اكتشاف الآلية الخلوية التي تدفع النباتات للعمل لصالح الطفيليات

الجزيرة
2021-10-04

محمد شعبان: تستحوذ العديد من الطفيليات على الآلية الخلوية لعوائلها وتتلاعب بها لتجعلها تناسب معيشتها واحتياجاتها، وقد يتم هذا التلاعب أحيانا بشكل ضروس، وهو ما تحدثه بعض الطفيليات في النباتات التي تتطفل عليها.

وتُجبر هذه الطفيليات عوائلها من النباتات على توفير المسكن المناسب لاحتياجاتها، كما ترغمها على التخلي عن التكاثر، غير أن العلماء لا يعرفون كثيرا عن التفاصيل الجزيئية والميكانيكية لهذه العلمية.

وحديثا، كشفت دراسة بحثية -نشرت في دورية "سِل" (Cell)، في 17 سبتمبر/أيلول الماضي- عن آلية جديدة تستخدمها البكتيريا الطفيلية لإبطاء عملية الشيخوخة في النباتات؛ مما قد يمهد الطريق لحماية المحاصيل الأكثر عرضة للأمراض.

وطبقا للبيان الصحفي الذي نشره "مركز جون إينيس" (John Innes Centre) بالمملكة المتحدة، تعقيبا على الدراسة؛ فقد تعرف الباحثون على الجزيء الحيوي الذي تنتجه بكتيريا البلازما النباتية "الفيتوبلازما" (Phytoplasma bacteria) لتتلاعب بنمو النبات؛ إذ يتسبب إنتاج هذا البروتين داخل النبات في تعطيل عوامل النمو المنظمة والرئيسية، مما يؤدي إلى نمو غير طبيعي للنبات.

وتنتمي بكتيريا "الفيتوبلازما" إلى مجموعة الميكروبات التي تتميز بقدرتها على إعادة برمجة نمو نباتاتها المضيفة، وتتسبب غالبا هذه المجموعة من البكتيريا في ظاهرة بالأشجار تعرف باسم "مِقَشَّة الساحرة" (Witches’ brooms)، التي ينمو فيها عدد كبير من فروع الأشجار بالقرب من بعضها البعض.

وتعد هذه التجمعات الكثيفة من الفروع نتيجة لتوقف النبات عن التكاثر وبقائه في حالة خاملة. إضافة إلى ذلك، فإن بكتيريا "الفيتوبلازما" تتسبب في أمراض تهلك المحاصيل كاصفرار الأستر (Aster Yellows) الذي تنتج عنه خسائر كبيرة في محاصيل الأوراق والحبوب.

تلاعب خلوي

وتعقب ساسكيا هوغنهاوت (قائدة الدراسة) على هذه البكتيريا قائلة إن "الفيتوبلازما مثال رائع يجسد الكيفية التي تنتشر بها الجينات لما هو أبعد من الكائنات الحية حتى تؤثر على البيئات المحيطة".

وتضيف هوغنهاوت أن "النتائج التي توصنا إليها تلقي الضوء على الآلية الجزيئية المسببة لهذا النمط الظاهري؛ مما قد يساعد على إيجاد حلول لمشاكل رئيسية تتعلق بالإنتاج الغذائي"؛ إذ أظهرت النتائج التي توصل لها الفريق أن أحد البروتينات البكتيرية -الذي يعرف باسم "ساب 05" (SAP05)- يتلاعب بالآلية الخلوية للنبات لتحقيق أقصى استفادة من مضيفه.

ومن المعروف أن هناك آلة خلوية تعرف باسم "البروتيَزوم" (Proteasome)- تضطلع بتكسير البروتينات العطبة أو التي لم تعد الخلية النباتية بحاجة لها.

غير أن بروتين "ساب 05" يتلاعب بتلك الآلية الخلوية، وذلك بأن يرسل البروتينات اللازمة لتنظيم النمو والتطور إلى "البروتيَزوم" ليتم التخلص منها بشكل غير طبيعي من دون عنونتها طبيعيا ليتم التخلص منها وفقا لحاجة الخلية.

ومن ثم، فإن غياب البروتينات المنظمة للنمو والتطور النباتي يدفع إلى إعادة برمجة نمو النبات لصالح البكتيريا؛ إذ يتسبب ذلك في نمو براعم وأنسجة نباتية متعددة ويمهل عملية الشيخوخة.

إستراتيجية واعدة

كما قام الفريق بإجراء عدد من التجارب الجينية والحيوية على نباتات "رشاد أذن الفأر" (Arabidopsis thaliana) التي مكنتهم من فهم الدور التفصيلي الذي يقوم به بروتين "ساب 05″؛ إذ اكتشف الفريق أن هذا البروتين يرتبط مباشرة بالبروتينات المنظمة للنمو والتطور، كما يرتبط في الوقت نفسه "بالبروتيَزوم".

غير أن البروتينات النباتية اللازمة للنمو والتطور التي ترتبط ببروتين "ساب 05" تشبه أيضا بعض البروتينات الموجودة في الخلية الحيوانية؛ لذا قام الفريق بدراسة ارتباط بروتين "ساب 05" بتلك البروتينات الموجودة في الحشرات المسؤولة عن نقل البكتيريا من نبات لآخر، غير أنهم وجدوا أن البروتينات الحيوانية تختلف من الناحية التركيبية بشكل كاف عن نظيراتها النباتية، ومن ثم فإنها لا ترتبط ببروتين "ساب 05".

ومكنتهم النتيجة السابقة من التعرف على اثنين من الأحماض الأمينية الموجودة في "البروتيَزوم" الحيواني؛ إذ لاحظ الفريق أنه إذا تم تعديل هذين الحمضين الأمينيين في النبات ليصبحا كما هم عليه في الحشرات، فإن البروتينات المنظمة للنمو والتطور لن ترتبط ببروتين "ساب 05″، ولن يتم التخلص منها بشكل غير طبيعي؛ الأمر الذي سيمنع النمو غير الطبيعي للنبات، ومن ثم لن يظهر ذلك الشكل المعروف "بمِقَشَّة الساحرة".







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي