل بها ربّها ما يراه عادلاً.. ومنصفا.. الإنصاف! ما معنى هذه الكلمة العجيبة، وعلى أي شيء في الحياة تنطبق؟ يووه، لا فائدة. يجب أن أطرد عني هذه الأفكار كلها، فهي تتركني كل مرة حبيسة الحيرة» (رواية نور).

القلق والحيرة

هذا الطرح جاء ليعبر عن القلق والحيرة وبعض من الاضطراب الذي تعيشه هذه الشخصية، ولعل قلق السؤال هو ما يحرّك فعالية الكتابة في هذه الرواية، التي تبني تميزها من خلال هذا التمركز الذهني والفكري. هذه الرواية جاءت لتطرح السؤال أكثر مما تجيب عن وضعيات من الواقع أو المأمول أو المتخيل. وبغض النظر عن موقفنا مما تطرح هذه الرواية من تساؤلات، فإننا نجد أنفسنا أمام حوارية بين الذات وما تمثله من طموح ورغبة، والعقل وما يمثله من منطق وجموح وتجاوز وسمو.

رصدت الرواية صورة نموذجية للمرأة العاقر والولود والعانس والناشز والعجوز والنؤوم، القبيحة، فالجمال أنثوي وللذكورة الضد. ثم تتحول الرواية إلى صورة المرأة الإيجابية التي انتظمت أمورها الحياتية واستقامت من بعد اعوجاج، وتصل الرواية إلى الرجال هم ضحايا نساء ربت أطفالها غلط، «التدبير عكس الصدفة ولكن، لا.. هذه أوهام ! مجيء «نور» في واقع الأمر صدفة…. الأرض كان وجودها صدفة، وكذلك الكواكب والنجوم التي تولد وتموت في أقاصي الكون الفسيح، من دون أن نعرف عنها شيئا. هذه كلها «استروبيا» تحدث لا تدبيرا.

لكننا منذ خمس آلاف سنة نتحايل فنبرّر حدوثها بأنها إرادة آمون، ونهمس آمين، كي نطمئن ويعصمنا التحايل من الحيرة ومن الشعور بالعدمية إلى حين، حتى يبتلعنا العدمُ بلا قاعدة معلومة، ويطوينا الموت بخبط عشواء لا انتظام لها» (نور).

هكذا تسعى الرواية إلى رفع التحدي أمام القارئ لمناقشة قضايا مصيرية فتجعل التلقي نقاشا وحواراً، ومن ثم قد تتولد المتعة والإعجاب ليس بالحكاية أكثر مما تطرح من معالجة لأفكار ليس من السهل تناولها في أعمال سردية، وهي من الطابو من الموضوعات أو من الأفكار المستفزة التي تمس القارئ في العمق كالحديث عن التدبير والمصادفة والقصدية والعشوائية.

يقوم بناء الرواية على رصد الأحداث بشكل متداخل ومتقاطع، يبدأ باللحظة ويعود إلى الماضي ليستشرف المستقبل بامرأة قوية مكابدة ومثابرة تتحين لحظة المتعة والمنفعة المشتركة، بنوع من التحرر والحرية، مبررة التحول الممكن حصوله لتجاوز التحول السلبي نحو التعصب الديني. «معه اختلفت أفكاري ومشاعري وحياتي كلها.

صرتُ أرى بجلاء باهر ما لم يكن منظورا، وأفعل ما يفوق خيالي، وأقتحم بيسر ما كان محظورا، كأنه تمكن بلمسة ساحر من كشف الغطاء فاستعلنت النسوة السبع اللواتي كنَّ سجينات بسردابي السحيق، فخرجن إلى حدائق الروح يتراقصن تحت شمس النهار بأردية حريرية وردية الألوان». ولهذا جاء الجزء الأخير من الرواية ليعلن عما سيقع في مصر من صعود التيار الإسلامي، وظهور الإرهاب الديني، مقابل ممانعة ومقاومة لكل تشدد وتعصب.

«حتى صدمني سؤاله عن سبب خلعي الحجاب، ومتى خلعته! أجبتُ بإيجاز بأن ذلك كان منذ سنوات، لأسباب خاصة بي. قال: طبعا دي حرية شخصية وأنت كده أحلى من زمان، وجسمك يعني ما شاء الله، بس برضه يا نورا طاعة ربنا أهم من الشكل. صح ولا أنا غلطان؟

ـ إنت خدت تلفوني من «سفيان» أخوك، صح؟

كنت أريد الخروج به من هذه الزاوية، لاسيما مع سمته الذي صار قريبا من هيئة الوعاظ والدعاة التلفزيونيين الذين لا أحبهم». قلما تتناول الرواية العربية خطابا جريئا إلى حد تحريك الثابت والراكض على لسان امرأة، وينضم مثل هذا التوجه إلى خطاب نسوي في العالم العربي في سياق ما يعرف بالنسوية (féminisme) وهي دعوة إلى المساواة بين الجنسين، وتقوم على رؤية تتناول المسكوت عنه والتابو والحلال والحرام، بطرح فكري فيه من الجرأة والحدة ما يتجاوز المألوف والمعتاد، ويدعو إلى التحرر من وضع ساكن يرفض أي تحول أو تغير. «قالت:

ـ معلش يا نورا، همَّ الرجالة كده عندهم حِتّة عبط..

ـ لا يا روح قلبي، هُمَّ ضحايا ستات ربُّوا عيالهم غلط.

ـ خلاص يا نورا، شوفي لك واحد أجنبي. ودول كمان يبقى شكلهم حلو، شعر أصفر وعيون زرقاء، وبياض.

ـ هَهْ هَا، لا يمكن. دول عاملين زي بيض شمّ النسيم». وبمثل هذا الطرح تلامس الرواية الواقع والخيال في حياة المرأة. قدمت الرواية موقفا من وضع المرأة في المجتمع العربي بين السلبية والإيجابية لتدين وضعا غير سليم، لتكشف عن أن المرأة قابلة للتحول والتغير نحو قيم إيجابية وتصبح جادة وأكثر وعيا وأكثر نضجا، ولا تجد حرجا في نزع الحجاب، ومناقشة بعض الأمور التابو بجرأة وباحتقار لتقف عند اللامساواة وغياب العدل.

واقعية أكبر وحيوية ومصداقية

جاءت لغة الرواية بسيطة سعت إلى أن تناسب السرد والحوار والوصف، وتنقل مشاهد ومواقف، وتجاوزت المألوف والمعتاد من القول، لترسم شعرية موحية ودالة من مثل استطال الليل، والنهار الكسول.

وفي الوقت ذاته فقد أضفت العامية على الحوار واقعية أكبر وحيوية ومصداقية، وجعلت النص يندرج في سياق سوسيو ثقافي يحيل إلى بيئة لغوية مصرية مألوفة لدى القارئ العربي، ولا تقف حائلا أمام مستويات التلقي لديه؛ من ذلك: «طب، ولو كان قصده شريف. إيه رأيك؟

ـ مُش عارفة. يا ريت نأجل الكلام في الموضوع ده.

ـ ليه يا نورا بس، ده شكله كده ابن حلال. النهارده وانتِ في الشغل المدام (سامية) نادتني وكلّمتني في الموضوع، وهو حابب يقعد معاكِ.

ـ ما كانش يصح تطلعي لها.

ـ لا والله دي قابلتني كويس، وقالت لي إنها لولا العجز والتُّخن، كانت نزلت لي مخصوص. المهم، هو هيتصل بيك بكرة علشان ياخد ميعاد».

 

  • كاتب جزائري

 










شخصية العام

كاريكاتير

إستطلاعات الرأي