
مع بروز السياسة الخارجية الأمريكية الجديدة التي أصبحت تنظر إلى أجزاء من الشرق الأوسط على أنها ذات أهمية استراتيجية ضئيلة، سعت العديد من الدول في المنطقة إلى إصلاح العلاقات وحل مشاكلها الثنائية. وزاد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان الشعور بإلحاح هذه الخطوة.
وقد خلق هذا الاتجاه التصالحي جوا من التفاؤل في الشرق الأوسط، خاصة مع الجهود الناجحة التي أنهت الأزمة الدبلوماسية بين دول الخليج. والآن، أبدت مصر وتركيا اهتمامهما باستعادة العلاقات، ما يمثل اختراقا سياسيا مهما آخر في المنطقة.
ونظرا لأهميتهما الجيوسياسية، كانت مصر وتركيا من بين أكثر الفاعلين تأثيرا في سياسات الشرق الأوسط عبر التاريخ الحديث. ومع ذلك، اندلعت العداوة بين هاتين الدولتين في عام 2013 عندما أطاح الجيش المصري بالرئيس الراحل "محمد مرسي"، أول رئيس مدني منتخب ديمقراطيا لمصر.
وكانت تركيا من أوائل الدول التي عارضت الانقلاب، بل اتهم "رجب طيب أردوغان"، رئيس وزراء تركيا آنذاك، إسرائيل بالوقوف وراء الاضطرابات التي أدت إلى الإطاحة بـ"مرسي".
نتيجة لذلك، تراجعت العلاقات الثنائية بين أنقرة والقاهرة، ولم يفوت القادة في كلا البلدين فرصة لتبادل الانتقادات القاسية لبعضهم البعض. واستدعت مصر سفيرها من أنقرة في أغسطس/آب 2013، وردت أنقرة بالمثل بعد ذلك بأيام قليلة.
واتجهت أنقرة في وقت لاحق لاستقبال المعارضين المصريين. وفي غضون أشهر، أصبحت تركيا مقرا للمعارضة المصرية، المتمثلة بشكل أساسي في جماعة "الإخوان المسلمون". كما تم الترحيب بالصحفيين المصريين، ما جعل البلاد تستضيف العديد من المنصات الإعلامية المناهضة لنظام "السيسي".
ومع ذلك، في مارس/آذار الماضي، كشف مسؤولون أمنيون في القاهرة أنهم تلقوا مكالمات هاتفية من نظرائهم في أنقرة توضح رغبة تركيا في مناقشة التعاون الاقتصادي وغيره من أشكال التعاون الثنائي. وفي مايو/أيار، فوجئ العديد من المراقبين بزيارة وفد تركي رفيع برئاسة نائب وزير الخارجية "سادات أونال" إلى القاهرة حيث عقد اجتماعات مع كبار المسؤولين المصريين تناولت جهود تطبيع العلاقات الدبلوماسية.
وفي 7 سبتمبر/أيلول قام وفد مصري برئاسة نائب وزير الخارجية "حمدي سند لوزا" بزيارة رسمية لأنقرة. كما ناقش الجانبان خطوات تطبيع العلاقات وسبل حل المشاكل الثنائية وتخفيف التوترات الإقليمية في أماكن مثل ليبيا وشرق المتوسط.
الصراع الليبي
ويعتبر الوضع في ليبيا من أكثر القضايا الشائكة التي تؤثر على العلاقات بين تركيا ومصر. ومن المعروف أن أنقرة دعمت حكومة الوفاق الوطني في طرابلس، التي تعتبرها مصر قريبة من فصائل "الإخوان المسلمون"، وبينما أكدت تركيا أنها تدعم فقط الإدارة المعترف بها من قبل الأمم المتحدة في طرابلس، فقد اتهمت القاهرة بدعم الجنرال "خليفة حفتر" الذي يسعى للاستيلاء على السلطة بالقوة.
وبالرغم من التهديدات والتحذيرات المتبادلة والتي استمرت فترة من الزمن، أدركت تركيا ومصر أنهما غير قادرين على تحقيق نصر عسكري حاسم في الصراع الليبي، حيث لا تملك أي دولة منهما الأدوات اللازمة لتحقيق أهدافها بالكامل.