من هو هائل سعيد أنعم

2021-08-18

ولد التاجر الإنسان، هائل سعيد أنعم في قرية قرض من عزلة الأعروق التابعة لمديرية حيفان جنوب تعز، وتوفي في مدينة تعز. وهو رجل أعمال، نشأ في محيط أسري صالح يعمل في الزارعة والحياكة.

هاجر إلى فرنسا مرتين، إجماليهما عشرة أعوام، عمل فيها كبحار، ثم عاملاً ومشرفًا على العمال في أحد مصانع مدينة مارسيليا، حيث التقى

بالشيخ المتصوف المناضل عبد الله بن علي الحكيمي، وفي النصف الثاني من عقد الثلاثينات من القرن الماضي حطت به الرحال في مدينتي "بربرة"، و"هرجيسه" في أرض الصومال، ثم استقر به المقام أخيرًا في مدينة عدن؛ ليباشر أول عمل تجاري خاص ما لبث أن تطور، وحقق نجاحات متوالية توسعت نحو شمال الوطن، فبدأ مع شركائه يتوسع في مجال تصدير المنتجات الزراعية والحيوانية والوطنية، واستيراد مختلف أنواع المنتجات؛ ما قاد إلى كسر احتكار نشاط التجارة الخارجية الذي كان منحصرًا حتى مطلع عقد الخمسينات بالشركات والبيوت التجارية الأجنبية، ثم بدأ الاتجاه نحو تنفيذ أول مشروع صناعي تم افتتاحه عام 1390ه/1970م، ثم أسس بعد ذلك مجموعة تجارية وصناعية امتد نشاطها إلى مناطق عديدة.

 أسهم هائل سعيد في تأسيس الجمعيات الخيرية والهيئات، وأيد وساند ثورة 26 سبتمبر/ أيلول 1962، في اليمن بتجنيد الشباب للحرس الوطني وتجهيزهم؛ فدفع ذلك إلى صدور قرار المندوب السامي البريطاني عام 1383ه/ 1963م بإبعاده من عدن إلى الشمال، كما أسهم وعمل بلا كلل بجمع التبرعات، وتقديم الدعم للجبهات العاملة لجلاء الاستعمار البريطاني، وتحقيق الاستقلال، وعقب تحقيق الاستقلال عن الاستعمار البريطاني في جنوب اليمن غادر عدن إلى مدينة تعز، ولم يعد إليها إلا قبل وفاته بعد السماح بالتنقل بين الشطرين.

ارتأى هايل سعيد الاستقرار في مدينة عدن، وفيها فتح دكانًا صغيرًا في حي المعلا؛ ذلك الحي النائي يومها عن قلب المدينة. كان هذا في العام 1938، وهو العام الذي انطلق فيه بشكل جدي لعالم التجارة

زار القدس الشريف، وتعرف إلى المآثر التاريخية التي تتحدث عن أصالتها وقيمتها التاريخية، وخلال العشرين عامًا الأخيرة من عمره تفرغ للأعمال الخيرية بمختلف مجالاتها. خلف المرحوم هائل سعيد أنعم ثمانية أبناء ذكور هم: أحمد، وعبد الرحمن، وعبد الواسع، وعبد الجبار، ورشاد، وفؤاد، وإبراهيم، وأصغرهم نبيل، وثمان بنات، وكلهم نسيج خير وصلاح، وقد جاءت شهرته الكبيرة من مكانته كأبرز رجال الاقتصاد اليمني، بل كأبرز رجال البر والخير؛ إذ امتدت أعماله الخيرية في بلده اليمن، كما امتدت إلى معظم البلدان خارجها.

سيرة حياته كما وردت في بعض المواقع بتصرف:

     في العام 1902، في قرية قرض عزلة الأعروق، مديرية حيفان- جنوب تعز- ولد الحاج هائل سعيد أنعم زيد علي ناصر، وكان ترتيبه الرابع بين أخوته. لم تكن أسرته ثرية، أو صاحبة جاه أو سلطان، بل كانت مفعمة بالقيم الإنسانية النبيلة التي ربت عليها أولادها.

اتسع نطاق عمل هائل سعيد أنعم على مستوى اليمن وخارجه؛ إذ كان العمل الإنساني مغروسًا في أصل جبلته، وما طبع عليه من الروحانية التي صقلت روحه، وهذبت نفسه؛ فأصبح يجود بالخير بنفس راضية مطمئنة.

اعتبر هايل سعيد العمل عبادة يتقرب بها إلى الله، وقام بتجسيدها في حياته العملية؛ ومنذ البداية أسس المصانع مقرونة بالمدارس والمساجد والاعمال الإنسانية والمشاريع التنموية. زاوج بين العمل والعبادة بطريقه فريدة قلَّ من يحسنها أو يقوم بها؛ فأشبع حاجته وحاجة المحتاجين للرزق بالعمل الكريم؛ كما حقق رغبتهم للتعليم ببناء المدارس ودور العلم، وأشبع حاجتهم الروحية بدور العبادة التي يطهرون بها أرواحهم، ويغسلون عنها وضر الحياة ومشقتها.

منذ نعومة أظفار هايل سعيد لم يكف عن العمل والحركة الدؤوبة والنشطة؛ فعمل راعيًا للأغنام، وتاجرًا للجلود على مستوى اليمن وخارجه، كما خاض عباب البحر، فعمل بحاراً من مرسيليا إلى الصومال، ثم عدن.

عمل هايل بالتجارة بضمير الإنسان الحي والمؤمن التقى؛ فلم يسقط فيما سقط فيه غيره من التجار، وهم كثر، إلى وهدة الجشع والاحتكار. هكذا كان هائل سعيد أنعم يتلمس حاجات الفقراء والمعوزين، ويزور المرضى في مشافيهم بوجه يشع رضا وطمأنينة ومحبة وعطاء.

البداية:

كان المبتدأ هو العام 1923، ففيه ودع الشاب هائل أهله وزوجه الباكية، متجهًا تلقاء عدن- تلك المدينة التي يقال عنها إنها بلد المسكين؛ سافر صحبة مجموعة من أبناء عمومته وأهل قريته، ومنها إلى فرنسا مستقلاً باخرة تتجه صوب مرسيليا. وقد تكون هذه هي نقطة التحول في حياة هذا الشاب المكافح؛ فمن خلال هذه الرحلة تعرف على الكثير من الأمور التجارية، ومنها عرف كيفية معاملة الناس واكتساب ثقتهم.

 لقد صقلته هذه الرحلة التي استمرت قرابة عشر سنوات متفرقة؛ فخرج منها رجلاً عرك الحياة، وخبر البشر، ووقف على أسرار التجارة والبيع والشراء. ثم لم يلبث أن لبى داعي الشوق؛ فعاد إلى مسقط رأسه بعد تعثر الأعمال في هذه المدينة، لكنه كان قد تبلورت شخصيته التجارية، وتشكلت معالم المهنة في رأسه؛ ليضع قدميه على أول الطريق في عالم التجارة والأعمال.

في الصومال

عاد هايل سعيد من فرنسا إلى قريته، ليفجع بخبر وفاة والده، فلم يطب له المقام بعدها، وقرر، بعد أن نصحه ابن عمه وبعض أصدقائه، الهجرة إلى الصومال- "بربره"، والعمل فيها بتجارة الجلود، وتوريدها إلى ميناء عدن، ورغم الخسارة التي لاقاها في البداية إلا أنه بفضل عزيمته، ومضائه، نجح في تثبيت قدمه في هذا العالم المتغير والمتقلب. استمر عمله في بربرة قرابة السنتين، ليقرر بعدها العودة إلى وطنه اليمن، ويختم الفصل الأخير من فصول الاغتراب، والهجرة في حياته.

ارتأى هايل سعيد الاستقرار في مدينة عدن، وفيها فتح دكانًا صغيرًا في حي المعلا؛ ذلك الحي النائي يومها عن قلب المدينة. كان هذا في العام 1938، وهو العام الذي انطلق فيه بشكل جدي لعالم التجارة.

 

العلاقة مع "البس، و"بارك"

 

     يعتبر "البس"، وهو تاجر فرنسي، من كبار التجار وأشهرهم في منطقة البحر الأحمر وشرق إفريقيا، وكان يحتكر تجارة المواد الغذائية، والملابس، والكثير من السلع. وقد كان الشاب هائل قد بدأ التعامل معه بشراء السلع الغذائية، والأقمشة من شركته الشهيرة- شركة "البس "، ثم يقوم بعدها بتوزيعها على تجار "المكلا"، لم يلبث على هذا الحال كثيرًا؛ حتى كسب ود مدير الشركة الهندي- " السيد بارك " الذي أعجب بمعاملته، وحسن أخلاقه، ووفائه؛ فكان أن تطورت العلاقة بينهما؛ حتى أن بارك أعطى الشاب هائل الكثير من البضائع دون أي ضمان يذكر لثقته فيه؛ وبهذه العلاقة الناجحة كان توسع هايل في تجارته، وما لبث بعدها أن اشترى طاحونًا، فصار إخوانه وأبناء اخوانه يشتركون معه في العمل فيهما، واستمر الحال على ذلك حتى نهاية الحرب العالمية الثانية تقريباً.

هائل سعيد أنعم وشركاءه

خلال المرحلة الممتدة من عام 1938-1952 كان النشاط التجاري يعرف باسم "هائل سعيد أنعم وإخوانه" غير أن التسمية للشركة تغيرت في العام 1952 لتصبح "شركة هائل سعيد أنعم وشركائه؛ إثر وفاة محمد سعيد أنعم- الأخ الأكبر لهايل.

هائل والاتجاه نحو آفاق جديدة

     كانت فترة الخمسينات قد شكلت تطوراً واسعاً في جوانب الحياة المختلفة في الجنوب والشمال، سواء على المستوى الاقتصادي أو التجاري، وذلك بعد إنشاء المصافي في "البريقة" عام 1954، إذ تم إنشاؤها كتعويض للمصالح الإنجليزية البترولية التي فقدتها في إيران.

بدأ النشاط التجاري لشركة هائل وشركاه يطرد في توسعه، ويتنامى عن طريق التصدير للسلع اليمنية الزراعية، بعد انتقال هذه الشركة إلى الشمال عام 1969، عقب تأميم بعض الممتلكات في جنوب الوطن، وذلك عن طريق تصدير العديد من المنتجات الزراعية كـ: (الذرة، والغرب، والدخن، والسمسم، والبن)، إضافة إلى الجلود، ومن ثم شحنها بعد تجميعها من التجار إلى ميناء عدن، ومنه إلى أوروبا، والهند، ودول أخرى.

دعم الحركة التعليمية والثقافية

عرف الحاج هائل سعيد في بدايته داخل عدن بالرجل الصالح، والتاجر المحب لأصدقائه في عمله، وقد شهر بحبه لصلاح ذات البين، وحل القضايا العالقة بين الناس، باذلاً ماله في سبيل ذلك، كما كرس جزءًا من تجارته في إنشاء المدارس والمستشفيات والمساجد.

دوره النضالي

لم تشغل هائل سعيد تجارته عن القضية الوطنية، سواء في مقارعة الاستعمار في الجنوب، أو استبداد الإمامة في الشمال، وقد وصف المرحوم الأستاذ محمد على الأسودي في كتابه "حركة الأحرار" بأن دور الحاج هائل سعيد وأبناء عمومته دور مشهود، وذكر أنهم كانوا يقومون بأعمال جليلة وصادقة، وكانوا لا يرجون من وراء ذلك شهرة ولا جزاء.

يقول الأسودي في كتابه هذا: "وقد شارك في المجهود الوطني رائد وطني، وقطب من أقطاب رأس المال الوطني- المواطن الغيور الحاج هائل سعيد أنعم".

ولما عرف هائل سعيد بدعمه للثوار في الجنوب قررت السلطة البريطانية إبعاده منها، فقال عبارته المأثورة: " سوف أقبل هذا القرار بكل سرور؛ لأني سوف أنتقل من داري الأولى إلى داري الثانية". وقال أيضًا: "إن ما نقدمه وما قدمناه في دعم الثورة، إنما نقدمه لأنفسنا، ولأبنائنا، ولأجيالنا القادمة، ومن الواجب علينا أن نحمي إنجازات الشهداء الذين ضحوا من أجلنا.

هائل سعيد في القدس

كان الحاج هائل سعيد يحب زيارات المساجد والمآثر الإسلامية؛ لذا قرر زيارة بيت المقدس التي كانت آنذاك خارج الاحتلال الصهيوني والتي ضمت بعد ذلك بعد نكسة 1967م.

خلق التواضع والحياء

من الصفات الخلقية الرئيسية في شخصية المرحوم خلق التواضع الذي طبع عليه دون تكلف أو تصنع، والذي عكس نفسه على سلوكه ومظهره الخارجي، حتى صار ذلك معروفًا لدى كل الناس.

أسست مجموعة هائل سعيد أنعم في عام 1938 من قبل المرحوم رجل الأعمال الثري هائل سعيد أنعم الذي يعتبر من أثرياء الشرق الأوسط، وعرفت المجموعة ابتداءً بشركة هائل سعيد أنعم وإخوانه المتخصصة في مجالات: الاستيراد، والتصدير، والتوكيلات العامة. من خلال عمل أنعم في عدن والصومال وفرنسا

كما كان هائل محبًا لمجالس العلم، فكان لا يفارقها، ولا يغيب عنها رغم مشاغله الكثيرة، وأعماله المزدحمة، وخصوصًا بعد إنشاء المصانع عام 1970 في منطقة الحوبان بمدينة تعز.

مواقف إنسانية رائدة

في عام 1972م اجتاحت البلاد مجاعة، وعانى الوطن شحة في المنتجات الزراعية، إضافة إلى نزوح بعض أبناء الجنوب إلى الشمال، هروبًا من الوضع السياسي هناك، وفي هذا الظرف العصيب بادر الحاج هائل باستيراد القمح، وقدم الدعم لتغطية حاجة البلاد، وتغطية ثمنه بالعملة الصعبة؛ نظراً لعدم توفر العملة لدى البنك اليمني للإنشاء والتعمير.

المرضى ورعايتهم

عرف المرحوم هائل بعاطفته الحارة نحو المرضى؛ لما جبل عليه من الشفقة والرحمة؛ فلا تراه من حين لآخر إلا زائرًا لهم يواسيهم، ويحنو عليهم، ويرعاهم الرعاية الكاملة، ويعودهم في مشافيهم التي يرقدون بها، ويعمل على توفير الدواء لهم، وكذلك توفير الدم لمن يحتاج اليه، كما أنه يقوم بنقلهم بسيارته دون كلل غير مانٍ ولا متفضل، بل تغمره الفرحة، ويغشاه السرور بهذا العمل الإنساني النبيل، بالإضافة إلى قيامه بمساعدة من يحتاج منهم للسفر للخارج بسبب سوء حالته بتغطية مصاريف سفره وعلاجه.

رحلة الوداع

ودع الحياة فقيدنا الحاج هائل سعيد أنعم رجل الخير والأعمال الإنسانية، في الثامن والعشرين أو السابع والعشرين من رمضان من العام 1990م. وقد شاءت الأقدار أنه في السنة التي رحل فيها أدى الحاج هائل عمرته في شعبان.

بعد ذلك غادر متجهًا إلى قريته في منطقة الأعروق التابعة لمديرية حيفان، وفي طريقه كان لا يمر بمكان ولا سوق، ثم لا يرى من يحتاج المساعدة إلا مد له يد العون، ومن ذلك أنه رأى فتاتين ترعيان الأغنام، فناداهما، وأعطاهما من المال ما أفرح صدورهما.    







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي