"الحب تحت السطوح" قصص زولا التي حولت باريس إلى أسطورة

2021-09-03

مدينة لها حكاياتها المثيرة

عمان – عرف الكاتب الفرنسي إميل زولا عند القارئ العربي كروائي عالمي أكثر بكثير مما عرف كقاص، وذلك من خلال الترجمات العديدة التي قدمت لأعماله الروائية الهامة، التي أسست للواقعية الطبيعية في الرواية الفرنسية، الأمر الذي يجعل ترجمة مجموعة من أعماله القصصية تنطوي على رغبة بتقديم الوجه الآخر من الإبداع السردي لهذا الكاتب الكبير إلى القارئ العربي، وفي نفس الوقت التعبير عن الاحتفاء بالقصة القصيرة، التي عملت الرواية على إزاحتها من موقعها نحو الهامش السردي في الثقافة العالمية الراهنة، لاسيما بعد أن احتفت جائزة نوبل بها وكرستها على حساب الأجناس الأدبية الأخرى.

وفي هذا الصدد صدر حديثا ضمن سلسلة أعمال الكاتب العالمي إميل زولا كتاب قصصي جديد بعنوان “الحب تحت السطوح” بترجمة إسكندر حبش، ويقدم قصصا قصيرة للكاتب.

   

القصص تقدم صورة أخرى من صور الكتابة الأدبية الحكائية عند زولا، وهي صورة أقاصيصه القصيرة وحكاياته الفانتازية.

وإن إعادة الاعتبار لأعمال زولا القصصية هي محاولة لتقدير منجزه السردي بصورة عامة، خاصة وأن عالمه القصصي يتقاطع من حيث الموضوعات والقيم الجمالية والروح الإنسانية مع عالمه الروائي.

وتتميز قصص الكتاب بأسلوب زولا الذي يسهب في الوصف وسرد التفاصيل الخاصة بالأحداث والشخصيات بهدف إبراز صورة الواقع الاجتماعي بأبعاده النفسية والروحية والأخلاقية والاقتصادية القاسية، رغبة منه في تمثل تجربة الإنسان الاجتماعية والروحية والإنسانية فيه، ونقل صورة واسعة عن آثارها وشقائها ومفارقاتها الشاقة في ظل سلطة العلاقات الرأسمالية الجائرة.

محاولة لتقدير منجز إميل زولا السردي

كما تحاول هذه الترجمات، التي تضمّها دفتا هذا الكتاب، أن تقدم صورة أخرى من صور الكتابة الأدبية (الحكائية) عند الكاتب الفرنسي زولا، وهي صورة أقاصيصه القصيرة وبعض حكاياته المتنوعة التي تنحو أحيانا إلى الفانتازيا كما إلى الأسطورة الخاصة، ونقصد بذلك تلك الأسطورة التي يخترعها الكاتب بنفسه، ليصل عبرها إلى كتابة جزء من واقع وجد فيه معينه الذي لا ينضب.

تصدر حكايات زولا عن وعي عميق من الكاتب بالشكل والمضمون اللذين يؤسسهما، وعي جعله مشغولا برصد تحولات مدينة باريس التي شكلت مختبرا لتحولات ذلك العصر، ومستخدما تارة لغة السخرية والتهكم وتارة أخرى تقنيات القصة الخرافية للتعبير عن فظاعات الواقع الإنساني، وهو ما نجده حاضرا بقوة في بعض القصص.

كما تحتل القصة الاجتماعية حيزا من الكتاب، ويمكن اعتبار هذه القصص بمثابة تدريب أولي من قبل زولا على كتابة أعماله الروائية، نظرا للتقارب الكبير في موضوعاتها والرؤية السردية التي تعبّر عن شواغل السرد عند الكاتب.

بلغة شعرية موحية يبدأ زولا أغلب قصصه تاركا للراوي العليم أن يروي وقائعها بلغة شعرية لا تقل إيحاء وتكثيفا لصورة ضواحي باريس المسكونة بشجن أبدي، ناجم عمّا فعلته بها يد الإنسان من تقطيع وتمزيق. وعلى غرار السرد التقليدي الذي يتميز السرد فيه بحركته الخطية، وتعاقب أحداثه وتصاعدها، فإن القصة عند زولا تلتزم بهذا البناء السردي للقصة، بينما يظهر الاهتمام الواضح في العتبة السردية بوصف المكان الذي ستجري فيه أحداث الشخصية أو بتقديم شخصية بطل القصة.

في الجوهر لا تبدو هذه الأقاصيص وكأنها تقف على نقيض من مشروع زولا الروائي. صحيح أنه كان مؤسس التيّار الطبيعي في أدب القرن التاسع عشر، وهو مذهب في الفن والأدب نشأ في فرنسا بداية من عام 1880 وتميز بالنزوع إلى تطبيق مبادئ العلوم الطبيعية وأساليبها وبخاصة النظرة الداروينية إلى الطبيعة على الأدب والفن، وهي النظرية التي تنص على أن جميع أنواع الكائنات الحية تنشأ وتتطور من خلال عملية الانتقاء الطبيعي للطفرات الموروثة التي تزيد من قدرة الفرد على المنافسة والبقاء على قيد الحياة والتكاثر.

إن الفكرة الجوهرية في المدرسة الطبيعية كما عبّر عنها زولا هي تحري الحقيقة في الفن وفي الرواية خاصة. والحقيقة هي نتيجة لمسعى يشبه إلى حد بعيد المنهج العلمي، أي الملاحظة والتحليل والتجريب واستنباط الأسباب، ورفض لكل أشكال المثالية والدوغمائية والرقابة، وإيمان بالإنسانية التي تصورها أعمال إبداعية واقعية. وأضحت الرواية بفضله تجريبية تخضع الشخصية الروائية لسلسلة من الامتحانات التي يمكن مقارنتها بالتجربة العلمية.

مع زولا غرف هذا التيّار الأدبي كثيرا من الواقع، وإن اختلف عنه في تفاصيل عدة، أي ليبتعد عن التيّار الواقعي الذي سبقه، إلا أن بذور هذه الرؤية الخاصة للواقع، تتبدى هنا، في لمحات منها، ضمن هذه الأقاصيص، التي حاول المترجم في اختيارها، لترجمتها، أن يراعي جوانب تنوع المناخ الكتابي، ويقصد بذلك، أنه حاول ألا يقف عند مناخات متشابهة، بل أن يقدم مشاهد مختلفة، تأتي من اختلافات إميل زولا نفسه في طرحه للموضوعات التي عالجها.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي