
عزيز العرباوي *
يحدد الناقد المغربي الحسين أيت بها في كتابه الجديد «سرديات معاصرة: قراءات في السرد المغربي المعاصر» خصائص كل منهج ومفاهيمه، إضافة إلى تجريبه على نصوص سردية قصيرة، سواء باستفادته من دراسات وأبحاث كتاب ونقاد مغاربة سابقين، أو من خلال ما عمل على قراءته وتحليله من نصوص اختارها وفق ذائقته الأدبية والقرائية الخاصة.
اعتمد الناقد في كتابه هذا على منهج موضوعي متكامل، تمثل بالدرجة الأولى كما يقول في مقدمة الكتاب في «المقاربة الشاملة للرواية، فتحددت الدراسة مع (الانطباعية والموضوعية ونظرية التلقي)، كمحاولة منا للانفتاح على المناهج النقدية الغربية الحديثة، التي تعيد الاعتبار للنص الأدبي، كأثر فني وللقارئ كطرف ثالث قادر على تلقي النص وتأويله، ليعيد تشكيل النص بحسب قدراته ومستويات فهمه».
التكامل أو التعارض المنهجي
يلامس الناقد تضاربًا في المواقف بين الانطباعية والموضوعاتية وتناقضًا واضح المعالم من خلال: التداخل بين الذات والموضوع والالتباس الغريب بينهما، قد يجعل الناقد يسقط في مسألة إصدار الأحكام النقدية الشخصية ويدافع عنها بكل قوة.
ينطلق الناقد من الشروط الموضوعية للتجربة الروائية المغربية، حيث يؤكد أن كل ما هو موضوعي يرتبط بالسياقات الاجتماعية والسياسية التاريخية، وكذلك بكل ما هو ذاتي متعلق بشخصية المبدع الروائي نفسه وتفاعله مع المحيط الذي يتفاعل معه، ومن خلال تجربته السردية وارتباطها الوثيق بثقافته الموسوعية وبالأدب العربي القديم والحديث والأدب الغربي بكل أجناسه.
ومن هنا يتحدث عن هذه الشروط الموضوعية فيحددها في: شرط التجربة الذاتية، وشرط البيئة، وشرط الحرية، وشرط تطور الأفكار الجديدة والتأثر بالغرب، وشرط الخيال (استخدام التخييل).
لقد وقف الحسين أيت بها على جمالية النصوص السردية المدروسة في كتابه، سواء كانت روايات أو مجموعات قصصية، اختارها بعناية، محاولًا التعرف على تقنياتها السردية وعناصر البناء السردي في كل نص على حدة؛ حيث يعتقد أن تقدير العمل الأدبي يتم من خلال تذوقه أولًا وتمثله أحسن تمثيل، ثم بعد ذلك تأتي مرحلة التأويل والتحليل المرتبطة أساسًا بعملية استحضار المنهج المناسب لدراسته.
فالناقد ينطلق من خطوة الإعجاب بالنص المقروء ثم ينتقل مباشرة إلى تفكيك شفراته وتحليل أجزائه وعناصره من أجل اكتشاف أشكال متعددة للسرد والكتابة الحديثة والمعاصرة المبنية على أسس ومبادئ جديدة في الكتابة السردية عمومًا.
المدونة السردية المغربية
إن اختيار الناقد لنصوص محددة من المدونة السردية المغربية المعاصرة لم يكن بمحض الصدفة، أو من قبيل الاختيار العشوائي، بل كان اختيارًا موفقًا يقوم على أساس القراءة المتأنية للنصوص بهدوء وسلاسة، ثم انتقاء البعض منها لتحليلها والكتابة عنها.
وهذا مرده إلى كون الناقد المعاصر أصبح مفروضًا عليه الاختيار والانتقاء بين النصوص التي يرغب في الكتابة عنها، أولًا للوفرة الكبيرة من النصوص المنشورة في المغرب خلال العقد الأخير، وثانيًا لمسألة غاية في الأهمية تتطلب الحزم منه، وهي عدم الانجرار إلى الكتابة عن كل نص يصله أو يقرأه مهما كان كاتبه ومؤلفه وكيفما كانت الجهة التي أصدرته.
إن اهتمام الناقد بالنصوص الروائية والقصصية المغربية المعاصرة ينطلق بالأساس من ذائقته الأدبية، ثم يمر عبر قناعته بكون هذه النصوص قد تركت أثرًا واضحًا في المدونة السردية المغربية، ووصلت إلى مكانة متميزة جعلت منها روايات مؤثرة على المستوى العربي، خاصة وأنها من إبداع كتّاب لهم مكانة في العالم العربي واحترام وتقدير في كل أقطاره من المحيط إلى الخليج.
حيث درس الناقد النصوص التالية: رواية «عين الفرس»، رواية «جزيرة الذكور»، رواية «حطب سراييفو»، مجموعة «عودة ميكيافيلي» للصديق أورهان، «نوميديا» لطارق بكاري، «المغاربة» لعبدالكريم جويطي، «مرافئ الوجع» للحسن أيت العامل، رواية «أموات على قيد الحياة» لمصطفى الهاموس، مجموعة «أفلاطون يصل متأخرًا» لسعيد الموزون، ورواية «القاتل الأشقر» لطارق بكاري.
عناصر جمالية
وفي الختام، نقول إن الناقد والمبدع المغربي الشاب الحسين أيت بها، قد استطاع أن يقدم نفسه في الساحة الأدبية المغربية ككاتب وناقد يدرك أهمية الكتابة عن السرد المغربي المعاصر، لأنه أوجد لنفسه مساحة في المدونة السردية العربية أخيرًا، واستطاع أن ينافس على جوائز كبرى ومؤثرة في الساحة.
فالأسماء المغربية التي حصلت على الجوائز العربية عديدة، والنصوص السردية التي تركت أثرها لدى القارئ العربي متعددة يضيق المجال لسردها في هذا الحيز المختصر.
ومن هنا، نعتقد أن اختيارات الناقد لهذه النصوص السردية كان موفقًا إلى أبعد تقدير، سواء من خلال تقديمها بشكل تحليلي متميز سهلت على القارئ فهمها وإدراك عناصر جماليتها ولغتها السردية، أو من خلال الوقوف على أهم الشروط الموضوعية المحددة ظروف كتابتها وتأليفها.